نزوح كثيف للمنكوبين من كاتماندو مع ارتفاع عدد الضحايا إلى 4 آلاف

مخاوف من تفشي الأمراض بين المشردين بعد انهيار آلاف المنازل

أفراد أسرة نيبالية يعاينون الدمار الذي خلفه الزلزال العنيف في بهاكتابور بنيبال أمس (إ.ب.أ)
أفراد أسرة نيبالية يعاينون الدمار الذي خلفه الزلزال العنيف في بهاكتابور بنيبال أمس (إ.ب.أ)
TT

نزوح كثيف للمنكوبين من كاتماندو مع ارتفاع عدد الضحايا إلى 4 آلاف

أفراد أسرة نيبالية يعاينون الدمار الذي خلفه الزلزال العنيف في بهاكتابور بنيبال أمس (إ.ب.أ)
أفراد أسرة نيبالية يعاينون الدمار الذي خلفه الزلزال العنيف في بهاكتابور بنيبال أمس (إ.ب.أ)

حاول مئات المواطنين النيباليين الفرار من كاتماندو عاصمة نيبال المنكوبة أمس من جراء زلزال مدمر أدى إلى مقتل أكثر من 4000 شخص وجرح 7500. بينما وعدت الأمم المتحدة بتكثيف المساعدة الإنسانية للمنكوبين.
وكان الناجون من الزلزال يتهافتون لشراء المواد الغذائية والتزود بالوقود خشية حصول نقص في هذه المواد. كما تصاعدت المخاوف من انتشار أمراض في صفوف عشرات آلاف المشردين الذين انهارت منازلهم وأرغموا على البقاء في خيم نصبت في متنزهات. وانهارات آلاف المنازل في نيبال بعد زلزال يوم السبت الماضي، يعتبر الأعنف منذ 80 عاما.
وقال الناطق باسم الجيش النيبالي ارون نبوباني لوكالة الصحافة الفرنسية: «من المهم الحؤول دون وقوع كارثة جديدة عبر أخذ الاحتياطات لتجنب انتشار أوبئة لدى الناجين». وكانت عائلات تتكدس في حافلات أو سيارات في محاولة للوصول إلى قراها ومعاينة الأضرار.
وبدأت دول عدة بإرسال مساعدات مالية ومادية إلى نيبال، أو وعدت بذلك، لمساعدة أحد أكثر بلدان آسيا فقرا الذي ضربه زلزال مدمر. وفي هذا الوقت كانت الفرق الإنسانية الدولية المزودة بتجهيزات خاصة وترافقها كلاب بوليسية تصل بشكل منتظم إلى مطار كاتماندو في ضاحية هذه العاصمة التي تشهد الكثير من الحركة عادة والتي ضربها زلزال بالغ القوة يوم السبت الماضي.
وحضر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أمس مهمة ضخمة في نيبال ويأمل أن يتمكن من إرسال طائرة محملة بالمؤن الغذائية في أسرع وقت ممكن.
وقالت المتحدثة باسم البرنامج إليزابيت بيرس لوكالة الصحافة الفرنسية في جنيف أن «العملية ستكون مهمة وضخمة»، مشيرة إلى أن «مواطني نيبال يبحثون بشكل خاص عن ملجأ ومعدات طبية وغذائية»، وأضافت: «نقوم بجمع مخزون المواد الغذائية المتوفرة لدينا في المنطقة».
وبحسب آخر حصيلة نشرها جهاز إدارة الكوارث لدى وزارة الداخلية النيبالية فإن الزلزال «وهو الأعنف الذي يضرب نيبال منذ 80 عاما، أوقع أكثر من 4000 قتيل بينهم فرنسيان بحسب وزارة الخارجية الفرنسية، وقتل أكثر من 90 شخصا في الهند والصين».
وكذلك أثار الزلزال انهيارا ثلجيا في جبل إيفرست حيث طمرت موجة هائلة من الثلج شبهها أحد الناجين بـ«مبنى أبيض من خمسين طابقا» مخيما يستخدم قاعدة لمتسلقي الجبال.
وتأكد مقتل 18 شخصا في الجبل الذي قصده في بداية موسم التسلق 800 شخص بينهم الكثير من الأجانب، بحسب تقديرات مسؤولين محليين. لكن صعوبة المواصلات حالت دون تقدير مدى الدمار في أعلى قمم العالم.
وأعقبت الزلزال أول من أمس هزات ارتدادية بعضها عنيف جدا آثار انهيارات ثلجية جديدة في جبل إيفرست في وقت كانت المروحيات تعمل على إجلاء الجرحى الأكثر خطورة. وفي كاتماندو قضى عشرات آلاف السكان ليلة جديدة في العراء تحت خيم مرتجلة.
ولا تزال الأرض ترتج بانتظام ولم يتمكن الكثيرون من النوم في الليل ولا سيما مع انهمار أمطار غزيرة على المدينة، وما يزيد من صعوبة وضع الناجين انقطاع التيار الكهربائي وهشاشة شبكات الاتصال التي باتت على شفير الانقطاع.
وأوضحت السلطات النيبالية أنها «تبذل أقصى ما بوسعها لمساعدة المناطق المعزولة الأقرب إلى مركز الزلزال على مسافة نحو 80 كيلومترا شمال غربي كاتماندو».
وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية لاكسمي براساد داكال لوكالة الصحافة الفرنسية: «إننا نركز جهودنا على عمليات الإغاثة»، موضحا أنه «تمت تعبئة مروحيات لإغاثة الناجين في المناطق النائية».
وعند إعلانه آخر حصيلة للكارثة قال مسؤول في جهاز إدارة الكوارث أن فرق الإغاثة حاولت أيضا أمس انتشال الأشخاص العالقين تحت أنقاض المنازل المنهارة.
وأدى الزلزال إلى انهيار برج دارهرا التاريخي أحد أهم المعالم السياحية في ساحة دوربار بوسط العاصمة، الذي لم يعد سوى كومة من الأنقاض.
وتفيد الشرطة استنادا إلى تذاكر الدخول أنه عند وقوع الزلزال كان نحو 150 شخصا يزورون البرج الأبيض من تسع طبقات الذي يمكن تسلقه عبر سلالم حلزونية من 200 درجة تعلوها مئذنة برونزية تعود إلى القرن التاسع عشر.
وتم انتشال ما لا يقل عن ثلاثين جثة من تحت الأنقاض وإسعاف أكثر من عشرين جريحا وقال متحدث باسم الشرطة لوكالة الصحافة الفرنسية: «لم ننته من العمل في البرج». ويتلقى المسعفون النيباليون تعزيزات من مئات العاملين الإنسانيين القادمين من بلدان مثل الصين والهند والولايات المتحدة. وهناك نحو سبعين أميركيا في طريقهم إلى نيبال فيما أعلنت واشنطن ستقدم عشرة ملايين دولار لعمليات المساعدة. وخصصت لندن خمسة ملايين جنيه إسترليني وكندا عن خمسة ملايين دولار والاتحاد الأوروبي عن ثلاثة ملايين يورو. وستستخدم هذه المساعدة للحصول على مواد ضرورية مثل مياه الشرب وأدوية وملاجئ مؤقتة. وأرسلت الهند 13 طائرة عسكرية محملة بأطنان من المواد الغذائية والأغطية.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».