طرح المتغير السياسي الجديد في ليبيا تساؤلاً عن الوجهة التي تسير إليها البلاد راهناً، بعد أن وجدت نفسها ثانية أمام رئيسين لحكومتين؛ الأول يرفض مغادرة السلطة بدعوى الشرعية، والثاني يتحضر لاختيار وزرائه بعد تكليفه من مجلس النواب، في مشهد قد يعيد سيناريو عام 2014.
ومنذ اللحظة الأول لاختيار مجلس النواب بطبرق (شرق ليبيا) فتحي باشاغا رئيساً جديداً للحكومة، تباينت آراء النخب السياسية بين معارضين يرون أن هذا الإجراء أزاح صناديق الاقتراع لحساب صناديق الذخيرة، مما سيعمق حالة الانقسام والفوضى التي سادت قبل سنوات، في مواجهة من يؤكدون أن التوافق على باشاغا جاء وفق «إرادة وطنية خالصة».
ويتكرر مشهد سلطتين تنفيذيتين في الدولة الغنية بالنفط، بعدما قادها منذ 2014 إلى مطلع العام الماضي، رئيسا وزراء متنافسان، في الغرب والشرق، في خضم حرب دامية آنذاك.
باشاغا وزير الداخلية في حكومة «الوفاق» السابقة، شخصية نافذة بغرب ليبيا، له أتباع ومؤيدون، وقد تجلى ذلك في الاحتشاد الواسع من حوله بمطار معيتيقة بالعاصمة لحظة وصوله من طبرق مساء أول من أمس.
ورغم أن باشاغا أطلق رسائل طمأنة فور تكليفه من مجلس النواب، بأنه «سيمد يده للجميع دون انتقام من أحد»، في إشارة إلى حكومة خصمه عبد الحميد الدبيبة، الذي ينتمي إلى مدينته نفسها مصراتة، إلا أن الأخير قال إن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، «لديه مشكلة معي منذ خسارة قائمته في (ملتقى الحوار السياسي) بجنيف، وهو لم يقبل الخسارة، وهذه محاولة جديدة لدخول العاصمة لكن بأدوات مختلفة».
وأمام هذا المأزق المؤسسي، يرى الخصمان السياسيان أنهما يمتلكان شرعية منصب رئيس الوزراء، إذ سبق للدبيبة التأكيد في مناسبات عدة عدم تنازله عن السلطة إلا لحكومة خرجت من صندوق الانتخابات. ويتمتع فتحي باشاغا، وهو صاحب وزن ثقيل في السياسة المحلية، بدعم البرلمان وكذلك المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني».
وتعليقاً على عملية اختيار مجلس النواب لباشاغا، رأى بيتر ميليت السفير البريطاني السابق لدى ليبيا، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «دافع العديد من أعضاء مجلس النواب هو الحفاظ على مناصبهم وامتيازاتهم، بدلاً من السماح بعملية تؤدي بسلاسة إلى الانتخابات».
ومع ذلك، كان الأمل في التهدئة والمساعي التي بذلتها البعثة الأممية لدى ليبيا حقيقياً. ففي نهاية 2020 بعد وقت قصير من فشل العملية العسكرية التي قادها «الجيش الوطني» على طرابلس العاصمة، عقب 14 شهراً من المعارك الضارية، تم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، تلته بداية عملية سلام برعاية الأمم المتحدة.
وفي إطار هذه العملية، عُين الدبيبة قبل عام على رأس حكومة انتقالية جديدة، مهمتها توحيد المؤسسات وقيادة البلاد إلى انتخابات رئاسية ونيابية، كان مقرراً إجراؤها في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وبرزت عقبات عدة، بداية من قانون الانتخابات المتنازع عليه، والمرشحين المثيرين للجدل، والتوترات على الأرض. وأدى ذلك إلى خروج العملية الانتقالية التي كان من المفترض أن تضع حداً للأزمة التي استمرت منذ سقوط الرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011 عن مسارها بسرعة.
ثم أُرجئت الانتخابات إلى أجل غير مسمى لكن مع ترك فراغ كبير. فالعملية التي ترعاها الأمم المتحدة لم تتوقع سيناريو التأجيل.
وبالنسبة لمجلس النواب الذي يتخذ من الشرق مقراً له، فقد انتهت ولاية عبد الحميد الدبيبة مع تأجيل الانتخابات، فيما يؤكد الدبيبة أن مهمة حكومته تنتهي فقط بتشكيل حكومة منتخبة جديدة.
ويلفت ميليت في تصريحه للوكالة الفرنسية، إلى أن «هناك حديثاً عن انقسام بين الشرق والغرب، لكن الانقسام الكبير الآن هو بين الشعب الليبي الذي يريد الانتخابات والنخبة السياسية التي لا تريد ذلك، صوت الناس لا يسمع».
وتزداد خيبة الأمل في أن الاقتراع، الذي تم تأجيله إلى أجل غير مسمى، قد أثار حماسة معينة بين العديد من الليبيين، مع نحو 2.5 مليون ناخب مسجل من أصل حوالي سبعة ملايين نسمة، بعد سحب بطاقاتهم الانتخابية قبيل اقتراع 24 ديسمبر (كانون الأول).
ويصر ميليت على أن البلاد تواجه الآن «حالة غموض كبيرة لا تخدم الشعب الليبي»، مشدداً على وجوب مطالبة الأمم المتحدة «بإجراءات شفافة ومقبولة قانوناً»، متابعاً: «يبدو أن قرار حرمان الليبيين من حق التصويت، وإرجاء الانتخابات إلى أبعد من ذلك، يؤدي إلى تفاقم خطر عدم الاستقرار في طرابلس».
وأشارت الأمم المتحدة، الخميس، من خلال المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك، إلى استمرارها في دعم رئيس الحكومة المعين من ملتقى جنيف قبل عام.
وفي طرابلس، يحظى الدبيبة وباشاغا بدعم مجموعات مسلحة لا تزال مؤثرة للغاية في غرب وأجزاء من وسط البلاد، ولكنها عادة ما تعرف بتغير ولاءاتها بسرعة.
وفي ليبيا من يرى أن الميليشيات المسلحة عادة تساند من لديه السلطة والمال، مما قد يفتح الباب لمزيد من التوتر والصراع المسلحة إذا ظلت الأمور معلقة بين الدبيبة وباشاغا.
يشار إلى أنه قبل ساعات من تصويت مجلس النواب لباشاغا، قال الدبيبة إن موكبه تعرض لإطلاق رصاص بسوق الجمعة بطرابلس، ويتساءل مراقبون، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، عما إذا كانت تلك طلقة تحذيرية.
رئيسا وزراء لليبيا... عودة إلى سنوات «الانقسام والفوضى»
كلاهما يتمسك بالشرعية
رئيسا وزراء لليبيا... عودة إلى سنوات «الانقسام والفوضى»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة