مشاهد فنية معاصرة تستلهم أدب وسينما الستينات تشكيلياً

تبدو أعمال معرض «المشهد» للفنانة المصرية سالي الزيني، أقرب لزيارة تأملية معاصرة في أدب الستينات المصري، الذي كان بمثابة إحدى أبرز دعائم ازدهار السينما في تلك الفترة، مع اقتباس الكثير من الأعمال الروائية في تلك الفترة وتحويلها لأعمال سينمائية بارزة، لا سيما أعمال نجيب محفوظ، وطه حسين، ويحيى حقي، وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، وغيرهم من أساطين الأدب.
في غاليري «أرت هب» بالقاهرة، الذي يستضيف المعرض، حالياً، يمكن التجول بين المشاهد التي التقطتها عين الفنانة سالي الزيني، التي تبحث في أعماق النوستالجيا السينمائية عن نصوص بصرية موازية بلمساتها التشكيلية الخاصة.
في لوحات المعرض، تترك الزيني انطباعاتها الخاصة على أعمال أدبية بارزة، تضفي لها بعداً بصرياً ممتداً للرؤية السينمائية، وتعتبر أن ارتباطها الكبير بفترة الستينات والنهضة التي عكستها السينما في تلك الفترة، كانت أكبر حافز فني لإنجازها هذا المشروع، حسبما تقول لـ«الشرق الأوسط».
«فترة الستينات هي الفترة الذهبية للفيلم السينمائي في مصر»، بحسب سالي الزيني، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «الاهتمام بالسينما في فترة التجربة الناصرية كان أمرا غير مسبوق، كنا أمام ظاهرة سينمائية متكاملة الأركان اشترك فيها قامات أدبية رفيعة، وممثلون من أعلى طراز، ومخرجون متمرسون، ومصورون سينمائيون على أعلى مستوى، وكذلك الموسيقى التصويرية، كل تلك العوامل أنتجت كادرات سينمائية مدهشة، لها فلسفتها».
وتعتبر سالي الزيني، الأستاذة بقسم الغرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، أن ذلك المشروع يرصد تأثير «التجربة الناصرية» على حركة الأدب المصري في تلك الفترة، وتزامنه مع البداية الرسمية للقطاع العام السينمائي، وما واكبها من ازدهار في تاريخ السينما المصرية.
استقرت الزيني على الاشتغال الفني على 20 فيلماً من بين عدد كبير من الأفلام التي أنتجت في فترة الستينات، ومأخوذة من الأصل من أعمال أدبية.
مشروع الزيني الممتد، بدأته في عام 2018 عبر تنفيذ عدد من لوحاتها المستوحاة من أفلام الستينات، واستخدمت تلك اللوحات في بحوث أكاديمية كانت قد أجرتها في تلك الفترة في كلية الفنون الجميلة، ثم قررت مواصلة المشروع لأنها تعلقت كثيراً بفكرته، وقامت باستكمال اللوحات إلى أن قامت بعرضها خلال هذا المعرض. بحسب الفنانة المصرية.
ورغم أن اللوحات مستوحاة من أفلام سينمائية شهيرة، فإن الفنانة المصرية لم تعتمد على فكرة إعادة رسم مشاهد «الماستر سيين» من تلك الأفلام: «لم أقم باستنساخ مشاهد من الأفلام، كنت حريصة على ابتكار زاويتي الخاصة في النظر للأفلام، بحيث تختلف في معالجتها عن الشكل المباشر للمشهد السينمائي الأصلي، فأنا متعلقة بتلك الأفلام التي اخترتها، وجميعها لها مشاهد شهيرة مطبوعة في الذاكرة الجماهيرية، وكذلك في ذاكرتي الخاصة، فقمت بتصميم تركيبات بصرية تجمع بين مشاهد شهيرة، مدموجة مع جمل حوارية من داخل الفيلم، أو مقتبسة من العمل الروائي، وربطها برموز بصرية من داخل الفيلم» كما تقول صاحبة المعرض.
وفي اللوحة المأخوذة عن فيلم «الزوجة الثانية» يمكن تأمل الإبريق الذي تمسك به البطلة، وهو أحد أشهر أدوار الراحلة سعاد حسني، وكذلك الأراجوز الذي يظهر في خلفية اللوحة، وهو حسب سالي الزيني كان من أبرز الرموز الدلالية في الفيلم.
في لوحات المعرض، يبرز اسم الفيلم بخط يدوي: «دمجت مع كل لوحة اسم الفيلم بكتابة يدوية تشبه كتابات أفيشات الأفلام القديمة، كما دمجت داخل اللوحات عناصري الفنية الخاصة كالطيور والورود، والزخارف الفارسية»، كما تقول الزيني.
وأشارت إلى أنها «ظلت تبحث عن أسلوب خاص في إعادة تقديم مشاهد سينمائية بشكل معاصر، بعيدا عن استنساخها، والتماهي معها كعمل فني جديد ليس مطابقاً للمشهد السينمائي الأصلي، إنما مستوحى من عالمه».
واستعانت الفنانة بالوسائط المتعددة في بناء عالمها الفني، فبجانب استخدامها للألوان الأكريليك استعانت بالكولاج من عناصر الأقمشة، واللدائن البلاستيكية، والأوراق، بالإضافة لاستخدامها لأقلام ملونة مختلفة الأنماط.
وتبرز الأفلام المأخوذة عن روايات «أديب نوبل» نجيب محفوظ، بشكل كبير في المعرض، من بينها لوحات مستوحاة من أفلام «الزوجة الثانية»، و«شروق وغروب»، و«القاهرة 30» و«بداية ونهاية»، و«زقاق المدق»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«السمان والخريف»، و«ميرامار».
ومن بين أعمال المعرض، لوحة مستوحاة عن رائعة طه حسين «دعاء الكروان»، وهناك أيضاً استلهام لـ«رد قلبي» ليوسف السباعي، و«لا أنام»، و«أنا حرة»، و«في بيتنا رجل»، و«لا تطفئ الشمس»، لإحسان عبد القدوس، و«شيء من الخوف» لثروت أباظة.