سلمى حايك تطلق فيلمها «النبي» بعد زيارة للاجئين السوريين في لبنان

قالت إنها لطالما حلمت بزيارة بلد جدها ولكن ليس «بيدين فارغتين»

سلمى حايك خلال زيارتها مخيم اللاجئين السوريين في لبنان (صورة وزعتها يونيسف)  -  سلمى حايك مع والدها في بلدة بشري أمام تمثال لجبران خليل جبران ({الشرق الأوسط})
سلمى حايك خلال زيارتها مخيم اللاجئين السوريين في لبنان (صورة وزعتها يونيسف) - سلمى حايك مع والدها في بلدة بشري أمام تمثال لجبران خليل جبران ({الشرق الأوسط})
TT

سلمى حايك تطلق فيلمها «النبي» بعد زيارة للاجئين السوريين في لبنان

سلمى حايك خلال زيارتها مخيم اللاجئين السوريين في لبنان (صورة وزعتها يونيسف)  -  سلمى حايك مع والدها في بلدة بشري أمام تمثال لجبران خليل جبران ({الشرق الأوسط})
سلمى حايك خلال زيارتها مخيم اللاجئين السوريين في لبنان (صورة وزعتها يونيسف) - سلمى حايك مع والدها في بلدة بشري أمام تمثال لجبران خليل جبران ({الشرق الأوسط})

«شكرا we are adventurers»، بهذه الكلمات ختمت النجمة العالمية اللبنانية الأصل سلمى حايك، المؤتمر الصحافي الذي عقدته في بيروت والذي حضره حشد من أهل الإعلام والصحافة المحلية والأجنبية.. فمنذ التاسعة من صباح أمس تجمّع الإعلاميون في باحة المركز التجاري «1866» الواقع في شارع بليس في منطقة الحمرا، تلبية لدعوة شركة «لاكشيري ليميتيد إديشن» المنظمة لزيارة الممثلة سلمى حايك إلى لبنان.
جاء ذلك من أجل الالتقاء بها بعد مشاهدتهم العرض الأول لفيلمها السينمائي «النبي»، الذي خصصت زيارتها الأولى إلى لبنان بلد جدها الذي هاجر منه إلى المكسيك.
وإثر انتهاء عرض الفيلم، تجمهر محبو الممثلة المكسيكية على مدخل المركز التجاري المذكور ينتظرون إطلالتها، وقد أحاط بهم حشد من المصورين الصحافيين الذين ثبتوا كاميراتهم وجهزوها من أجل الحصول على لقطات مصورة لها وهي تسير على السجادة الحمراء.
وما إن وصلت سلمى حايك للمكان حتى انطلقت الزغاريد من قبل المعجبين بها، فوقفت أمام عدسات الكاميرات ليتسنى للمصورين التقاط الصور الخاصة لها. وبدت الممثلة المكسيكية أنيقة وهي ترتدي ثوبا مطبوعة عليه الورود بالأبيض والأسود (من تصميم إيلي صعب)، وقد أحاط بها كل من مؤلّف موسيقى فيلم «النبي» غبريال يارد ومخرجه روجرز الليرز.
وفي اللحظات الأولى للمؤتمر ساد جوّ من الهرج والمرج بين الصحافيين الذين كانوا يتزاحمون على الجلوس في المقاعد الأمامية، ليتسنى لهم طرح الأسئلة عليها. واغتنم البعض هذه الفوضى ليصرخ بصوت عال: «ولكوم تو ليبانون» مشيرا بذلك إلى شهرة لبنان بالفوضى التي تعمّه. وكان فريق الفيلم المؤلف من محمد فتح الله (الموزّع الرسمي للفيلم في لبنان)، وجان رياشي (أحد مموليه) وغبريال يارد (واضع موسيقاه) وروجرز الليرز (مخرجه)، إضافة إلى د. طارق شدياق (رئيس لجنة متحف جبران)، قد تمركزوا على مقاعدهم عندما دخلت سلمى حايك وألقت التحية على الجميع مفتتحة بذلك المؤتمر الصحافي. وردّا على أول سؤال طرح عليها حول زيارتها الأولى للبنان قالت: «لا أحد يمكنه أن يتصوّر الشعور الجميل الذي انتابني أمام مشاهدتي جمال لبنان، ولقد استمتعت في زيارتي لمتحف جبران خليل جبران في بلدة بشرّي الشمالية ومشاهدة الوادي الذي يطلّ عليه. فجمال لبنان هو بمثابة قصيدة شعر سأتلوها على زوجي وابنتي عند عودتي»، وتابعت: «لم أر شيئا مماثلا له في حياتي، ولقد تأثّرت كثيرا بذلك».
وتحدثت النجمة السينمائية العالمية عن القوة التي شعرت بها عند رؤيتها تمثال الأديب اللبناني العالمي أيضا جبران خليل جبران صاحب كتاب «النبي»، مشيرة إلى أنها كانت تصبو إلى رؤية جمال لبنان وبلدة هذا الفيلسوف العربي الذي استطاع أن يجمع في كتابه جميع الأديان، والذي خوّله أن يبيع منه 9 ملايين نسخة حول العالم أجمع.
وعن إمكانية دبلجة فيلم «النبي» إلى العربية قالت: «لا أعتقد أنه في إمكاننا ذلك؛ إذ ليس في استطاعتي أن أتكلّم العربية، ولكننا نبحث في إيجاد حلّ لذلك». وهنا قاطعها الموزّع الرسمي للفيلم في لبنان محمد فتح الله بالقول: «لن نقوم بأي خطوة لا تحمل المستوى المطلوب وتنسجم مع ميزانيته الضخمة، ولكننا بصدد درس الموضوع والتخطيط له».
ولفتت سلمى حايك إلى أن الفيلم شامل المواضيع، وأنه تناول أوضاع الفقراء والأطفال وساند النساء، وقالت: «كما تعلمون، فإن صوتي وضع على شخصية كاميلا في الفيلم، وهذا الاسم يعود لوالدة الفيلسوف اللبناني التي عانت الأمرين من أجل تربية أولادها وتأمين مستقبلهم، فكانت تبيع الثياب في سلة كبيرة تحملها على كتفها من أجل ذلك»، وأضافت: «برأيي أن المرأة العربية عامة مذهلة بعزيمتها وبالتضحيات التي تبذلها من أجل أولادها وأولاد الآخرين، وهذا ما لمسته في زيارتي لمخيّم اللاجئين السوريين في البقاع؛ حيث أعجبت بأداء الأمهات اللبنانيات والسوريات، وكيفية تعاونهن معا من أجل تأمين الأجواء المناسبة للأطفال هناك».
وعن كيفية ولادة فكرة الفيلم، شرحت سلمى حايك أن الأمر يعود إلى لجنة متحف جبران خليل جبران في البداية، وأنها وافقت في دعمها لها، لأنها تعتبر نفسها لبنانية، وأنها فخورة بذلك. وقالت: «الفيلم رسالة مباشرة إلى الجيل الجديد، علّنا نجد بينه من يملك رؤية مستقبلية تشبه تلك الموجودة في كتاب (النبي)». وأضافت: «يجب أن نستخدم خيالنا وأفكارنا الجديدة لنساهم في تغيير العالم أجمع، ونتمنى أن يوحي الفيلم لأحدهم بذلك».
وتطرّق أحد أهم الممولين للفيلم، جان رياشي، إلى كيفية تأمين رأسمال لتصوير وتنفيذ الفيلم، وأنه كان مجرد ذكر اسم سلمى حايك أمام أحدهم يجعله لا يتردد في الموافقة على تمويله. وهنا صرخت سلمى حايك وهي ترفع بيدها: «نحن مغامرو الشرق الأوسط».
وأكدت الممثلة العالمية اللبنانية الأصل أنها لطالما حلمت بزيارة وطنها الأم لبنان، وأنها لم تكن تنوي ذلك ويداها فارغتان، وعندما تم تنفيذ الفيلم رأت أن الوقت لذلك أصبح مواتيا، فأعلنت عن إطلاق الفيلم من أرض جذورها في الوقت نفسه الذي يتم إطلاقه في صالات السينما في دول الغرب. وقالت: «لقد تلقيت تربية لبنانية وعرفت تراثنا مثل أي لبنانية أخرى، وعندما كان يحاول أحدهم أن ينتقدني وأنا أتناول الطعام اللبناني، كنت لا أتردد في أن اصرخ في وجهه، قائلة له: (أنا تناولت الكبّة قبل الـ(tacos) - طبق مشهور في المكسيك - فصحيح أنني لا أجيد العربية، ولكني وبكل فخر تربيت على الطريقة اللبنانية قلبا وقالبا».
وعما إذا كانت نيتها منذ البداية التعريف بلبنان من خلال فيلسوفه جبران خليل جبران، أجابت بحماس: «لا أحد أكبر من لبنان، ولكن بهذه الطريقة تكلّمنا عن خصائص لبنان وجماله، وهل هناك من طريقة أفضل للتحدّث عن رجالاته؟!».
وكان لمخرج الفيلم روجرز الليرز تعليق على مشاركته في فيلم «النبي» وقال: «لقد انتظرت أربعين عاما من أجل القيام بفيلم مماثل، وهو الذي كان بمثابة حلم بالنسبة لي، فهو عمل جميل ورائع، وأعدّه من أجمل التجارب التي قمت بها في عالم الإخراج السينمائي».
أما الموسيقي اللبناني العالمي غبريال يارد، فاعتبر أن موسيقى الفيلم تنبع من ذكرياته في لبنان، وأنه حاول قدر الإمكان تجسيدها في مقاطع موسيقية تناسب فيلما مثل «النبي» يقدّم بطريقة الصور المتحركة. وقال: «كنت متحمسا جدّا للقيام بهذه التجربة الموسيقية، التي أردت أن أعيد من خلالها معظم مراحل حياتي في لبنان، فبحثت في ذاكرتي، وعدت من خلالها إلى جذوري الأصيلة».
يذكر أن الموسيقى الخاصة بالفيلم تتضمن مقاطع من نوتات شرقية ممزوجة بالغربية، كما أن بينها ما استوحاه الموسيقي اللبناني من أغنية الأطفال المشهورة «يللا تنام» التي غنّتها أيضا فيروز.
وأكدت لجنة جبران خليل جبران الممثلة في المؤتمر بالدكتور طارق شدياق، أن جميع حقوق الملكية لكتاب «النبي» تعود إليها، وأن شرطها الوحيد في هذا الصدد كان هو أن يتم نقل كلام «النبي» كما هو دون أي تعديلات.. «وهكذا صار».
يذكر أن روجرز الليرز، وهو مخرج الفيلم الشهير «ذا ليون كينغ»، قد قام بمعالجة وإخراج النص الأساسي في الفيلم، فيما تعاون تسعة آخرون على تصوير وإخراج فصول منه؛ مثل الإماراتي محمد حريب، وآخرون من بلاد الغرب أمثال جيتان بريزي وبول بيناريو وجون كراتز وتوم مور.. وغيرهم. وقد جسدت سلمى حايك بصوتها شخصية كاميلا، فيما وضع الممثل ليام نيسون صوته على شخصية «المصطفى»، «النبي»، فيما جسدّ الممثل جون كراسينسكي بصوته أيضا دور «حليم» أحد أبطال الفيلم.
واجتمعت آراء أهل الصحافة على المستوى الرفيع الذي يسود تنفيذ فيلم «النبي» وإخراجه الذي يتمثّل بالألوان الجميلة واللقطات التصويرية من زوايا عدة، إضافة إلى الموسيقى التصويرية التي تساهم في إبراز لوحات تعبيرية تتخلله. وكانت سلمى حايك قد توجهت إثر انتهاء المؤتمر الصحافي إلى مركز علاج سرطان الأطفال «سان جود» ترافقها نورا وليد جنبلاط. وختمت زيارتها إلى لبنان بحفلة عشاء أقيمت في جامعة «ESA» تخللها مزاد علني يعود ريعه للمركز المذكور، وغادرت لبنان صباح اليوم.
يذكر أن سلمى حايك قد أمضت ثلاثة أيام في ربوع لبنان زارت خلالها مخيم اللاجئين السوريين في البقاع، حيث رافقها المصوّر أليسيو رومانزي الذي لم يوفّر فرصة التقاط صورٍ للنجمة في هذا المكان. وكانت حايك قد تناولت طعام الغداء معهم ووقفت على متطلباتهم، وبدت متأثّرة جدا عندما صرّحت بالقول: «أنا متأثّرة جدا بقضية اللاجئين السوريين، وأريد مدّ يد العون لهم».
تأتي هذه الزيارة ضمن حملة حايك مع الـ«UNICEF» لجمع التبرّعات للاجئين السوريين والنازحين ضمن إطار «نداء قرع الأجراس من أجل التغيير». وقال بيان صادر عن اليونسيف، أمس الاثنين، إن حايك زارت الأحد، مخيمات اللاجئين السوريين في البقاع، شرقي لبنان، من أجل «لفت الانتباه إلى الاحتياجات الإنسانية العاجلة للأطفال والأسر التي تغيرت حياتها تغييرًا جذريًا بسبب النزاع الوحشي في سوريا على مدى السنوات الأربع الماضية».
وقدرت المنظمة الأممية «وجود 14 مليون طفل تأثروا ويتعرضون لخطر أن يصبحوا جيلاً ضائعًا، منهم 2.6 مليون لم يعودوا يرتادون المدرسة، وما يقارب مليونين يعيشون لاجئين في الدول المجاورة».
وقالت حايك في البيان نفسه إنه «من خلال التبرع لنداء قرع الأجراس من أجل أطفال سوريا لجمع التبرعات، فأنتم تدعمون جهود اليونيسف الرامية إلى تمكين الأطفال من الوصول إلى فرص التعلم وخدمات الدعم لمساعدتهم على مواجهة العنف الذي تعرضوا له».
وأضافت: «لقد ألهمتني شجاعة الأطفال اللاجئين السوريين وعائلاتهم الذين التقيتهم في لبنان، بشدة، فهم لا يزالون مصممين على بناء حياة ومستقبل أفضل رغم الصعاب والأذى الذي لحق بهم أو شهدوه».
وأشارت إلى أنها تأثرت بـ«الكرم الذي أظهره كثير من اللبنانيين تجاه أولئك الذين يلتمسون اللجوء في بلادهم»، مناشدة «كل من هو ممتن للسلام والاستقرار في حياته أن يشفق على كل هؤلاء الذين فقدوا السلام والاستقرار وأن يهموا بتقديم العون». كما زارت سلمى حايك، في اليوم الثاني لها في لبنان، بلدة بشرّي الشمالية؛ حيث عرّجت على متحف جبران خليل جبران. وبالإمكان التبرع للحملة التي تدعمها سلمى حايك من خلال موقع على الإنترنت، وصفحة على «فيسبوك».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».