أوكرانيا وروسيا... مناورات عسكرية متزامنة

ابتداء من الخميس تبدأ القوات المسلحة الأوكرانية مناورات عسكرية رداً على الروسية بالقرب من حدودها الشمالية (أ.ف.ب)
ابتداء من الخميس تبدأ القوات المسلحة الأوكرانية مناورات عسكرية رداً على الروسية بالقرب من حدودها الشمالية (أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا وروسيا... مناورات عسكرية متزامنة

ابتداء من الخميس تبدأ القوات المسلحة الأوكرانية مناورات عسكرية رداً على الروسية بالقرب من حدودها الشمالية (أ.ف.ب)
ابتداء من الخميس تبدأ القوات المسلحة الأوكرانية مناورات عسكرية رداً على الروسية بالقرب من حدودها الشمالية (أ.ف.ب)

تستعد القوات الأوكرانية لإجراء تدريبات عسكرية على طول حدودها، اليوم (الخميس)، لتتزامن مع المناورات العسكرية التي تجريها روسيا مع بيلاروسيا قرب الحدود الشمالية لأوكرانيا. وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن الجيش الأوكراني سينفذ مناورات عسكرية، ابتداء من الخميس، وحتى 20 فبراير (شباط)، رداً على المناورات العسكرية الروسية بالقرب من حدود أوكرانيا الشمالية. وصرح ريزنيكوف لإحدى قنوات التلفزيون المحلية بأن الجنود الأوكرانيين يجرون تدريبات مختلفة باستمرار، وسيبدأون بتنفيذ مناورات باستخدام طائرات مسيرة من طراز «بيرقدار» وصواريخ من طراز «جافلين» و«إن إل إيه دبليو» المضادة للطائرات، المقدمة من شركائهم الأجانب.
وقالت دول غربية إنها تخشى من أن تكون موسكو تخطط لغزو أوكرانيا؛ إذ قامت بنشر أكثر من 30 ألف جندي في بيلاروسيا لإجراء مناورات مشتركة. ونفت روسيا التخطيط لمثل هذا، قائلة إنها تحتاج إلى تقوية دفاعاتها مع توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قوة بحرية تضم سفن هجومية برمائية تستعد للمرور عبر مضيق البوسفور، في طريقها إلى البحر الأسود جنوب أوكرانيا. وقالت روسيا، أمس (الأربعاء)، إن طلب أوكرانيا لأنظمة دفاع صاروخية من طراز «ثاد» من الولايات المتحدة يُعدّ نوعاً من أنواع «الاستفزاز»، وإن بحث تقديم مثل هذه الإمدادات بجدية سيمثل انتكاسة للأزمة الأوكرانية. وعلق نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف على تقرير إعلامي روسي، قائلاً إن كييف قدمت الطلب. ونقلت «وكالة الإعلام الروسية» عنه قوله إنه إذا بحثت واشنطن بجدية تقديم مثل هذه الإمدادات، فإن ذلك سيقلص احتمالات الوصول إلى حل دبلوماسي للمواجهة بشأن أوكرانيا. وفي تصريحات منفصلة ذكرت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء أن ألكسندر بانكين، وهو نائب آخر لوزير الخارجية الروسي، قال إن موسكو ترغب في إنهاء التوتر بشأن أوكرانيا والمطالب الأمنية الروسية من الغرب بطريقة دبلوماسية.
لا تزال الإدارة الأميركية تحذر من غزو روسي وشيك لأوكرانيا، وتتحضر لسيناريوهات تتنوع ما بين هجمات سيبرانية إلى غزو محدود النطاق إلى توغل كامل. وصرحت الإدارة الأميركية مراراً بأن لديها معلومات استخباراتية تشير إلى استعداد روسيا لغزو أوكرانيا. واشتعلت حرب إعلامية بين موسكو وواشنطن، وقال مسؤولون إن روسيا ستنشر مقطع فيديو يصور هجمات لقوات أوكرانية على موالين لروسيا، واتخاذه ذريعةً لتبرير غزة عسكري لأوكرانيا. وأشارت إميلي هورن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي إلى المشاورات التي يجريها جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي مع الشركاء الأوروبيين لتأكيد الاستعدادات لحماية أوكرانيا. وقد تحدث سوليفان مع الأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولينبرغ، صباح أمس (الأربعاء)، وناقش معه استعدادات الولايات المتحدة وحلف «الناتو» لدعم الحوار مع روسيا لإيجاد مسار دبلوماسي نحو وقف التصعيد، كما ناقش استعدادات الحلفاء للدفاع عن أي تهديد للأراضي الدول الأعضاء في حلف «الناتو»، وتعزيز الجناح الشرقي رداً على أي عدوان روسي محتمل. ووافق البيت الأبيض على خطة وضعها العسكريون في «البنتاغون» لإجلاء الآلاف من الأميركيين من أوكرانيا في حال شنت روسيا حملة عسكرية، حيث تحاول إدارة بايدن تجنب سيناريو الإخلاء الفوضوي الذي حدث في أفغانستان حينما استولت حركة «طالبان» على البلاد بشكل أسرع من توقعات الإدارة الأميركية. وقد واجهت إدارة بايدن في أغسطس (آب) الماضي معضلة كبيرة في تنفيذ إجلاء سريع لأكثر من 100 ألف أميركي وأفغاني ورعايا للقوات المتحالفة من كابول. وتخطط إدارة بايدن لاستخدام نحو 1700 جندي من الفيلق 82 المحمول جواً الذين نشرهم «البنتاغون» في بولندا، الأسبوع الماضي، لإقامة نقاط تفتيش ومعسكرات خيام ومنشآت مؤقتة عند الحدود بين أوكرانيا وبولندا استعداداً لمساعدة الأميركيين الذين يغادرون كييف وأجزاء أخرى من أوكرانيا عبر الحدود إلى بولندا. ويقوم الفيلق الثامن عشر المحمول جواً بإنشاء مقرات مؤقتة في كل من ألمانيا ورومانيا. ووفق تقديرات صحيفة «وول ستريت» يوجد ما يقرب من 30 ألف أميركي في أوكرانيا. وأشارت الصحيفة إلى أن نفس القادة العسكريين الذين كانوا ينفذون مهمة الإجلاء في كابول هم الذين يقودون الخطط الأميركية الآن حول الإجلاء المحتمل للأميركيين من أوكرانيا. ومن أبرزهم الجنرال دوناهوو الذي كان مسؤولاً عن عمليات الإخلاء من مطار حامد كرزاي في كابول، ويقود الآن القوات الأميركية في بولندا والجنرال جاكين فان أوفوست بالقوات الجوية التي تتولى الآن مسؤولية قيادة نقل البعثات الأميركية العسكرية في جميع أنحاء العالم.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟