بينما تتهاوى تماثيل النظام في إدلب.. الأسد يرعى نصبًا تذكاريًا لضحايا «مجازر الأرمن»

الاحتفالية تجاهلت المجازر التي يرتكبها النظام وسقوط المقاتلين الموالين في المعارك

الساحة المجاورة لمطرانية الأرمن الأرثوذكس قرب قوس باب شرقي بدمشق التي أطلقت محافظة دمشق عليها اسم «ساحة شهداء الإبادة الأرمنية» («الشرق الأوسط»)
الساحة المجاورة لمطرانية الأرمن الأرثوذكس قرب قوس باب شرقي بدمشق التي أطلقت محافظة دمشق عليها اسم «ساحة شهداء الإبادة الأرمنية» («الشرق الأوسط»)
TT

بينما تتهاوى تماثيل النظام في إدلب.. الأسد يرعى نصبًا تذكاريًا لضحايا «مجازر الأرمن»

الساحة المجاورة لمطرانية الأرمن الأرثوذكس قرب قوس باب شرقي بدمشق التي أطلقت محافظة دمشق عليها اسم «ساحة شهداء الإبادة الأرمنية» («الشرق الأوسط»)
الساحة المجاورة لمطرانية الأرمن الأرثوذكس قرب قوس باب شرقي بدمشق التي أطلقت محافظة دمشق عليها اسم «ساحة شهداء الإبادة الأرمنية» («الشرق الأوسط»)

في الوقت الذي كانت فيه النصب التذكارية لنظام البعث تُحطم وتزال، وتماثيل الرئيسين الأب والابن تتكسر وتهوي تحت أقدام المقاتلين المعارضين في مدينتي إدلب وجسر الشغور، رعى الرئيس بشار الأسد يوم أمس وضع حجر أساس نصب تذكاري لشهداء الأرمن في الساحة المجاورة لمطرانية الأرمن الأرثوذكس قرب قوس باب شرقي بدمشق، والتي أطلقت محافظة دمشق عليها اسم (ساحة شهداء الإبادة الأرمنية)، قبل عدة أيام، ضمن سلسلة فعاليات بعنوان «أتذكر وأطالب».
وأحيا الأرمن السوريون ذكرى ضحايا ذكرى المجازر الأرمنية في مطرانية الأرمن الأرثوذكس، كما نقلت وسائل إعلام النظام ببث مباشر مراسم تطويب شهداء «المجازر العثمانية»، ورفعهم إلى مراتب القديسين من كنيسة «إيتشميادزين» التاريخية بأرمينيا، وقرعت جميع كنائس الشام أجراسها، مائة مرّة عند تمام الساعة السادسة والربع مساءً تخليدًا لأرواح الضحايا. واختارت الاحتفالية كنيسة الصليب بحي القصاع مكانا لانطلاق مسيرة لفرق الكشّافة الأرمنية، تحمل الشموع، باعتبار أن القصاع هي المنطقة التي احتضنت أول مخيمّات المهجرين الأرمن في دمشق، وصولاً إلى مقر «مطرانية الأرمن الأرثوذوكس» بـ«باب شرقي».
وحضرت حكومة النظام بقوة في هذه الاحتفالية متجاهلة المجازر التي ترتكبها قوات النظام بحق مئات آلاف السوريين، ومقتل الآلاف في المعتقلات تحت التعذيب، وسقوط الآلاف من الموالين المقاتلين في صفوف النظام في معارك تدور رحاها في مختلف أنحاء البلاد.
وحضر ممثلون عن النظام في تلك الاحتفاليات للتضامن مع أحفاد ضحايا الأرمن. ولأول مرة في تاريخ نظام البعث بسوريا والذي كان يمنع وسائل الإعلام المحلية من تغطية الاحتفالات الدينية، يسمح باحتفالات صامتة وبعيدا عن الأضواء، بزعم أنه نظام علماني، كما لم يكن نظام الأسد ليسمح للأرمن السوريين المجاهرة بحديث المجازر مراعاة لعلاقاته الخاصة مع الجارة تركيا في أوج تحسن العلاقات بين الأسد وإردوغان. إلا أن هذا العام بدا مختلفا فشاركت شخصيات رسمية إعلامية وثقافية وسياسية من النظام في الفعاليات الدينية وغيرها، كالحفل الذي نظمه الشباب الأرمني، وأسهبوا في كلماتهم بالحديث عن «مجازر العثمانيين». وسمح لوسائل إعلام أجنبية بتغطية الاحتفالات وسط العاصمة، في رسالة سياسية واضحة من النظام السوري للحكومة التركية التي تدعم وتحتضن القسم الأكبر من المعارضة السورية السياسية والمسلحة، كما تستضيف القسم الأكبر من النازحين السوريين.
ويرى ناشط سوري في الداخل أن رسائل النظام الموجهة لحكومة رجب طيب إردوغان كانت «استفزازية لمشاعر السوريين، رغم تضامن الشعب السوري مع القضية الأرمنية واستنكارهم للمجازر، لكنّ نظاما قاتلا لا يحق له التمسح بقضايا إنسانية، بينما يديه ملطختان بدماء أبناء شعبه، ومصرّ على مواصلة التدمير الممنهج للمناطق الخارجة عن سيطرته بسلاح الجو».
والمفارقة أن الاحتفالية جاءت متزامنة مع خسارة قوات النظام الفادحة في ريف إدلب، بعد سيطرة المعارضة المسلحة على مدينة جسر الشغور وقطع طريق الإمداد لقوات النظام المتمركزة في مدينة أريحا، ومحاصرة جنوده هناك. كما تزامنت مع دفن رئيس شعبة الأمن السياسي اللواء رستم غزالة أحد أشرس المدافعين عن النظام، وأبرز المطلوبين للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمتهم بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي جاء موته في ظروف غامضة فتحت الباب واسعا لتكهنات واتهامات للنظام بقتله ودفن ما يحمله من أسرار تتعلق بملفات النظام السوري الخاصة بالبنان. إلا أن الناشط السوري في الداخل والذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه، اعتبر أن «النظام باستخدامه ورقة ضحايا المجازر الأرمنية، لا يوجه رسائل للداخل، لأنه غير معني بالداخل سوى من جهة وجوب إخضاعه، وإنما هي رسائل للرأي العام الغربي للتأكيد على دموية تاريخ الأتراك الذين يتهمهم اليوم بدعم الإرهابيين المقاتلين في سوريا»، لافتا إلى أن المسألة لا تقتصر على الأرمن، بل إن النظام رخص للأرمن والسريان في سوريا إقامة فعاليات شعبية مشتركة، لإحياء ذكرى ما يعرف بـ«مجازر سيفو» سنة 1915، التي يتهم الجيش العثماني بارتكابها بحق السريان خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وذهب ضحيّتها ما يقدّر بمليون ونصف المليون أرمني، إضافة إلى نصف مليون سرياني، ومئات الآلاف من النازحين. وذلك بينما يتوقع السوريون في نكاتهم السوداء على مواقع التواصل الاجتماعي، أن «يحيي العالم بعد عقود ذكرى الهولوكست السوري»، بحسب تعبير الناشط المعارض: «أصبح للسوريين هولوكستهم».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.