خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»

تنظيم خطر ولد من رحم القتل والخراب والتدمير

خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»
TT

خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»

خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»

نسلط الضوء هذا الأسبوع على جماعة «قاعدة خراسان» المتطرفة، وعن علاقاتها مع تنظيم القاعدة ومتفرعاته وأمثالها، ويساهم في بناء صورة أوضح عن الجماعة بول كروكشانك، الخبير الأميركي ومحلل شؤون الإرهاب لدى محطة تلفزيون «سي إن إن»، والزميل في شؤون القانون والأمن بجامعة نيويورك، والدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات في العاصمة البريطانية لندن والباحث المصري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية.

يقول بول كروكشانك، الخبير الأميركي ومحلل شؤون الإرهاب لدى محطة تلفزيون «سي إن إن» لا يوجد دليل يؤكد لي وجود انقسام بين «القاعدة» وجماعة «قاعدة خراسان» في سوريا. ويشرح أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تعتقد أن لـ«قاعدة خراسان» علاقات وثيقة بـ«جبهة النصرة»، وأن الجماعة، وإن كانت تتمتع بقدر من الاستقلالية، فهي مرتبطة بـ«النصرة» من دون أن تكون تابعة لها. كذلك يعتقد أن «قاعدة خراسان» لها علاقات بعدد من الجماعات السنّية المتطرفة حاليًا داخل سوريا، كما تسعى إلى التقاط «المواهب» بين المقاتلين الغربيين هناك لاستخدامهم في عمليات ضد الغرب.
كروكشانك أكد في الاتصال الهاتفي الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» أنه لا يعتقد بوجود فاصل بين «القاعدة» و«(قاعدة خراسان) بل هما وجهان لعملة واحدة عنوانها الإرهاب والخراب والتدمير».
وقال ردا على سؤال بخصوص أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، الذي ترددت معلومات عن أنه أصيب إبان غارات التحالف الدولي، قائلاً: «على الرغم من ورود تقارير تفيد بإصابة البغدادي، ليس لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية معلومات مؤكدة عن إصابته. وعلى الرغم من التكهنات المتداولة عبر وسائل الإعلام، فإن الافتراض القائم هو أنه ما زال على قيد الحياة ويقود تنظيم داعش».
وحول ما يتردد عن تراخي قبضة «داعش» على سوريا والعراق بفعل غارات التحالف الدولي، قال كروكشانك: «ما زال تنظيم داعش يسيطر على جزء كبير من الأراضي داخل العراق وسوريا، على الرغم من خسارته الكثير من المدن والبلدات حول بغداد وتكريت وعين العرب (كوباني). إنه ما زال يسيطر على مساحات شاسعة من محافظة الأنبار بغرب العراق، كما أنه يضع القوات العراقية تحت ضغط شديد في مدينة الرمادي. وأردف: «يبدو أنه ليس من المحتمل أن تتمكن القوات العراقية من استعادة مدينة الموصل في القريب العاجل، بل قد لا يتحقق ذلك إطلاقا هذا العام».
واستطرد: «ينظر كثير من السنّة إلى الجيش العراقي باعتباره جيشًا يسيطر عليه الشيعة، وخصوصا، بعد ورود تقارير وإشاعات عن جرائم حرب ارتكبها المسلحون أثناء العمليات في تكريت».
وحول وجود «داعش» على الأرض، قال كروكشانك: «لا يوجد داخل سوريا قوات مضطلعة بقتال داعش على الأرض بشكل كبير، بينما تمكن التنظيم من فرض وجوده في الكثير من البلدان الأخرى، فمقاتلو «داعش» المتمرسون عادوا إلى ليبيا ومصر لتأسيس جماعات تابعة للتنظيم الرئيس. أما تنظيم داعش في اليمن، فعلى الرغم من صغر حجمه مقارنة بـ«القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، فإنه يستغل الاضطرابات التي تشهدها اليمن لبناء تنظيم أكبر له هناك». وتابع: «وإذا استمرت الأوضاع الحالية على ما هي عليه الآن، فإنه من المرجح أن يواصل تنظيم داعش التمتع بنفوذ كبير في هذه المناطق لمدة طويلة من الفترة المتبقية من العقد الحالي».
ثم سألناه عمّا يتردد من أن نفوذ جماعة «قاعدة خراسان»، أو «التنظيم الأم» الذي يقوده أيمن الظواهري، يتضاءل بسبب فورة «داعش» على الأرض في سوريا والعراق، فأجاب: «لا، لا أوافق على أن قوة تنظيم القاعدة آخذة في التضاؤل؛ فعلى الرغم من اضمحلال نفوذ القاعدة بصورة كبيرة في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان وخسارته أسماء مؤثرة مثل آدم غادان (أو عزام الأميركي)، وأحمد الفاروق، يمكننا القول إن قوته تتعاظم في العالم العربي. ويفرض (القاعدة في شبه الجزيرة العربية) سيطرته على أراضي في مدينة المكلا ومناطق أخرى من حضرموت في اليمن، في حين تستحوذ (جبهة النصرة)، التي تعد بمثابة (المركز الرئيسي الجديد للقاعدة)، على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا، وخصوصا في محافظة إدلب، شمال غربي البلاد».
الجدير بالذكر أن «تنظيم قاعدة خراسان» الإرهابي في سوريا عاد للظهور مجددًا مع تدفق عشرات الإرهابيين الأجانب إلى البلاد، بهدف الانضمام إليه، وذلك على الرغم من الادعاءات الأميركية السابقة باستهدافه عبر الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ولكن مع بدء الولايات المتحدة غاراتها الجوية على مواقع الإسلاميين المتشدّدين في سوريا، ظهر إلى الواجهة اسم «جماعة قاعدة خراسان»، التي قالت عنها واشنطن إنها الأخطر على مصالحها، فما هذه الجماعة وما أهدافها واستراتيجيتها؟
أخذت جماعة «قاعدة خراسان» الصيت الإعلامي مباشرة بعدما ذكرها الرئيس الأميركي باراك أوباما بالاسم في كلمة ألقاها في أول يوم من بدء الضربات الجوية الأميركية التي تستهدف التنظيمات المتطرفة في سوريا. كذلك أعطى ويليام مايفيل، مدير العمليات لهيئة الأركان الأميركية المشتركة، تفاصيل مقتضبة عن هذه الجماعة التي لم تكن معروفة من قبل على الأقل إعلاميا، موضحا أن التقارير الاستخباراتية أشارت إلى أن المجموعة كانت في المراحل الأخيرة من التخطيط لتنفيذ هجمات كبيرة ضد أهداف غربية، وربما داخل أراضي الولايات المتحدة.
فما هذه الجماعة؟ وما أهدافها؟ ولماذا جرى الإعلان عنها في هذا الوقت بالذات؟
يقول الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات في لندن والباحث المصري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، لـ«الشرق الأوسط» شارحًا: «أصل التسمية يعود إلى خراسان، المركز الرئيسي لـ(قاعدة الجهاد)، لكي تكون مميزة عن (القاعدة في شبه القارة الهندية)، وكذلك (قاعدة اليمن) و(القاعدة في المغرب الإسلامي) و(القاعدة في دولة العراق والشام)، التي انفصلت لاحقا وأسست ما بات يُعرف بـ(داعش)، إلى أن تبرأت (القاعدة) من (داعش) وأفعاله في بيان شهير العام الماضي قبل إعلان (دولة الخلافة) بزعامة أبو بكر البغدادي في الأول من رمضان 1435 هجرية».
وأردف السباعي في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أن خراسان منطقة غير محددة المعالم جغرافيًا اليوم. وهي تشمل في أدبيات المتطرفين في باكستان وأفغانستان وإيران وبلوشستان إلى حدود نهر جيحون. وأضاف السباعي: «تسمية قاعدة الجهاد في خراسان هي من باب التمويه أيضًا، وهي بيانات تصدر عن القيادة المركزية لـ(القاعدة) تحمل اسم (قاعدة خراسان). ويعتقد على نطاق واسع أن التنظيم يضم شخصيات بارزة في تنظيم (القاعدة) الإرهابي، ومنهم إرهابيون قاتلوا سابقًا في أفغانستان وانخرطوا في صفوف تنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي في سوريا».
وبينما كانت أنظار العالم متّجهة خلال الأشهر الماضية إلى «داعش» لما أظهره هذا التنظيم الإرهابي من قوة التوسّع السريع على الأرض، والجرائم البشعة التي ارتكبها بحق المسيحيين والإيزيديين في شمال العراق، وكذلك إلى التحالفات الدولية للقضاء عليه، كانت الاستخبارات الأميركية تقيّم حجم الخطر الذي قد يشكله هذا التنظيم على مصالحها ومصالح حلفائها، ومقارنته بجماعات متطرفة أخرى.
ويظهر أن الاستخبارات الأميركية توصلت إلى قناعة مفادها أن جماعات صغيرة، كجماعة «قاعدة خراسان» أخطر من «داعش»، إذ قال بن رودز نائب مستشار الرئيس باراك أوباما للأمن القومي، للصحافيين: «لبعض الوقت كانت واشنطن ترصد مؤامرات تدبرها جماعة خراسان.. نعتقد أن مؤامرة لشن هجمات كانت وشيكة. كانت لديهم خطط لشن هجمات خارج سوريا».
ومنذ بدء التنافس العلني بين «القاعدة» و«داعش» قبل سنة، واصل «داعش» انتزاع زمام القيادة من فروع «القاعدة»، فأقدم (مثلاً) أفراد من تنظيم «القاعدة المركزي» مع عناصر منشقة عن حركة طالبان الأفغانية والباكستانية على مبايعة أبو بكر البغدادي في منطقة العمليات التاريخية لتنظيم القاعدة المركزي.
وفي سوريا، يوجد حاليًا تنظيم يُعرف باسم «تنظيم خراسان»، وهو من كوادر مقاتلي «القاعدة» المخضرمين من أفغانستان وباكستان، الذين سافروا إلى سوريا للانضمام إلى «جبهة النصرة».
ووفق مسؤولين أميركيين، فإن مسلحي «خراسان» لم يذهبوا إلى سوريا لقتال الرئيس السوري بشار الأسد، بشكل رئيسي، بل أرسلهم زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري لتجنيد أوروبيين وأميركيين تسمح لهم جوازات سفرهم بركوب طائرات أميركية بتدقيق أقل من قبل المسؤولين الأمنيين.
أيضا أكدت تقارير استخباراتية أميركية سرّية، أن مسلحي «تنظيم خراسان» يعملون مع صانعي قنابل من فرع «القاعدة في اليمن»، وذلك لاختبار طرق جديدة لتمرير متفجرات من أمن المطارات. والخوف يكمن الآن في أن يعطي مسلحو «تنظيم خراسان» هذه المتفجرات المتقدمة إلى المجنّدين الغربيين الذين قد يتمكنون من التسلل إلى الطائرات التي تقوم بالرحلات الجوية المتجهة إلى الولايات المتحدة.
ومن المعروف أن إدارة الرئيس الأميركي أوباما قالت إن تنظيم داعش الذي استهدفته الولايات المتحدة بأكثر من 150 غارة جوية لا يشكل تهديدًا وشيكًا للولايات المتحدة، بل يعتبر «تنظيم خراسان» الذي لم تستهدفه الغارات الأميركية، مصدر تهديد أكبر. وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أنه بسبب المعلومات الاستخباراتية عن التعاون فيما بين «تنظيم خراسان» وصنّاع القنابل في «قاعدة اليمن» والمتشدّدين الغربيين، فإن إدارة أمن النقل قرّرت في يوليو (تموز) الماضي حظر نقل الهواتف الجوالة وأجهزة الكومبيوتر المحمولة على الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة والآتية من أوروبا والشرق الأوسط.
وتظهر خطة «تنظيم خراسان» مع فرع «القاعدة في اليمن» أنه على الرغم من الدمار الذي سببته سنوات من ضربات الطائرات من دون طيار (الدرون) لقيادة «القاعدة» في باكستان فإن التنظيم ما زال قادرًا على تهديد الغرب. ووفق المعلومات المتوافرة، جدّد «القاعدة» شبابه في العام الماضي، مع نمو فروعه قوة وعددًا، كما أنه تعزز بطوفان من المتشدّدين الغربيين الذين وجدوا مأوى إرهابيًا جديدًا وآمنًا خلفته الحرب الأهلية السورية. وحاليًا يعرب مسؤولو الاستخبارات صراحةً عن بالغ قلقهم إزاء انضمام العشرات من الأميركيين ومئات من الأوروبيين للقتال مع مختلف الجماعات المتطرفة في سوريا.
وفي هذا السياق، قال نيكولاس راسموسن نائب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، للجنة من مجلس الشيوخ الأميركي: «تظهر جهود التنظيم المتكررة إخفاء عبوات ناسفة لتدمير طائرة، سعيه المستمر لشن هجمات عالية المستوى ضد الغرب، ووعيه المتزايد لإجراءات الأمن الغربية وجهوده للتكيّف مع هذه الإجراءات التي نتبناها».
وكشف جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن تنظيمًا من مسلحي «القاعدة» الأساسيين من أفغانستان وباكستان كانوا يخطّطون لهجمات ضد الغرب في سوريا. لكن «تنظيم خراسان» المتصل بتنظيم «القاعدة في اليمن» الذي تعتبره الولايات المتحدة التهديد الإرهابي الأكثر خطورة، لم يسبق الكشف عنه.
وقد حدد مسؤولون أميركيون بعضًا من أفراد «تنظيم خراسان»، لكنها لم تكشف عن أسماء الأفراد بسبب مخاوف من أنها قد لا تستطيع جمع معلومات استخباراتية أخرى مفيدة.
ومن أبرز الشخصيات التي تنسب إلى هذا التنظيم، إبراهيم العسيري، الملقب بـ«أبو صالح»، وهو من مواليد أبريل (نيسان) 1982 في الرياض، وله أربعة أشقاء وثلاث شقيقات. ولقد انضم عام 2007 ومعه شقيقه الأصغر عبد الله، إلى تنظيم «القاعدة في اليمن»، ثم برز كخبير في صناعة المتفجرات، بعد اندماج جناحي «القاعدة» اليمني والسعودي، ليشكّلا تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
ويشكل العسيري راهنًا كابوسا لمسؤولي النقل الجوي وأجهزة الأمن الدولية. وفي حين أعلنت واشنطن تعزيز إجراءات الأمن في بعض مطارات أوروبا والشرق الأوسط التي ينطلق منها مسافرون إلى الولايات المتحدة، تتركز الأنظار على جنوب اليمن ومحافظاته الخاضعة لهيمنة قبائل معادية للسلطة المركزية، حيث يفلت إبراهيم العسيري منذ سنوات من الطائرات الأميركية من دون طيار (الدرون) التي حاولت مرارا القضاء عليه. ويرى مسؤولون أميركيون، من دون كشف أسمائهم، أن العسيري الذي أفلت مرارا من الغارات، وقيل مرارا إنه قتل، قد يكون قد درّب فريقًا من الأنصار المستعدين، لأن يحلوا محله في حال موته.
ويعتقد أن العسيري هو من صنع قنبلة الملابس الداخلية التي حاول عمر فاروق عبد المطلب تفجير طائرة ركاب بها في مدينة ديترويت الأميركية خلال ديسمبر (كانون الأول) عام 2009.
ويعتقد أن العسيري كان أيضا من صنع القنابل (المخبأة في الطابعة) التي وضعت على طائرات الشحن المتجهة إلى الولايات المتحدة في عام 2010، والقنبلة التي كانت من المقرر تفجيرها على وكالات الاستخبارات السعودية وبريطانيا، والولايات المتحدة في 2012.
وفي هذا السياق، نشير إلى أن وتيرة العمليات الانتحارية لـ«القاعدة» كانت في تزايد مستمر، ففي ديسمبر 2009، حاول النيجيري عمر فاروق عبد المطلب تفجير طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية بقنبلة مخبأة في ملابسه الداخلية، لكنها لم تنفجر، مما ساعد مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في التعرّف على بصمة إبراهيم العسيري الموجودة على القنبلة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول)، عُثر على طردين، كل منهما يضم عبوات حبر للطابعات، محشوة بالمادة المتفجرة نفسها، وذلك على متن طائرتين في طريقهما من اليمن إلى شيكاغو في الولايات المتحدة. وتم اكتشاف القنابل بعدما توقفت الطائرتان في مطار إيست ميدلاندز في بريطانيا.
وفي أبريل 2012، اكتشفت «سي آي إيه» نسخة من قنبلة الملابس الداخلية، لكن من دون معادن، خلال عملية تفتيش مباغتة.
وهنا يظل السؤال المطروح: هل تستعيد «القاعدة» دورها في العراق والشام عبر جماعة «قاعدة خراسان»، في ظل تأييدها ضرب «داعش»، من قبل القوات الدولية، بطرف خفي؟ ففي آخر بيانات القاعدة ألقت باللوم على «داعش»، معتبرة إياه السبب الرئيس في دخول هذه القوات إلى الأراضي الإسلامية، ثم أنها كثيرًا ما تتهم «داعش» بأنه «صنيعة أميركية للاستيلاء على الأراضي الإسلامية تحت اسم محاربة الإرهاب».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.