الإعلام الحوثي.. استنساخ لتجربة حزب الله

«المسيرة» رأس حربته.. تبث معظم برامجه من «المربع الأمني» للسفارة الإيرانية في بيروت

غلاف جريدة الديار ({الشرق الأوسط})  -  عبد الملك الحوثي ({الشرق الأوسط})
غلاف جريدة الديار ({الشرق الأوسط}) - عبد الملك الحوثي ({الشرق الأوسط})
TT

الإعلام الحوثي.. استنساخ لتجربة حزب الله

غلاف جريدة الديار ({الشرق الأوسط})  -  عبد الملك الحوثي ({الشرق الأوسط})
غلاف جريدة الديار ({الشرق الأوسط}) - عبد الملك الحوثي ({الشرق الأوسط})

ينفذ الحوثيون في اليمن تجربة إعلامية لافتة، مستنسخة في أدق تفاصيلها من تجربة إعلام حزب الله الذي تقول مصادر لبنانية واسعة الاطلاع إنه يلعب دورا أكثر من استشاري في عملية التنظيم الإعلامي، ورسم معالم الخطاب الإعلامي، حتى بات ظهور زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، يكاد لا يختلف في المضمون والتفاصيل، عن خطاب أمين عام الحزب اللبناني السيد حسن نصر الله.
وقد أدرك الحوثيون مبكرا، أهمية الإعلام، فسعوا إلى السيطرة على كل مفاصله، وأنشأوا لهم مجموعاتهم الإعلامية، كما دعموا مجموعات أخرى يديرها في العلن رجال أعمال وتسوق في المضمون لسياساتهم. ويدير الحوثيون مجموعة إعلامية ممولة إيرانيا، مؤلفة من محطة تلفزيون فضائية تحمل اسم «المسيرة» تعد رأس حربتهم الإعلامية، وإذاعة تحمل الاسم نفسه ومجلة أسبوعية باسم «صدى المسيرة»، وهناك إذاعة أخرى للحوثيين تبث تجريبيا الآن تحت اسم «سام إف إم».

ساعد الإيرانيون، في إنشاء محطة تلفزيونية أخرى تحمل اسم «الساحات» لكنها تعرضت لانتكاسات عدة ماليا وإداريا، بعد أنباء عن فضائح مالية فيها، وتردد أن تمويلها توقف، قبل أن تعاود نشاطها مع الأحداث الأخيرة.
ورغم أن المحطة تصف نفسها بأنها «مستقلة» فإن المدير المقال من مكتب قناة «الساحات» اليمنية بصنعاء أحمد الزرقة قال إن القناة «التي تبث برامجها من العاصمة اللبنانية بيروت، تتبع أحد القيادات الميدانية لحزب الله اللبناني، متهما النائبين سلطان السامعي رئيس مجلس الإدارة الناطق الرسمي لجبهة إنقاذ الثورة، والقاضي أحمد سيف حاشد عضو مجلس الإدارة رئيس جبهة إنقاذ الثورة، بممارسة إجراءات غير قانونية بحق طاقم العمل في المكتب كونهم لم يرضخوا لما وصفها بـ(سياسة لي الأذرع) وتنفيذ أجندة سياسية خارجية واستخدام القناة والشباب كغطاء لتمرير أجندتهم»، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن هناك فسادا ماليا وإداريا كبيرا يمارس في هذه المؤسسة الإعلامية «التي تعمل دون تصريح رسمي في اليمن في الوقت الذي تحولت القناة إلى عمل استخباراتي كبير».
وتردد مؤخرا أن هناك قرارا باستبدال اسم المحطة ليصبح اسمها «اليمن الحر»، علما أن ثمة موقعا إلكترونيا مؤيدا للحوثيين يحمل الاسم نفسه الآن، بالإضافة إلى موقع إلكتروني آخر يحمل اسم «أوراق برس». أما في الصحف، فإضافة إلى «المسيرة» هناك «المسار» التي تصدر أسبوعيا و«الهوية» الأسبوعية أيضا و«الديار» التي تصدر كل سبت واثنين وأربعاء وشعارها «مع الكل ضد الجميع»، لكنها تخصصت بالتعرض للسياسات السعودية منذ ما قبل عاصفة الحزم. ويدير الحوثيون أيضا خدمتي أخبار هاتفية تحت اسم «المسار موبايل» و«المسيرة موبايل».
في اليمن، هناك 19 قناة، 5 منها حكومية، و14 قناة خاصة معظمها تبث من خارج البلاد، وقد استولى الحوثيون عند سيطرتهم على صنعاء على معظم هذه المحطات، فأصبحت القنوات الرسمية تبث باسمهم، وأبرزها الفضائية اليمنية، وقناة «سبأ» الفضائية، حتى أن ناشطين يمنيين شكوا من أن الفضائية اليمنية تبث الأذان على الطريقة الشيعية.
ومع بداية عاصفة الحزم، أقفلت معظم المحطات الرسمية، فيما توقفت قناة «المسيرة» لبعض الوقت، قبل أن تعاود بثها مقتصرة على الأخبار والدعاية السياسية. وفوجئ اليمنيون الخميس الماضي بعودة بث قناة «اليمن» الفضائية الرسمية على ذات التردد السابق للقناة بعد أيام من إغلاقها مع القنوات الحكومية الأخرى التابعة للمؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون «عدن، سبأ، الإيمان» بطلب من الرئيس منصور هادي بعد سيطرة الحوثيين، عليها. وبعد ساعات على بدء بث القناة الجديدة أصدرت المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون بيانًا أكدت فيه أن «ظهور قناة باسم قناة اليمن على ترددها لا تمثل المؤسسة ولا الشعب اليمني ولا الجمهورية اليمنية». وقالت المؤسسة: «إن بث قناة (اليمن) على التردد الذي تملكه المؤسسة يعد اعتداء سافر على حقوق المؤسسة المادية والفكرية المتمثلة في التردد والشعار الخاص بالقناة». وأهابت بجميع الهيئات والمؤسسات عدم التعامل مع هذه القناة كقناة رسمية بالإضافة إلى أن «ظهورها يعد جريمة أخلاقية تنتهك الحقوق الفكرية والمبادئ الإعلامية للمؤسسات واعتداء سافرا على حرية الرأي».

* «المسيرة»
تأسست قناة «المسيرة» عام 2012 لتصبح الذراع الإعلامية الأساسية للحوثيين، وهي تحظى بتمويل إيراني مباشر عبر «اتحاد الفضائيات والإذاعات الإسلامية»، تقدره مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» بنحو 700 ألف دولار شهريا تنالها المحطة التي افتتحت لها مكاتب تمثيلية في بيروت، تقع في المربع الأمني المحيط بالسفارة الإيرانية في بيروت. ويتمتع المركز بتقنيات عالية، وفيه استوديو للبث المباشر. وقالت مصادر لبنانية إن بث المحطة يعتمد أساسا على ما يخرج من بيروت في الوقت الحاضر، بعد تقليص عملها في اليمن لأسباب أمنية منذ انطلاق «عاصفة الحزم».
وقد نفى كل من وزير الإعلام اللبناني رمزي جريج ووزير الاتصالات بطرس حرب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون قناة «المسيرة» التابعة لجماعة الحوثيين في اليمن، تبث من بيروت، إذ أكد جريج أن القناة «لم تحصل على ترخيص من وزارة الإعلام يخولها البث»، فيما أكد حرب أن القناة «لم تحصل على تردد للبث من الوزارة، وبالتالي ليس صحيحًا أنها تبث من بيروت».
ويحتم القانون على أي قناة فضائية تريد البث من بيروت، أن تُمنح التردد من وزارة الاتصالات بعد حصولها على إذن من وزارة الإعلام. غير أن المصدر اللبناني قال لـ«الشرق الأوسط» إن المحطة تستغل ثغرة في القوانين اللبنانية تسمح لأي محطة بإنشاء مكاتب تمثيلية لها، تبث من خلالها بعض برامجها وتسجلها من دون المرور لا بوزارتي الاتصالات ولا الإعلام، وذلك عبر إنشاء شركات وهمية مقرها بريطانيا أو غيرها، تفتتح مكتبا لها في بيروت وتتعاقد مع شركة من شركات مزودي الخدمات تؤمن لها الوصول إلى القمر الصناعي.
ونفى عضو المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع غالب قنديل علمه بأن تكون قناة «المسيرة» تبث من بيروت، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الوطني الرسمي، «لا يملك أي معطيات عن بثها من هنا، ولم تقدم إلينا أي طلبات»، مشيرًا إلى أن صلاحيات المجلس «محصورة بالقنوات اللبنانية، أما القنوات الفضائية التي ترغب بالبث من لبنان، فتمنح ترخيصًا للبث عبر التردد الفضائي من وزارة الاتصالات التي يجب أن تُعلم المجلس الوطني بالترخيص الذي تمنحه لأي قناة غير لبنانية، وهو ما لم يحصل».
وقال قنديل إن المجلس «لم يعطَ علمًا بأي ترخيص صدر عن وزارة الاتصالات لأي قناة تبث من لبنان، كما لم يُطلب رأيه ولم يُبلّغ ببث أي منها، وحين طالبنا في السابق بإطلاعنا على التراخيص، لم نتلق أي جواب»، لافتًا إلى أن هذا الواقع «مستمر منذ نحو 10 سنوات خلال الحكومات المتعاقبة». ولفت قنديل إلى أن المجلس سُئل قبل سنوات عن بث قناة تلفزيونية من بيروت، تروّج لفكر تنظيم القاعدة، «لكننا لم نمتلك أي إجابة، لأننا لم نكن نملك المستندات، ولا العلم والخبرة بالموضوع».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.