تبين أن للجسد كلمة كبيرة فيما نفعله وفي هويتنا. وبدأ علم النفس يستيقظ من حلم قاس طويل مفاده أن الدماغ آلة تفكير نقية. وأخذ يكتشف؛ بدلاً من ذلك، أن الدماغ حبيس معانقة معقدة مع الجسم. وهذا لا يفتح الباب لمجموعة جديدة كاملة من العلاجات فحسب؛ وإنما يجعل المحاولات التقليدية لفصل الدماغ عن بيئته تبدو مضللة بشكل مثير للضحك.
الوعي والأحشاء
الوعي هو ذروة مليارات مواقع التشابكات العصبية التي تُطلق إشاراتها في جميع أنحاء دماغنا، لكنه لا يتوقف هناك. يعمل علم الأعصاب الآن على الكشف عن روابط الدماغ الممتدة مع كل جزء من الجسم. وهناك فهم جديد مفاده بأن هذه الروابط توفر السياق لعواطفنا ورغباتنا وعمليات اتخاذ القرار.
لا تتدفق المعلومات إلى الدماغ فقط من خلال جميع حواسنا؛ وإنما أيضاً من «العصب الحائر (vagus nerve)» الذي يعبر كل أعضاء الجسد، لا سيما الأمعاء. تجري هذه «المحادثة العميقة» بطريقتين؛ بواسطة جزء من الدماغ، (الإنسولا insula - القشرة الجزيرية)، وهو الجزء الذي يتوقع احتياجاتنا الجسدية باستمرار ومن ثم يوجهنا لإتمامها. هذا هو الإطار لكل أفكارنا ومزاجنا؛ ما يدعى «الحس الداخلي Interoception (الباطني)».
صار من الواضح بشكل متزايد أننا ننسج إحساسنا بالذات وعلاقاتنا مع الآخرين عبر هذه الشبكة من الأعصاب. إنها طريقة تواصلنا بالعالم، ومصدر مشاعرنا بالمحبة، والانتماء، وبالأمان؛ أو بالتهديد. ويوفر العصب الحائر طريقة لشفاء العقل خلال الجسم. لقد تبين أن التنفس العميق - وهو سمة من سمات ممارسة اليوغا وكثير من الممارسات القديمة لتركيز الذهن أثناء اليقظة - أداة بسيطة مخادعة لإيجاد حالة داخلية من الهدوء.
ومثل معظم الأعضاء، تعمل رئتانا على التشغيل الآلي؛ لكننا نستطيع أن نتولى القيادة. فالتنفس العميق لدقيقة أو نحو ذلك يجند العصب الحائر لإرسال إشارة واضحة إلى الدماغ، باتجاه إبطاء القلب، ويسبب إرخاء الأوعية الدموية، وإزالة تقلصات الأمعاء؛ مما يزيد نفوذنا على أحشائنا.
الدماغ الثاني
مع وجود شبكة مفرطة من الأعصاب على نحو خاص - مما يمنحها لقب «الدماغ الثاني» - فإن القناة الهضمية موطن لتريليونات من الميكروبات (التي تشكل الميكروبيوم: نظام المجهريات البشرية) التي يمكنها، على نحو مدهش، الإحساس وكذلك إنتاج النواقل العصبية للتحدث المباشر مع الدماغ. ووجود «ميكروبيوم» غير متوازن في الأمعاء، نتيجة شائعة للنظام الغذائي الأميركي القياسي، وهو مصدر قوي للالتهابات، التي يمكن أن تؤدي إلى الاكتئاب والتوتر الكبير.
مما يؤسف له أن هذه «المحادثة الجسدية» خافتة، مما يجعل من السهل التظاهر بأن أدمغتنا تعمل منفصلة عن الجسد. ومع ذلك، فإنه يمكن التلاعب بتركيب الميكروبيوم بواسطة النظام الغذائي، وصار النظام الغذائي الغني بمنتجات الألياف ومضادات الأكسدة، إضافة ضرورية إلى مجموعة الأدوات النفسية.
هناك علامات أخرى على أن علم النفس يهرب من ازدواجية الجسم والعقل التي أثقلنا بها الفيلسوف ديكارت قبل نحو 400 سنة، مانحاً قوة أكبر مما ينبغي للدماغ وقوة ليست كافية للجسم في المقابل. من الواضح الآن أن الجسم يقوم بعمليات حسابية لا تحصى ويترابط باستمرار مع الدماغ، مما يسبب التباس الحدود المعرفية. وفي ظل القاعدة العامة للتجسيد، هناك تحول قوي في فهم - وفي نهاية المطاف إدارة - كيفية التفكير والشعور.
تؤكد مبادئ الإدراك المجسد والعاطفة المجسدة أننا نستخدم الجسد مورداً لفهم الأفكار من الخوف إلى البهجة - التعبير عن المفاهيم المجردة بالإيماءات اليدوية على سبيل المثال - ويصبح جزءاً رئيسياً في كيفية التعلم، والتذكر، واسترجاع الذكريات. ولهذا السبب، نحن نبتسم عندما نسترجع حدثاً مضحكاً. وبصفتها نتيجة طبيعية؛ يمكننا التلاعب بوعي بتلك القرينة، لنقل عن طريق الابتسامة القسرية، لتغيير طريقتنا في التفاعل مع الأحداث وتخزين الذكريات.
نحن لا نستخدم أيدينا وقلوبنا فحسب؛ كما يقول البعض، بل نستخدم البيئة المحيطة بنا أيضاً - مثل الكمية المزعجة من المعلومات المتاحة فوراً على هواتفنا الذكية - لتعزيز ذاكرتنا وقدراتنا الإدراكية. إن تصدير أفكارنا هي طريقة ماكرة للتغلب على الحدود الضيقة لجماجمنا البشرية.
* «سايكولوجي توداي»
- خدمات «تريبيون ميديا»
الدماغ «حبيس» معانقة معقدة مع كل أعضاء الجسم
له شبكة أعصاب تترابط مع الأمعاء لنسج الأحاسيس والمشاعر
الدماغ «حبيس» معانقة معقدة مع كل أعضاء الجسم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة