مستوطنة «أبيتار»... يريدها بنيت ويعارضها الائتلاف الحكومي

TT

مستوطنة «أبيتار»... يريدها بنيت ويعارضها الائتلاف الحكومي

على الرغم من تأييد رئيس الوزراء نفتالي بنيت ووزراء اليمين، وعلى الرغم من إجازة المستشار القضائي للحكومة أبيحاي مندلبليت، تقف غالبية الوزراء من الوسط الليبرالي ونواب «القائمة الموحدة للحركة الإسلامية» الشريكة في الائتلاف، ضد إقامة مستعمرة جديدة باسم «أبيتار»، يريد المستوطنون إنشاءها قرب مدينة نابلس.
وأكدت شخصية حكومية رفيعة المستوى، شاركت في الدفع قدماً بمخطط إقامة المستوطنة، أن «كل الدلائل تشير إلى أن هذه الخطوة لن تخرج إلى حيز التنفيذ في نهاية المطاف... من الواضح لجميع الأطراف التي تروج لهذه الخطوة أن المحكمة العليا لن تسمح بتطبيقها، وستفسخ هذه الخطة على الرغم من التسويغ الذي أعطاه لها المستشار القانوني للحكومة». وقالت الشخصية الحكومية: «حتى من يعملون على ترويج هذه الخطة يعترفون بأنها ستتعرض لانتقادات وإدانة شديدة في الساحة الدولية، وربما ستؤدي إلى المساس بالعلاقات مع الإدارة الأميركية. وسيكون من الصعب على إسرائيل الدفاع عن نفسها في المحافل الدولية بخصوص هذه القضية، في هذا الوقت بالذات الذي يتسبب سلوك المستوطنين والجيش ضد الفلسطينيين في إدانات كبيرة تصل إلى حد اتهامها بنظام فصل عنصري (أبرتهايد)».
وكشف مصدر شارك في الأبحاث حول الموضوع الأسبوع الجاري، أنه بالإضافة إلى رئيس الوزراء تقوم شريكته في قيادة حزب «يمينا»، وزيرة الداخلية آييلت شاكيد، بالدفع قدماً بهذه الخطة بدعوى أنها «التزمت بذلك أمام جمهور ناخبيها». ويؤيدها وزير الدفاع بيني غانتس، الذي يقول إنه «ملزم بتطبيق الاتفاق مع المستوطنين، الذين وافقوا على إخلاء البؤرة بعد وعدهم بأنه يمكنهم العودة إلى المكان إذا تبين أنه يمكن تسوية مكانة الأرض».
وكان المستوطنون قد احتلوا الأرض ثم وافقوا على إخلائها بشرط أن تتحول إلى مستوطنة في حال وجود أرض تابعة للدولة فيها. وقد تبين بعد الفحص أنّ هناك 60 دونماً تابعة للدولة. وهم يطالبون غانتس بالإيفاء بوعده وإقامة المستوطنة عليها. لكنّ الخبراء يؤكدون أنه لا يمكن إقامة مستوطنة على مساحة صغيرة كهذه وأنه بمجرد إقرار إقامتها ستتم مصادرة أراضٍ خاصة للفلسطينيين.
وقد حذّرت مندوبتان عن وزارة العدل من أن تطبيق الخطة، يمكن أن يفسَّر في العالم على أنه خطوة متعمدة لمنح الشرعية القانونية للبؤرة الاستيطانية على حساب حقوق الفلسطينيين في المكان. وقالت غاليت رجوان وتوم غال، في قسم الاستشارة والتشريع (القانون الدولي) في الوزارة، إن الدفع قدماً بهذه العملية يمكن أن يولّد الانطباع بأنها «تستهدف تحديد الهدف بعد إطلاق السهم»، وأن السلطات تعمل على شرعنة البناء في المكان بما يمس بحقوق الملكية وحق الاستماع لسكان المنطقة الفلسطينيين.
مصادر في الائتلاف حذّرت من أن احتمال تنفيذ مخطط «أبيتار»، حتى من دون تدخل المحكمة العليا، سيكون ضئيلاً لأن ذلك سيثير أزمة في الائتلاف. وسبق لمسؤولين في حزبي «العمل» و«ميرتس» وكذلك في «القائمة العربية الموحدة» أن حذّروا من أن تطبيق هذه الخطة هو خط أحمر. كما كان مكتب وزير الخارجية يائير لبيد، قد أعطى إشارة لمعارضة إقامة المستوطنة، عندما أشار إلى أن «دور رئيس الحكومة البديل هو الحفاظ على سلامة الائتلاف».
الجانب الفلسطيني يعد كل المداولات حول هذا الموضوع في إسرائيل تتركز حول كيفية السيطرة على أرض فلسطينية محتلة. وقال المحاميان سليمان شاهين وعلاء محاجنة، اللذان يمثلان 12 فلسطينياً تقدموا بالتماس ضد الخطة للمحكمة العليا، إنهما ينويان استنفاد جميع الإجراءات من أجل وقف هذه الخطة. وأكدا أن «الحديث يدور عن فضيحة بكل المعايير، فهم يستهدفون منح الشرعية القانونية لسلب الأراضي الوقح الذي جرى على يد زعران ومخالفين للقانون، على حساب مئات أصحاب الأراضي الزراعية الفلسطينيين من سكان قرى بيتا ويتما وقبلان. قراءة تفاصيل الخطة الآخذة في التبلور لصالح لوبي البطش العنيف يجب أن تقضّ مضاجع كل إنسان منصف، لكونها مليئة بالتلاعبات القانونية الخبيثة. السكان الفلسطينيون مصممون أكثر من أي وقت مضى على العمل على إلغاء الخطة بكل الآفاق القانونية التي بحوزتهم في البلاد وفي الخارج».
يُذكر أن اليمين المتطرف شرع بإقامة هذه البؤرة الاستيطانية في عام 2013، عقب مقتل مستوطن عند حاجز زعترة، وأطلقوا عليها اسم «جفعات أفيتار»، على اسم المستوطن الذي قُتل عند الحاجز. واضطروا إلى إخلائها بقرار من الجيش. في عام 2018 حاولوا إحياء البؤرة من جديد، عقب مقتل حاخام يهودي قرب مستوطنة «أرئيل» شمالي سلفيت، لكن المحاولتين فشلتا إثر المقاومة الشعبية التي خاضها أهالي البلدة. وفي الخامس من مايو (أيار) الماضي، شرع مستوطنون بإقامة البؤرة من جديد فهبّ أهالي بلدات يتما وبيتا وقبلان، جنوبي نابلس، يعترضون. وهم يقيمون مظاهرات في كل يوم، وتم قتل 11 شاباً فلسطينياً خلال هذه المعركة اليومية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.