دول الخليج أمام مشهد يمني معقد يُدار بأيدٍ إيرانية

تأكيد على أهمية توحيد الصف في وجه التهديدات

صورة من أقمار صناعية تظهر هجوماً بطائرات مسيرة على مصفى للبترول قرب أبوظبي راح ضحيته ثلاثة عاملين في 17 الشهر الماضي (أ.ب)
صورة من أقمار صناعية تظهر هجوماً بطائرات مسيرة على مصفى للبترول قرب أبوظبي راح ضحيته ثلاثة عاملين في 17 الشهر الماضي (أ.ب)
TT

دول الخليج أمام مشهد يمني معقد يُدار بأيدٍ إيرانية

صورة من أقمار صناعية تظهر هجوماً بطائرات مسيرة على مصفى للبترول قرب أبوظبي راح ضحيته ثلاثة عاملين في 17 الشهر الماضي (أ.ب)
صورة من أقمار صناعية تظهر هجوماً بطائرات مسيرة على مصفى للبترول قرب أبوظبي راح ضحيته ثلاثة عاملين في 17 الشهر الماضي (أ.ب)

يرى محللون استراتيجيون خليجيون أن توسيع الحوثية المدعومة من إيران خارطة اعتداءاتها لتشمل دولة الإمارات العربية المتحدة، جاء انعكاساً لخسائرها على الأرض والهزائم التي منيت بها في الفترة الأخيرة. وأكد المحللون في الشأن الاستراتيجي في لقاءات مع «الشرق الأوسط» أنه من الخطأ الافتراض أن قرار توسيع العدوان باتجاه الإمارات كان قراراً حوثياً، لافتين إلى أنه من القرارات الاستراتيجية الحساسة واتُخذ بناء على حسابات استراتيجية إيرانية ولخدمة مصالح إيران الاستراتيجية. ويعتقد المحللون أنفسهم أن الرد السعودي الإماراتي على الاعتداءات الحوثية كان حاسماً ورادعاً وقوياً وفورياً، وينبع هذا الرد من فهم مشترك لطبيعة الحسابات الاستراتيجية الآنية، والبعيدة المدى للتهديدات الإيرانية - الحوثية.
ناقشت «الشرق الأوسط» مع كوكبة من الخبراء الاستراتيجيين الخليجيين التطورات الأمنية الإقليمية الأخيرة في ضوء توسع الاعتداءات الحوثية لتشمل أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة، في أعقاب استهدافها منذ بعض الوقت الأراضي السعودية. وفي هذا الإطار، يحذّر الخبراء من أن المشهد اليمني يزداد تعقيداً سياسياً وعسكرياً وإنسانياً، وأن الدقائق الأخيرة من ساعة الحرب لم تحن بعد، مشيرين إلى أن الميليشيات الحوثية «تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية لاستمرار الحرب بعد رفضها كل نداءات السلام».

الصقر: قرار التصعيدأكبر من الحوثي
الدكتور عبد العزيز بن صقر، رئيس «مركز الخليج للأبحاث»، يقول في تعليقه حول توسيع جماعة الحوثي الإرهابية اعتداءاتها الأخيرة لتشمل دولة الإمارات العربية المتحدة، إنه «من الخطأ الافتراض أن قرار توسيع العدوان كان قراراً حوثياً. قرار العدوان على الإمارات يصنّف من نوع القرارات الاستراتيجية الحساسة التي لا يمكن أن تتخذ على مستوى القيادة الحوثية منفردة، خاصة أنها مجرد قيادة تابعة ومنفذه فقط للمطالب والتوجيهات الإيرانية، فالقرار بتوسيع عملية العدوان اتخذ على مستوى القيادة الإيرانية العليا، واتخذ بناءً على حسابات استراتيجية إيرانية، ولخدمة مصالح إيران الاستراتيجية».
وأضاف بن صقر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» شارحاً: «من دون شك، الحسابات الإيرانية تتضمن وضع إيران والميليشيات الحوثية في اليمن، لكنها تتجاوز هذا الأمر لتشمل وضع نفوذ إيران وسيطرتها في عموم المنطقة العربية، وعلاقات إيران الإقليمية والدولية. لذا فإن قرار توسيع العمليات العسكرية في الجزيرة العربية، جاء على خلفية اشتباكات استراتيجية لإيران على عدة جبهات، منها جبهة المفاوضات النووية في فينيا، وخضوع الدولة ونفوذها وسيطرتها لتحديات كبيرة في لبنان، العراق، وسوريا».
وبحسب بن صقر، فإنه «من خلال توسيع رقعة العمليات العسكرية في اليمن، تسعى القيادة الإيرانية إلى إثبات قدرتها على التحدي، وعلى استعداد طهران للتصعيد والمغامرة. وهي في هذا السلوك تحاول تحسين وضعها التفاوضي على جميع الجبهات، عبر إثبات قدراتها على توظيف أذرعها الإقليمية لتهديد الأمن الإقليمي وزعزعة الاستقرار الدولي... وهناك، مما لا شك فيه، قصورٌ دولي في فهم السلوك والعقلية والحسابات الإيرانية تقوم طهران باستغلاله».
رئيس «مركز الخليج للأبحاث» لم يغفل دور التغيرات الميدانية في ردة فعل الحوثيين الأخيرة، فقال: «دون شك، تغيير الواقع الميداني داخل اليمن، وبشكل تدريجي، منذ شهر يونيو (حزيران) العام الماضي، وفشل الوعود الحوثية بقرب فرض السيطرة الكاملة على محافظة مأرب، ثم بداية تحول الوضع العسكري الحوثي من الهجوم إلى الدفاع، وخسارة السيطرة على جميع أرجاء محافظة شبوة، والدخول في معارك فاشلة ومكلفة للمحافظة على مناطق السيطرة في محافظة مأرب... كل هذا قاد إلى تطور حالة من القلق العميق في طهران في ضوء تراكم الخسائر البشرية ضمن العناصر الحوثية المقاتلة، وتراكم الخسائر في المعدات العسكرية التي تتولى إيران توريدها عبر وسائل التهريب للحوثيين».
وتابع: «المشكلة الأساسية في المفهوم الميداني تكمن في تقدم ألوية العمالقة والقوات القبلية الداعمة السريع نحو محافظة مأرب، وهي محافظة ذات قيمة استراتيجية عالية للحوثيين، لكونها من ناحية محافظة نفطية توفر مستقبلاً مصادر مالية داعمة، ولكونها من ناحية أخرى تمتلك حدودا طويلة ومفتوحة مع محافظة صنعاء. لذا فإن مصدر القلق الإيراني - الحوثي يكمن في الحسابات باحتمال انهيار الدفاعات الحوثية في مأرب، ما سيفتح الطريق للتقدم نحو العاصمة صنعاء، وتهديد سيطرة الحوثيين على كامل الشمال اليمني».

الشليمي: المصالح الغربية
من جهته، أوضح الدكتور فهد الشليمي، رئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام»، أن التصعيد الأخير للحوثيين ضد الإمارات يعود إلى الهزائم المتلاحقة في عدة جبهات داخلية، منها شبوة ومأرب وبعض الأماكن في تعز والبيضاء، إلى جانب السعي للحصول على هدنة التوازن، بحيث إن تصعيد الموقف على المستوى الدولي يجعل المجتمع الدولي والإقليمي يطالب بإيقاف الضرر.
«ومن الأسباب كذلك - بحسب الشليمي - أن ضرب بعض المناطق في الإمارات قد يهدد المصالح الغربية من شركات خاصة وسوق الطاقة، ومحاولة ثني القيادة الإماراتية عن دعم قوات العمالقة الجنوبية التي كبدت الحوثي خسائر كبيرة». وهنا يضيف: «كذلك لا يمكن أن تنطلق هذه الصواريخ من دون موافقة ضمنية إيرانية، خصوصاً أنها تأتي خلال مفاوضات فيينا لخلط الملفات، وتعطي الانطباع أن إيران تستطيع، في حال فشلت المفاوضات، إشعال المنطقة عبر وكلائها مثل حزب الله في لبنان أو الحوثي في اليمن أو الحشد الولائي في العراق».

كاسب: توسع واستمرار في العمليات
أما العميد الدكتور فواز كاسب، وهو محلل استراتيجي وأمني سعودي، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إقدام الميليشيات الحوثية الإرهابية على توسيع العمليات الإرهابية لتشمل دولة الإمارات العربية المتحدة، بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، ليس بالأمر الجديد». ولفت من ثم إلى أنه «منذ عام 2016، وبداية العمليات العسكرية، كان هناك إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة مفخخة باتجاه الإمارات من قبل الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران. وقد تم التعامل معها بنجاح لتعود مرة أخرى من خلال منظور حوثي مفاده التصعيد بالتصعيد، بعد دخول الإمارات بشكل رئيسي وأساسي ودعم ألوية العمالقة التي تمتلك الخبرة للتعامل في مثل هذه العمليات».
ووفق الدكتور فواز: «يتحقق توسع في العمليات على أرض الواقع، وتحقيق أهداف عالية الأهمية في شبوة ومأرب من خلال الدعم الإماراتي والدعم السابق والمستمر من المملكة العربية السعودية قائدة التحالف، الأمر جعل الحوثي يعود مرة أخرى لتهديد الإمارات تهديداً إرهابياً... وسوف تستمر هذه العمليات، لا سيما أن الحوثي أعلن أن التصعيد بالتصعيد». ويتابع الدكتور فواز كاسب قائلاً: «هذا ما سيجعل ألوية العمالقة تستمر في العمليات العسكرية بالتناغم والتفاعل الإيجابي من القبائل اليمنية وهذا يعطي أهمية للعنصر الاجتماعي». ومن ثم استطرد موضحاً: «كل ما تحقق من انتصارات على الأرض كان بإسناد مستمر وقوي من طيران التحالف، وضرب جميع الأهداف الإرهابية المتحركة والثابتة الأمر الذي أعطى زخماً لألوية العمالقة، وسوف تستمر هذه العمليات».
كذلك، تطرق كاسب إلى اختفاء زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي من المشهد السياسي والإعلامي، ومقتل حسن ايرلو القائد الإيراني الفعلي للمعارك على الأرض، وأثر ذلك على تحول المعركة، فقال: «نلاحظ أن جميع الشخصيات اليمنية التي تحلل العمليات الأخيرة، تؤكد وجود تغير في الروح المعنوية والأداء وتراجع لدى الحوثيين، وهو ما يثبت ارتباط هذه الميليشيات وأهمية استغلال ذلك بشكل إيجابي وسريع من قوات التحالف والتوسيع في العمليات العسكرية».

الرد على الاعتداءات الحوثية
عودة للدكتور عبد العزيز بن صقر، الذي يقول: «يوجد توافق سعودي - إماراتي إزاء المخاطر الاستراتيجية لكامل الجزيرة العربية الناشئة عن الوضع اليمني، ومن ضمنها التهديدات المباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي، التي يحملها خيار استمرار السيطرة الحوثية على اليمن، واستمرار السيطرة الإيرانية على الحركة الحوثية». ويلفت إلى أنه «من عادة التهديدات والمخاطر تحولها إلى قوة تُوحد المواقف، لكونها توحد المصير. هناك إدراك عميق لدى القيادتين السعودية والإماراتية بوحدة المصير، وكون التهديدات والخطر الإيراني - الحوثي هو خطر توسعي لا يقتصر على دولة واحدة، بل هو خطر إقليمي يمس أمن واستقرار وسلامة أراضي الدولتين».
ويرى رئيس «مركز الخليج للأبحاث» أنه، في قرارها تحدي التهديدات الإيرانية - الحوثية في اليمن، تبنت القيادة السعودية والإماراتية الحسابات الاستراتيجية الآنية، والبعيدة المدى. وأضاف: «التغافل عن حقيقة الاستيلاء غير الشرعي للميليشيات الحوثية على السلطة في اليمن، وعن حقيقة كون الميليشيات الحوثية عصابات من صنيعة الحرس الثوري الإيراني، وترتبط مصيرياً بالدعم والاستراتيجية الإيرانية، سيكون له أثمان وكلف كبيرة، وبعيدة المدى على أمن واستقرار دول مجلس التعاون، وأيضاً على حرية واستقلالية قراراتها السياسية، وحقوقها السيادية، وتحول اليمن إلى مركز عدوان وتهديد وابتزاز إيراني في قلب الجزيرة العربية سيمس سيادة واستقلالية جميع دول المنطقة».
ومن ثم، طالب الدكتور بن صقر بأهمية الاتعاظ من الدرس اللبناني والتجربة اللبنانية المرّة التي جاءت بسبب «التغافل والتخاذل أمام نمو نفوذ وسيطرة ميليشيات حزب الله - اللبناني على زمام السلطة في لبنان، ثم تحولها إلى قوة إقليمية تتدخل وتهدد أمن واستقرار كامل منطقة المشرق العربي لحساب الحرس الثوري الإيراني، وخدمة للمصالح الاستراتيجية التوسعية للإمبراطورية الفارسية الاستعمارية». على حد تعبيره.
وبدوره، أشار الدكتور فهد الشليمي إلى أن البعض كان يعتبر الإرهاب الصاروخي الحوثي ضد السعودية صراعاً بين دولتين، إلا أن انتقال الهجمات إلى دولة غير مجاورة لليمن، في حد ذاته، يشكل انتهاكاً للأمن والسلم الدوليين. ومن ثم، تطرق الشليمي إلى النجاح الدبلوماسي الإماراتي في مجلس الأمن والجامعة العربية، واعتبار الصواريخ الحوثية فعلاً إرهابياً، فقال: «هذه الصواريخ قد تصل إلى قطر والكويت وعمان والبحرين، لكن باختلاف المسار السياسي. أعتقد أن السعودية أثبتت أنها ذات صبر وتكتيك باحترافية دفاعها الجوي الذي صد آلاف الهجمات الجوية، وكانت محقة دائماً في أن منظمة الحوثي إرهابية».
وفيما يخص ردة فعل السعودية والإمارات على الهجمات الحوثية، رجّح العميد الدكتور فواز كاسب أن الدولتين الشقيقتين ستستمران في العمليات، لا سيما في ظل وجود الدعم السياسي والتغير في موقف المجتمع الدولي تجاه الميليشيات الحوثية. وأضاف: «لقد وقع اعتداء حوثي على السفارة الأميركية في صنعاء، وصرح الرئيس (جو) بايدن بأن إدارته تعيد النظر في تصنيف جماعة الحوثي ضمن الجماعات الإرهابية. وبلا شك هذا سوف يزيد الضغط والإرباك على الحوثيين خلال الفترة القادمة».

تعامل دول الخليج مع الملف اليمني

> لفت الدكتور عبد العزيز بن صقر إلى أن هنالك أمراً ما زال غائباً ضمن المنظومة الخليجية، وهو «الإدراك العميق للمخاطر والتهديدات التي تكمن في سياسة إيران التدخلية والتوسعية، والتهديدات البعيدة المدى التي تكمن في توظيف إيران لسياسة تأسيس ودعم الميليشيات الطائفية المسلحة، وتفتيت سلطة الدول القائمة، وخلق دولة داخل دولة، وتوظيف الورقة الطائفية، وإضعاف الهوية والانتماء الديني والوطني والقومي لدى المواطن العربي، لحساب تعميق الولاء الطائفي، الذي يربط عبره الولاء والدعم للسياسة الإيرانية، على حساب المصالح الوطنية والقومية».
وأضاف بن صقر: «تبني بعض دول الخليج العربية سياسة ومواقف متساهلة، وربما متخاذلة ومحابية للموقف الإيراني، وتجنب إدانة السلوك التوسعي والتدخلي أمر مؤسف ومقلق في الوقت نفسه. هذا الأمر ينجر على الموقف الخليجي والعربي من الملف اليمني، فجميع الأطراف الخليجية، ومن ضمنها السعودية والإمارات تؤمن وتعلن جهاراً أن تسوية الصراع في اليمن يجب أن تتم عبر الحلول والتسويات السياسية والمفاوضات الدبلوماسية التي تحافظ على كرامة وحقوق وازدهار الشعب اليمني، وتضمن سيادة الدولة وسلامة أراضيها». ولكن، رغم ذلك، يرى بن صقر أن «تجربة جولات التفاوض المتعددة مع الميليشيات الحوثية، أبرزت قناعة راسخة أن القرار الحقيقي والنهائي يكمن في طهران، ومع القيادة الإيرانية، كما أثبت أن مصلحة إيران تكمن في تخريب أي حل أو تسوية سياسية في اليمن تخدم مصالح الشعب اليمني، طالما أنها تتجاوز أو تُهمش المصالح الاستراتيجية الإيرانية في اليمن... لذا ما هو مطلوب من دول الخليج العربية موقف صلب وموحد قائم على إدراك عميق لحقائق الأزمة اليمنية، وتبني سياسة ومواقف عملية تعكس إدراكا فعليا لحجم التهديدات والمخاطر النابعة من الصراع اليمني».
وهنا، حرص الدكتور فهد الشليمي على التوضيح بأن الملف اليمني «يحتاج توحيد الجهد اليمني ككل، وهو ما شاهدناه في عمليات اليمن السعيد» على حد تعبيره. وأضاف: «نبدأ بقوات الشرعية والمساندة لها، ثم تكون هناك تفاهمات ميدانية على الأرض بحيث تسحب القوات الشرعية في حضرموت (7 ألوية) وتوجهها للحوثي وتفتح جبهات جديدة، والاستمرار في الدعم الجوي، على أن يكون هناك دعم سياسي من الجامعة العربية وهو حصل». واختتم بالقول: «هناك مسؤولية أكبر على دول البحر الأحمر المجاورة لأن هناك قرصنة وألغاماً... وهي مسؤولة عن تأمين هذا الممر الملاحي على شواطئها. كذلك من المهم التوجه إلى ميناء الحُديدة باعتبار اتفاق استوكهولم ليس ذا جدوى، والسيطرة على الميناء، ومنع الحوثي من الاستفادة من الإيرادات».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».