الحزب الاشتراكي البرتغالي... وجوه تاريخية ومسيرة سياسية ناضجة

ماريو سواريش
ماريو سواريش
TT

الحزب الاشتراكي البرتغالي... وجوه تاريخية ومسيرة سياسية ناضجة

ماريو سواريش
ماريو سواريش

أسس الحزب الاشتراكي البرتغالي في أبريل (نيسان) عام 1973، بيد أنه لم يحصل على الترخيص القانوني لممارسة نشاطه السياسي إلا في مطالع العام 1975.
ينتمي هذا الحزب ينتمي إلى قوى وسط اليسار (أو اليسار المعتدل) الأوروبية التي تتبنّى مبادئ السوق الحرة والمبادرة الخاصة، لكنها تشدّد على أهمية إخضاع الاقتصاد لقواعد المؤسسات العامة ورقابتها، بما يضمن التوزيع العادل للثروة.
وينصّ الميثاق التأسيسي للحزب على اعتماد اقتصاد السوق إطاراً عاماً لسياسة الدول الاقتصادية، إلا أنه مقابل ذلك يرفض صراحة «مجتمع السوق»؛ إذ إنه يعتبره «هيمنة غير مشروعة لمنطق السوق على المنظومة الاجتماعية برمتها»، ما يجعله قريباً من الطروحات الماركسية التي تتبناها الأحزاب الشيوعية الأوروبية.
على الصعيد الأوروبي، يدعو الحزب الاشتراكي البرتغالي إلى ترسيخ دعائم الاتحاد وتوسيع دائرة عضويته. وعلى غرار معظم «دول الجنوب» الأوروبية والبلدان الأعضاء الصغيرة، ينادي بإصلاحات تضفي المزيد من الديمقراطية على المؤسسات الأوروبية التي تخضع لتأثير الدول الكبرى. وهو يعتبر أيضاً أنه لا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يكون «قلعة منيعة» حريصة فقط على مزاياها ومصالحها، وغير مكترثة تجاه متاعب بقية الشعوب الأخرى في العالم.
خلال الانتخابات الاشتراعية عام 2015 حلّ الحزب الاشتراكي ثالثاً بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يمين معتدل) والوسط الديمقراطي الاجتماعي بنسبة 32 في المائة من الأصوات، وبالتالي نال 86 مقعداً في الجمعية الوطنية. إلا أن الاشتراكيين تمكّنوا يومذاك من تشكيل «حكومة ائتلافية» بفضل التحالف الذي نسج خيوطه أمينهم العام أنطونيو كوستا مع الحزب الشيوعي والقوى البيئية واليسارية الأخرى.
وفي العام 2019 نال الحزب غالبية الأصوات والمقاعد البرلمانية للمرة الأولى بعد حصوله على 36.6 في المائة من أصوات الناخبين. وفي الانتخابات الأخيرة التي أجريت يوم الأحد الفائت حصل الاشتراكيون على الغالبية المطلقة للمرة الثانية في تاريخهم، ونالوا 117 مقعداً في البرلمان.
من الشخصيات البارزة في مسيرة الحزب الاشتراكي البرتغالي وتاريخه، الدكتور ماريو سواريش الذي تولّى رئاسة الحكومة أربع مرات متتالية، كما تولّى رئاسة الاشتراكية الدولية مرات عدة، والأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرّيش. وللعلم، يسيطر الحزب الاشتراكي على الاتحاد العام للعمال الذي يعتبر التنظـيم النقابي الأكبر والأكثر تأثيراً في البرتغال، ولديه تنظيم طلابي فاعل جداً في الأوساط الجامعية.
مع ذلك، يجمع المراقبون على أن الحقبة الممتدة منذ تولي أنطونيو كوستا الأمانة العامة للحزب إلى اليوم هي الأكثر خصوبة في تاريخه من حيث النتائج التي حققها في الانتخابات العامة والفرعية. وأيضاً الأهم من حيث تأثيره في توجيه دفّة الاقتصاد البرتغالي وحضور البرتغال في المحافل الأوروبية والدولية. ولقد جاءت نتيجة الانتخابات الأخيرة لتدعم صيغة «الائتلاف اليساري» الذي قاده كوستا بمهارة بين القوى المعتدلة والمتطرفة، والذي تحوّل إلى قدوة من حيث استقرار المؤسسات الذي سمح للبرتغال بتجاوز الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي نشأت عن جائحة «كوفيد» وتداعياتها.
ولعل من أبرز الادلّة على نجاح أداء الصيغة الائتلافية الحاكمة التي قادها كوستا، وأعطته هذا الفوز الساحق في الانتخابات الأخيرة، أن البرتغال انتقلت من معدل نمو سنوي لا يتجاوز 1.5 في المائة وعجز في ميزان المدفوعات بنسبة 4.4 في المائة إلى معدل نمو بنسبة 4.4 في المائة، وانخفاض بنسبة العجز إلى 1.4 في المائة خلال السنوات الأربع التي كان فيها كان فيها كوستا على رأس الحكومة.



ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

ديفيد لامي
ديفيد لامي
TT

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

ديفيد لامي
ديفيد لامي

ديفيد لامي، وزير الخارجية الجديد، هو «ذراع» كير ستارمر اليمنى على المستوى الدولي، ومنه يتوقّع العالم أن يسمع عن توجهات حكومة بريطانية جديدة تتمتع بتفويض عريض يتيح لها حرية التصرف مع الخصوم والأصدقاء.

النشأة والبداية

ولد ديفيد ليندون لامي يوم 19 يوليو (تموز) 1972 في حي هولواي، بشمال وسط العاصمة البريطانية لندن، لأسرة سوداء تتحدّر من غيانا (أميركا الجنوبية). وترعرع مع إخوته الأربعة في حي توتنهام المجاور برعاية أمه وحدها؛ إذ غادر أبوه منزل الأسرة عندما كان ديفيد في الثانية عشرة من العمر، وترك هذا الأمر تأثيراً بالغاً في حياته لجهة اهتمامه الشديد بالعناية بالأطفال. وفي أثناء دراسته في مدرسته الأولى بلندن، وكان يومذاك في العاشرة من عمره، حصل على منحة دراسية كورالية للإنشاد في كاتدرائية بيتربورو (شرق إنجلترا)، وكانت الدراسة في مدرسة «كينغز سكول» الخاصة في مدينة بيتربورو.

بعد إكمال لامي تعليمه المتوسط والثانوي في مدرسة «كينغز سكول» - بيتربورو، التحق بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية «سواس» العريق في جامعة لندن، ومنه تخرّج مُجازاً بالحقوق، وانتمى لنقابة المحامين في إنجلترا وويلز عام 1994. ثم درس في جامعة هارفارد الأميركية الشهيرة، وأكمل هناك شهادة الماجستير في القانون. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه كان أول بريطاني أسود يتخرّج في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وبعد الماجستير عمل محامياً في مكتب شركة هوارد رايس القانونية بولاية كاليفورنيا عامي 1997 – 1998، ثم شركة دي جي فريمان بين عامي 1998 و2000. كما كان لفترة قصيرة أستاذاً زائراً للمارساة المحاماة في «سواس» بلندن.

وأما بالنسبة لحياته الزوجية، فإنه تزوّج عام 2005 من الرسامة نيكولا غرين ورزقا بصبيين وبنت. وهو يصف نفسه بأنه مسيحي ومتحدر من أصل أفريقي... وبريطاني وإنجليزي ولندني وأوروبي، كما أنه يحمل جنسية مزدوجة غيانية - بريطانية.

لامي السياسي الطموح

منذ مرحلة الشباب المبكّر انتسب لامي إلى حزب العمال ونشط في صفوفه. وفي عام 2000 دخل «مجلس لندن التمثيلي»، وانتقل بعد ذلك في عام 2002 ليشغل مقعد دائرة منطقة توتنهام، بشمال لندن، عبر انتخاب فرعي أجري لملء شغور المقعد البرلماني إثر وفاة شاغله النائب الأسود العمالي اليساري بيرني غرانت. ويومذاك، في 22 يونيو (حزيران) 2002 حصل على 53.5 في المائة من الأصوات، ومتغلباً على أقريب منافسيه بفارق 5646 صوتاً، وغدا، بالتالي، وهو في سن السابعة والعشرين أصغر أعضاء مجلس العموم سناً... واحتفظ بهذا اللقب حتى انتخاب النائبة سارة تيثر في العام التالي.

ولقد احتفظ لامي بهذا المقعد منذ ذلك الحين، كما أنه شغل عدة مناصب وزارية ثانوية في حكومتي بلير وبراون بين عامي 2002 و2010؛ إذ عيّنه بلير عام 2002 مساعد وزير دولة بوزارة الصحة العامة، وعام 2003 أصبح مساعد وزير دولة للشؤون الدستورية. ثم عيّن وزير دولة في وزارة الثقافة عام 2005، ثم نائب وزير دولة للابتكار والجامعات والمهارات عام 2007، وبين عامي 2008 و2010 شغل لامي منصب وزير دولة للتعليم العالي.

الابتعاد التدريجي عن اليسار

بعد خسارة حزب العمال انتخابات 2010، أيّد لامي انتخاب إد ميليباند لزعامة الحزب، لكنه لم يدخل «حكومة الظل»، مفضلاً البقاء خارج الصفوف القيادية. وخلال هذه الفترة كانت توجهات لامي السياسية لا تزال تعتبر عن قناعات يسارية، وهذا بالتوازي مع الصعود الحثيث للتيار اليساري المتشدد، الذي تجسّد عام 2015 بانتخاب اليساري المخضرم جيريمي كوربن زعيماً.

في عام 2012، أيّد لامي ترشيح عمدة لندن الكبرى اليساري كين ليفينغستون لتولي منصب رئيس بلدية العاصمة، بل كان ضمن فريق مستشاريه ومعاونيه. وبعدها، عام 2014 أعلن عن رغبته بالترشح لمنصب رئيس البلدية، وقال إنه يخطّط لخوض المنافسة عام 2016. ولكن خلال الانتخابات العامة عام 2015 أعيد انتخابه نائباً في مجلس العموم، معزّزاً غالبيته بحصوله على نسبة 67.3 من أصوات دائرته، ومتقدّماً على أقرب منافسيه بأكثر من 23560.

حتى بعد هزيمة حزب العمال في تلك الانتخابات، كان لامي واحداً من 36 نائباً رشحوا جيريمي كوربن لزعامة الحزب... وكان محسوباً أحد أصدقائه. إلا أن طموحه لرئاسة بلدية لندن تعرض لانتكاسة كبرى عندما حل رابعاً بين المرشحين العماليين في التصويت الترشيحي، وفي نهاية المطاف فاز برئاسة البلدية متصدّر المنافسين صديق خان، الذي ما زال يشغل المنصب.

عند هذه المحطة بدأ تحول لامي - وبعض أترابه من اليساريين - التدريجي نحو الاعتدال والوسط. وتجلّى هذا التحوّل في تأييده لتوليّ ستارمر، الشخصية القانونية ذات التوجهات الوسطية، خلال انتخابات الزعامة عام 2020. ويُذكر أن انتخابات عام 2019 شهدت هزيمة مريرة للعمال، أنهت حقبة كورين واليسار لمصلحة التيار الوسطي المدعوم بقوة من مناصري إسرائيل داخل الحزب. وبالفعل، أثمر ولاء لامي للزعيم الجديد - المقرب جداً من إسرائيل - وخطه السياسي عندما عيّن في «حكومة الظل» لحقيبة العدل وكبير القانونيين. ولاحقاً، في التعديل الذي أجري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، انتقل لتولي حقيبة وزارة الخارجية في «حكومة الظل».

تعيينه وزيراً للخارجية

في أعقاب فوز العمال الساحق بالانتخابات الأخيرة، واحتفاظ لامي بمقعده في توتنهام، بشمال لندن، أسند رئيس الوزراء الجديد ستارمر إليه منصب وزير الخارجية رسمياً. وجاء هذا التعيين على الرغم من أن لجنة تحقيق اكتشفت عام 2022 ارتكابه من دون قصد مخالفة مسلكية، واضطر على الأثر إلى تقديم كتاب اعتذار عن المخالفة إلى مفوضة المعايير البرلمانية. أما على الصعيد السياسي، فمنذ تولي لامي منصبه الوزاري الجديد، كان بين أبرز مواقفه تأييده الصريح لأوكرانيا في الحرب الروسية عليها، ودعمه حرب إسرائيل ضد حركة «حماس»، وهو في هذا الشأن، على الرغم من تأييده وقف إطلاق النار في غزة، فإنه مثل ستارمر، ما زال يربطه بإطلاق جميع الرهائن.

الموقف من إسرائيل

أيضاً حول موضوع إسرائيل والقضية الفلسطينية، تجدر الإشارة إلى أن ديفيد لامي يُعد من أكثر أعضاء الحكومة العمالية الجديدة تلقياً للدعم المالي من جماعة «أصدقاء إسرائيل في حزب العمال». وهو، بعد هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) في غلاف قطاع غزة، زار إسرائيل في أواخر العام الفائت، تحديداً يوم 19 نوفمبر 2023، وهناك اجتمع برئيس الدولة الإسرائيلي إسحق هرتسوغ ووزير الخارجية إيلي كوهين.

وخلال ذلك الشهر، اعتبر لامي الغارة الإسرائيلية على أحد مخيمات اللاجئين في قطاع غزة «عملية مبرّرة». على الأثر، اتسمت بالسلبية علاقته بالشارع البريطاني المؤيد للقضية الفلسطينية، والمعارض لاستمرار الأعمال التهجيرية الدامية في القطاع، وأيضاً في الضفة الغربية. ومجدداً زار لامي إسرائيل يوم 14 يوليو (تموز) الحالي، والتقى في أثناء الزيارة بعائلات الرهائن الإسرائيليين الذين اختطفتهم «حماس»، وكرر من هناك المطالبة بوقف لإطلاق النار في غزة مشروط بالإفراج عن جميع الرهائن.

... ومن أوكرانيا

أما ما يخصّ أوكرانيا وانعكاسات حربها على المشهد الأوروبي، فكانت من أولى مهام ديفيد لامي وزياراته الخارجية بصفته وزيراً للخارجية البريطانية، اجتماعه بنظرائه: البولندي رادوسواف سيكورسكي، والألمانية آنالينا بيربوك، والسويدي توبياس بيلستروم، لمناقشة الوضع ومستجدات الحرب الروسية إلى جانب مواضيع أخرى. وحول علاقة بريطانيا - ما بعد «بريكست» (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، شدد لامي الوزير لنظرائه الأوروبيين على أن الحكومة الجديدة في لندن حريصة على «إعادة ضبط» علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تعزيز الخطط الخاصة بالأمن المشترك، وسياسات الطاقة، وأزمة تغير المناخ، ومواجهة الجوائح والأوبئة، والهجرة غير الشرعية.

ديفيد لامي، الذي يتمتع بخبرة سياسية وقانونية كبيرة، لديه أيضاً - كما سبقت الإشارة - اهتمامات أكاديمية وثقافية. وكان قد نشر خلال نوفمبر 2011 كتاباً بعنوان «بعيداً عن الرماد: بريطانيا في أعقاب اضطراب الشوارع»، تناول فيه الاضطرابات التي اجتاحت بعض المدن الإنجليزية عام 2011. ثم نشر كتاباً ثانياً من تأليفه بعنوان «قبائل» ناقش فيه أزمة الانقسامات الاجتماعية، ومدى الحاجة إلى الانتماء. ومن جهة ثانية، ظهر مقدِّماً خلال الفترة بين عامي 2022 و2024 في برنامج تلفزيوني قبل ظهر أيام الأحد. وهنا، نشير إلى أن المعلومات الموثقة عنه تفيد بأنه تلقى بين عامي 2019 و2024 أعلى دخل مادي بين النواب العماليين، إلى جانب مرتبه نائباً في مجلس العموم. من أبرز مواقف لامي في منصبه الوزاري

تأييده الصريح لأوكرانيا في الحرب الروسية عليها،

ودعمه حرب إسرائيل ضد «حماس»