«داعش» والإيزيديون... جرائم تنتظر محاكمات

«الشرق الأوسط» ترصد ردود فعل ضحايا القرشي على قتله قبل أن يحاسب

صورة أرشيفية لإيزيديين يهربون من انتهاكات «داعش» في سنجار غرب العراق (رويترز)
صورة أرشيفية لإيزيديين يهربون من انتهاكات «داعش» في سنجار غرب العراق (رويترز)
TT

«داعش» والإيزيديون... جرائم تنتظر محاكمات

صورة أرشيفية لإيزيديين يهربون من انتهاكات «داعش» في سنجار غرب العراق (رويترز)
صورة أرشيفية لإيزيديين يهربون من انتهاكات «داعش» في سنجار غرب العراق (رويترز)

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن القوات الأميركية الخاصة نفذت بنجاح عملية قتل زعيم تنظيم «داعش» أبو إبراهيم الهاشمي القريشي، المعروف باسم الحاج عبد الله، في شمال غربي سوريا.
ورغم أن مقتل قريشي، يعد دفعة كبيرة لعمليات مكافحة الإرهاب الأميركية في المنطقة والحرب الأوسع ضد عودة ظهور «داعش»، فإنه حدث مؤثر بشكل خاص لأبناء المجتمع الإيزيدي.
ارتقى قريشي ليصبح نائب زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، قبل أن يخلفه في النهاية. ومع أن الدور الرئيسي الذي لعبه قريشي في تجارة الرقيق الإيزيديين والإبادة الجماعية لا يزال غير معروف، فإن الأدلة التي جمعتها «لجنة العدالة والمساءلة الدولية» توضح مسؤوليته الجنائية المحتملة عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم، بما في ذلك الاتجار بالبشر.
قُتل قريشي من دون محاكمة على الإطلاق على جرائمه المزعومة، ما يعطي دليلاً آخر على انعدام العدالة للإيزيديين، وفشل المجتمع الدولي في إجراء محاكمة دولية في هذا الشأن.
جرت أول محاكمة بتهمة الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 عندما أدانت محكمة ألمانية في فرانكفورت المواطن العراقي طه الجميلي، بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وكان قد اتهم بالتسبب في وفتاة إيزيدية شابة قام بتقييدها بالسلاسل إلى قضبان النوافذ في الشمس، ما أدى إلى موتها عطشاً.
جاءت المحاكمة يومها لتذكر العالم بالفظائع التي لحقت بالأقلية الإيزيدية، عندما انتشر مسلحو «داعش» في سنجار، موطن الأجداد الإيزيديين في شمال غربي العراق. وقد سعى ما يسمى بـ«داعش» إلى القضاء على المجتمع الإيزيدي بحملة قتل جماعي وتهجير قسري واسترقاق. وفي النهاية قُتل أو اختُطف ما يقدر بنحو 10000 من الإيزيديين بصورة بالغة الوحشية.
بالنسبة للإيزيديين، كان لحكم فرانكفورت ذلك المذاق الحلو المر في آن. فكأول إدانة بالإبادة الجماعية ضد أحد منتسبي «داعش» في أي مكان في العالم، بما يعنيه من اعتراف بالصدمة التي عانى منها المجتمع، فقد أظهر أن العدالة يمكن تحقيقها، وهي بالغة الأهمية للناجين. لكنها في المقابل سلطت الضوء أيضاً على الطبيعة البطيئة للعدالة والمساءلة، ما دفع العديد من الإيزيديين إلى الشعور بتخلي المجتمع الدولي عنهم.
- حصار سنجار
التفت العالم إلى الإيزيديين في أغسطس (آب) 2014 عندما دخل «داعش» القرى والبلدات المحيطة بسنجار. وبينما كان المسيحيون والعرب والأكراد يعيشون في المدن والقرى التي تعرضت للنهب، فإن الإيزيديين وحدهم من جرى إخطارهم بالعقاب دون غيرهم. وبعد اضطهادهم باعتبارهم عبدة شيطان، أطلق «داعش» حملة لتطهير المنطقة ممن يسمون «الكفرة». مع تقدم «داعش»، إلى قوات البشمركة الكردية العراقية عن نقاط التفتيش، حاول الإيزيديون الدفاع عن أنفسهم، وفرّ العديد منهم إلى المناطق الكردية وأصبحوا نازحين. الغالبية لا تزال هناك اليوم، عاجزة عن العودة إلى ديارهم، فيما فر آخرون إلى المنحدرات العليا لجبل سنجار، الذي لطالما كان ملاذاً لمجتمع حفل تاريخه بالاضطهاد والعنف. وبينما كان العالم ينظر في رعب، حاصر «داعش» الإيزيديين الذين حرموا من إمدادات المياه مع ارتفاع درجات الحرارة، ليلقى المئات من المسنات والأطفال حتفهم بسبب الجفاف.
الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما أعلن أن هجوم «داعش» إبادة جماعية وتم إجلاء الآلاف من الإيزيديين في نهاية المطاف من الجبل على يد القوات الكردية بتغطية جوية أميركية، فيما حوصر من تبقى منهم من قبل «داعش». جرى فصل الرجال عن النساء، وتم إعدام بعض الرجال على الفور، وفي حالات أخرى، تم اصطحابهم بعيداً ولم يسمع شيئاً عنهم مرة أخرى. ووُضع بعض الأولاد الأصغر سناً أمام خيار التحول إلى نسخة «داعش» من الإسلام وسط مقاتلي «داعش» في القرى الشيعية سابقاً. وجرى نقل النساء والفتيات لاحقاً إلى غرف المشاهدة وفتح أسواق العبيد لبيعهن كرقيق للاستغلال الجنسي من قبل مقاتلي «داعش» ضمن نظام منضبط للغاية.
- البحث عن المفقودين
وفي حين يُعتقد أن العديد من الإيزيديات لقين حتفهن أثناء القتال خلال فترة وجودهن في الأسر، فإن من المعتقد أيضاً أن العديد منهن ما زلن على قيد الحياة. ويُعتقد أنهن يعيشن مع عائلات مرتبطة بـ«داعش» في العراق أو سوريا، غالبا في مناطق خارج سيطرة الحكومة، ما يجعل الاتصال بهن أو إنقاذهن أمراً صعباً. وفي أغسطس 2021، تم إنقاذ إيزيديتين على قيد الحياة في محافظة دير الزور بعد أن أمضتا وقتاً في التنقل بين المنازل في سوريا.
يُعتقد أن بعض الإيزيديين يقيمون في معسكر الهول، الذي يضم أفراداً من عائلات مقاتلي «داعش» وآخرين تم أسرهم بعد سقوط ما يسمى مناطقهم. ويعتبر الوصول إلى المخيم للبحث عن الإيزيديين المفقودين صعباً، ولكنه ليس بالمستحيل، فقد شهدت حملة أطلقتها منظمات مختلفة في سبتمبر (أيلول) الماضي ضغوطاً من أجل القيام بعملة بحث رسمية لتحديد أماكن وجود النساء والأطفال المفقودين، بما في ذلك هذا المعسكر.
وفي ديسمبر (كانون الأول) جرى توجيه نداء من 17 دولة لتسليط الضوء على ما يقرب من 2800 من النساء والأطفال الإيزيديين المفقودين. وحتى الآن لم يجر إطلاق أي بحث تقوده الحكومة للعثور عليهم، كما لم تكن هناك جهود منهجية من قبل السلطات العراقية لفحص الأطفال المحتجزين في معسكرات مثل «الهول» و«روج». والآن لا يزال الجميع ينتظر عملاً ملموساً بشكل عاجل.
دفع فشل المجتمع الدولي الناس العاديين إلى العمل. وتكريساً لجهود العثور على الفتيات المفقودات، أسس نشطاء متفانون شبكة من المخبرين في سوريا لإنقاذ الإيزيديين المخطوفين. يعتبر عبد الله شريم أحد هؤلاء، بعد احتجاز 56 شخصاً من عائلته. كانت أول من عاد ابنة أخته مروة في نهاية عام 2014، وبمساعدة مهربي السجائر، تمكن شريم من تحديد مكانها في الرقة وإنقاذها. وعندما اكتشفت العائلات الأخرى ذلك، بدأوا في الاتصال بشريم بشكل محموم.
قال شريم: «جاءوا إليّ وطلبوا إنقاذ ذويهم المختطفين. لقد أنقذت الكثيرين وأنشأت مجموعة كبيرة لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس. فحتى اليوم، أنقذت 399 شخصاً، ولديّ كل أسمائهم وتواريخ إنقاذهم والأماكن التي تم إنقاذهم منها لأنني أريد دعم عملي بالأدلة».
ولتحديد مكان الفتيات، قام شريم بتنسيق شبكة معقدة من المتطوعين في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك الممرضات وجامعو القمامة والنساء اللواتي يتنقلن من منزل إلى آخر لبيع الملابس والخبز.
شأن العديد من الإيزيديين، يشعر شريم بخيبة أمل من
المجتمع الدولي لفشله في إنقاذ أولئك الموجودين على جبل سنجار، ولعدم بذل أي جهد جاد لتحديد مكان الفتيات والنساء المفقودات في السنوات السابقة.
استطرد شريم قائلاً: «منذ بداية عام 2014 وحتى نهايته، لم يكن للمجتمع الدولي والحكومات المحلية حضور. لقد أنقذنا العديد من الفتيات والنساء المخطوفات حتى قبل إنشاء مكتب غير رسمي في الرقة لهذا الغرض. لو كان هناك دعم دولي أو محلي، لكنا أنقذنا مجموعات كبيرة كانت قريبة في مناطق مثل تلعفر والموصل. فقد شعرنا بالتخلي عنا، ولا يزال هذا الشعور ينتابنا».
- حواجز العودة
من بين 12000 إيزيدي فُقدوا، تم تحديد 5000 قتيل وإنقاذ بضعة آلاف، ما يعني أن ما يصل إلى 4000 لا يزالون في عداد المفقودين. ولا تزال العديد من المقابر الجماعية في سنجار في انتظار نبشها، حيث تخشى آلاف العائلات الأسوأ فيما يتعلق بأحبائها المحتمل وجودهم تحت ترابها. هناك نحو 200 ألف إيزيدي آخر يقبعون في معسكرات المشردين في كردستان العراق، غير قادرين على العودة إلى ديارهم بسبب نقص الضمانات الأمنية. لم يعد هناك مكان للعيش فيه، حيث إن سنجار والقرى المحيطة بها باتت خراباً إلى حد كبير. لم يتغير شيء يذكر منذ طرد «داعش» في عام 2014، حيث تجوب القوات العراقية والكردية المنطقة، وكذلك الميليشيات الشيعية، بينما تشن تركيا بانتظام غارات جوية ضد المسلحين الأكراد المشتبه في أنهم يختبئون في سنجار، في وضع يتعارض مع اتفاق وقعته حكومتا كردستان والعراق عام 2020 لاستعادة الاستقرار في المنطقة.
تعتبر هذه الصفقة واحداً من عدة تعهدات من قبل الحكومة العراقية لم تؤت ثمارها بعد. ففي العام الماضي، أقر العراق قانون الناجين الإيزيديين، الذي اعترف بالجرائم ضدهم على أنها إبادة جماعية، ووعد بأرض واعدة وتعويضات وفرص عمل متزايدة للناجين. ورغم أن تمرير القانون كان بالغ الأهمية، فقد جاء التقدم بطيئاً بالنسبة للناجين الذين لا يزالون في الغالب يعيشون من دون منازل أو وظائف أو أي مظهر من مظاهر الاستقرار.
- ماذا بعد؟
يتوقع إيزيديون أن يشجع المجتمع الدولي بغداد وحكومة كردستان على وضع جدول زمني واضح واتباعه لتنفيذ اتفاق سنجار يتمحور حول احتياجات المجتمع الإيزيدي. فإذا كان الرئيس الأميركي بايدن جاداً بشأن سياسة خارجية تركز على حقوق الإنسان، فيجب أن تكون مساعدة المجتمع الإيزيدي أولوية. بعد ذلك يجب على المانحين الدوليين الرئيسيين والحلفاء العراقيين الاستثمار في إعادة الإعمار الشامل في سنجار، لتمكين العودة الآمنة للإيزيديين النازحين لأن مخيمات النازحين ليست حلاً دائماً.
في هذا الصدد، قال عابد شمدين، المدير التنفيذي لـ«مبادرة ناديا» (جمعية غير ربحية مكرسة لإعادة بناء المجتمعات الممزقة والدفاع عن الناجين من العنف الجنسي): «لا يمكن تحقيق التقدم واستدامته إلا من خلال استقرار الأمن والحكم المحلي الذي يسمح لمجتمعات سنجار، مثل الإيزيديين، بأن يكونوا أصحاب مصلحة متساوين في استعادة وطنهم وإدارته الديمقراطية».
وأضاف شمدين: «أدى التهجير الإيزيدي المطول إلى ارتفاع معدلات الانتحار وزواج الأطفال وحالات العنف ضد المرأة، وهذه المعدلات يمكن تخفيفها من خلال توفير مسار للعودة إلى منازل آمنة ودائمة مع إمكانية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والعمل في سنجار».
تعمل «مبادرة ناديا» على تطوير مشروع لإنقاذ الآلاف من النساء والأطفال الإيزيديين المفقودين، عبر إنشاء قاعدة بيانات شاملة للمفقودين ووضع الأساس لإنقاذهم وجمع شملهم مع عائلاتهم. وتعتبر المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة، ويجب أن تكون مدعومة بتمويل دولي ودعم لوجيستي. وختم شمدين قائلاً: «رغم أننا، بوصفنا منظمة غير حكومية دولية، غير قادرين على المشاركة في الإنقاذ الفعلي لأولئك المفقودين، فإن أملنا هو دفع العراق وكردستان والمجتمع الدولي لبذل المزيد من الجهود. في النهاية، نريد أن يعرف هؤلاء النساء والأطفال أنهم لم يُنسوا».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من القوات الحكومية في البادية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

دمشق تواصل تمشيط البادية شرق حمص وملاحقة «داعش» بدعم من الطيران الروسي

رجّحت مصادر محلية أن يكون هدف حملة تقوم بها قوات تابعة لدمشق هو تأمين طرق البادية السورية الواصلة بين مناطق الحدود مع العراق ومحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

جولة في «دماغ نتنياهو»: كيف سخّر رجل واحد العالم لخدمة أهدافه الشخصية

صورة ملصق انتخابي ممزق لبنيامين نتنياهو في 1999 (غيتي)
صورة ملصق انتخابي ممزق لبنيامين نتنياهو في 1999 (غيتي)
TT

جولة في «دماغ نتنياهو»: كيف سخّر رجل واحد العالم لخدمة أهدافه الشخصية

صورة ملصق انتخابي ممزق لبنيامين نتنياهو في 1999 (غيتي)
صورة ملصق انتخابي ممزق لبنيامين نتنياهو في 1999 (غيتي)

قبل 15 عاماً، سُئل بنتسي نتنياهو، والد رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن رأيه، في نجله. فأجاب: «إنه ليس بأهبل».

الصحافي الذي سأله يُدعى عميت سيجال، وهو من سلالة يمينية، يعمل مراسلاً سياسياً في «القناة 12»، التي كانت تُدعى «القناة الثانية». وسيجال يتفاخر بأنه من المعجبين برئيس حكومته نتنياهو. والغرض من سؤال الوالد، لم يكن المساس بشخص الابن بل بالعكس، فقد وجّه سيجال السؤال، لكي يفهم ما وراء التصريح الذي أدلى به نتنياهو الابن في جامعة «بار إيلان»، في سنة 2009، وأعرب فيه عن تأييده حل الدولتين.

وعليه، أجاب الوالد: «بيبي لا يؤيد حل الدولتين. لقد وضع شروطاً لا يمكن للعرب قبولها. وهذه بلاد اليهود ولا مكان للعرب فيها». وكانت الشروط أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولةً للشعب اليهودي، وتكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وأن تحل قضية اللاجئين خارج تخوم إسرائيل.

الخطاب جاء في ظروف معينة، تُذكّر بهذه الأيام. ففي حينه، باشر الرئيس باراك أوباما دورته الرئاسية الأولى، في 20 يناير (كانون الثاني)، وبعد شهرين، في نهاية مارس (آذار)، باشر نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وفي 18 مايو (أيار) استقبل أوباما نتنياهو في البيت الأبيض، وطلب منه وقف المستوطنات وتأييد حل الدولتين، «الذي لا حل سواه لإنهاء الصراع». وفي 4 يونيو (حزيران)، ألقى الرئيس الأميركي خطاباً في القاهرة، متوجهاً للعالم العربي والإسلامي، وفاتحاً صفحة جديدة في العلاقات الأميركية معهما. وبعد 10 أيام ألقى نتنياهو خطاب «بار إيلان».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

قبل هذا الموعد بست سنوات، كان نتنياهو قد عُيّن وزيراً للمالية في حكومة أرئيل شارون، وقد سُئل والده عن مستقبل ابنه، وإن كان يصلح ليصبح رئيس وزراء؟ فأجاب: «كلا، إنه يصلح وزيراً للخارجية». ففي مفهومه، منصب وزير الخارجية يُلائم مَن يحب الكلام، ويجيد الخطابة، ويتمتع بحفلات الكوكتيل، ولا يحب العمل. ومن يعرف الابن أكثر من الوالد.

التسويق في البضائع والسياسة

المشكلة اليوم أن هذا الابن يقود دولة في مركز الأحداث في الشرق الأوسط والعالم، وأولئك الذين يتعاملون مع هذا الابن، هم رؤساء دول وملوك وقادة جيشه ومخابراته وبشر يتحكم بمصائرهم، وكلهم ذاقوا على جلودهم مرارة التجربة.

ومن الصعب أن تجد فيهم مَن يستطيع فك رموز شخصية بنيامين نتنياهو. فهو دائماً مفاجئ، وفي كثير من الأحيان صادم، لكن هناك شيئاً يتقنه جيداً. هو وضع مصالحه الشخصية فوق أي اعتبار؛ إذا أراد أمراً فلن يعيقه شيء عن الوصول إليه. وأهم أدواته في تحقيق أهدافه، إدارة التسويق.

كان نتنياهو قد بدأ حياته موظفاً في تسويق البضاعة بمحل لتجارة الأثاث في الولايات المتحدة، وأبدع في التقاط أسرار هذه المهنة. كان يعرض بضاعة أخشاب السويد على أنها أخشاب زان، ويبيع أشياء تصلح وأشياء لا تصلح.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متحدّثاً لأعضاء في الكونغرس الأميركي في يوليو 2024 (غيتي)

وإذا ما قرر صاحب المحل التخلُّص من بضاعة كاسدة، كلّف نتنياهو بالمهمة، فيروِّج لها الأخير كما لو أنها أفضل المنتجات. كان يكذب بتلقائية، ومن دون أن تظهر على وجهه أي علامة. كان يقبض ولا يدفع. المراوغة والاحتيال وخيانة الأمانة، كلها تمر على الزبائن بفضل قدرته العالية على الكلام، وقبل أن يُكتشف أمره، انتقل إلى العمل السياسي. عُين ممثلاً لإسرائيل في الأمم المتحدة، ثم نائباً لوزير الخارجية، ووزيراً للخارجية، ثم وزيراً للمالية، ثم رئيساً للوزراء، لفترة أطول من أي رئيس وزراء سابق له.

لقد حمل نتنياهو معه إلى السياسة كل صفاته في التسويق. المثل الصارخ على ذلك، هو ما يفعله اليوم في اختراعه معضلة «محور فيلادلفيا» لعرقلة صفقة تبادل الأسرى. قبل هذه المعضلة بواحد وثلاثين سنة، اخترع نتنياهو قصة أخرى بفضلها انتخب لرئاسة «الليكود»، ليُمهّد الطريق لرئاسة الحكومة. ففي الرابع عشر من يناير من سنة 1993، وعلى أثر هزيمة «الليكود»، بقيادة إسحق شامير، خاض نتنياهو انتخابات داخلية على منصب رئيس الحزب ومرشحه لرئاسة الحكومة، في مواجهة 3 مرشحين: دافيد ليفي، وبيني بيغن، وموشيه قصاب.

رجل يضع ملصقاً انتخابياً لإيهود باراك فوق صورة المرشح بنيامين نتنياهو في انتخابات 1999 (غيتي)

قبل 10 أيام من الانتخابات، طلب نتنياهو الوصول إلى استوديوهات القناة الرسمية الوحيدة للتلفزيون للكشف عن فضيحة كبرى، وهناك أعلن أنه كان على علاقة بامرأة أخرى خارج الزواج، وأن شخصية كبيرة في «الليكود»، محاطة بعصابة مجرمين، هددت بكشف شريط يوثق علاقته بها بشكل فاضح، إذا لم ينسحب من المنافسة. وألمح إلى أن هذه الشخصية هي المنافس الأساسي دافيد ليفي. وانقلبت المعركة الانتخابية وفقاً للأجندة التي فرضها. وبالنتيجة فاز على منافسيه الثلاثة بنسبة 52 في المائة.

وبالطريقة نفسها، لكن بمستوى أخطر، فاز برئاسة الحكومة، فقد أدار حملة تحريض دموية على إسحاق رابين، واتهمه بخيانة مصالح إسرائيل الأمنية عندما وقع على اتفاقيات «أوسلو»، فقرر شاب يميني متطرف اغتيال رابين. ورغم أن الاغتيال أحدث زلزالاً في السياسة الإسرائيلية، نجح نتنياهو في رئاسة الحكومة بعد أقل من سنة.

الناس زبائن تُحركهم نقاط ضعفهم

التسويق إذن هو الحمض النووي (DNA) في شخصية نتنياهو. يضع لنفسه هدفاً، ويبتدع أنجع الطرق لتسويقه. يقرأ خريطة الناس بصفتهم زبائن، يكتشف نقاط الضعف، وينفذ من خلالها كالسهم. قد تكون هذه الطرق قذرة، وقد تكون طافحة بالأكاذيب، وفائضة بالخدع، وقد تُكلف بلاده وشعبه وحتى حزبه ثمناً باهظاً، لكن المهم أنه يجد مَن يصفق له. وكيف يصفقون له: بنوعية الرسائل التي يبثها.

بنيامين نتنياهو معلناً عودته للحياة السياسية في 2000 بعد فوز إيهود باراك في 1999 (غيتي)

داني فيدوسلافسكي، المتخصص في سلوك الفرد، ويدير كلية لتعليم السياسيين كيف ينجحون في الوصول إلى قلوب الجماهير، أصدر كتاباً بعنوان: «أسرار التسويق عند بيبي». وهو يُعدّ أهم عنصر في نجاحه معرفته صياغة رسائل قصيرة وبسيطة للناس. ويقول: «ليس مهمّاً إن كانت هذه الرسائل صحيحة أو صادقة، بل المهم أن يعرف كيف تُصيب وجدان الجماهير، وتخترق دماغهم». يخاطب الناس بلغة نحن وهم، وعندما يقول نحن يقصد هو وهم. يتحدث عن خصومه: «يسار». وبعدما جعل من كلمة يسار لعنة، راح يلصقها بكل خصومه حتى داخل «الليكود».

ولكن، من كثرة ما بنى له من خصوم، أصبح واضحاً أنه لا يهتم بشيء بمقدار مصلحته الشخصية، فصار فناناً في تصفية كل مَن يعترض طريقه، وليس فقط من الخصوم. وبنى لنفسه قاعدة جماهيرية محدودة من اليمين، ذات تركيبة عجيبة. غالبيتهم من الفقراء، مع أن سياسته رأسمالية راديكالية. شرقيون مع أنه إشكنازي متعجرف. على طول طريقه السياسي، نجح في تحطيم الأحزاب التي تنافسه. في سنة 2009، كان ينافسه إيهود باراك. وباراك كان قائد نتنياهو في الجيش، وفي سنة 1999 هزمه في الانتخابات، وفاز برئاسة الحكومة. لكن نتنياهو أقنعه بدخول حكومته وزيراً للدفاع، وتسبب بذلك في تفسخ حزب «العمل» وانهياره، إلى أن اعتزل باراك السياسة. وفعل الأمر نفسه مع يائير لبيد، ومع بيني غانتس، ومع موشيه كحلون.

ومن كثرة نجاحاته هذه، اقتنع بأنه يتمتع بقدرات عالية فوق طبيعية.

ويُحكى أنه ذات مرة قال أمام مقربين منه: «احمدوا الله على أنه حباكم قائداً مثلي». وزوجته سارة تردد هذه الجملة باستمرار. وإذا أراد أن يكون متواضعاً، يُشبه نفسه بالقائد البريطاني ونستون تشرشل.

ولا يكتفي نتنياهو بأن يرى نفسه أو يراه أفراد عائلته والمقربون والمنافقون بهذا الشكل، بل يطالب العالم بأن يراه بهذا الشكل أيضاً، فهو يُعدّ نفسه قائداً عالمياً، تاريخياً، أرسله الله ليقود معركة الغرب كله بشكل صحيح، ولديه نصائح لجميع القادة الكبار في العالم. ذات مرة التقاه الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، وبعد انتهاء اللقاء قال أوباما لمساعديه: «من منا رئيس الدولة العظمى؟». ولكن الرئيس التالي بعد أوباما، دونالد ترمب، ورغم غروره ونبرته، اقتنع من نتنياهو بضرورة الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وتباهى نتنياهو بذلك، وبأن إسرائيل تحت قيادته وجهت ضربات لإيران، أكثر من أي قائد غربي آخر.

حب المال وتلقي الهدايا

مشكلة نتنياهو أنه على طريقه الطويل، وقع في حادث أليم، فقد كُشفت إحدى نقاط ضعفه الخطيرة، وهي المال. رأس ماله يقدر بثلاثة وعشرين مليون دولار. راتبه الشهري 20 ألف دولار. أمواله جمعت من الرواتب العالية، وكذلك من المحاضرات، إذ يُعدّ محاضراً مطلوباً في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة.

بنيامين نتنياهو وزوجته سارة في زيارة رسمية لباريس (أرشيفية - غيتي)

لكن الأهم من دخله، الذي جمعه من عرق الجبين بغالبيته، هو مصروفه. نتنياهو معروف بأنه لا يصرف مطلقاً. كل مصاريفه على حساب الدولة، على عكس كل سابقيه، الذين حرصوا على الدفع من جيوبهم. لا يوجد له أصدقاء، ولكنه يحرص على علاقات جيدة مع عدد كبير من أصحاب الرساميل في العالم، الذين يُحدد مستوى القرب معهم بمستوى صرفهم هم عليه. وهو محب للهدايا السخية بشكل خاص، فإذا أهدى أحد المعارف عقداً من الذهب الخالص لزوجته سارة، لا يتردد نتنياهو بالاتصال بمقدم الهدية، مظهراً الزعل ومعاتباً: لماذا لم تشترِ لها الخاتم والحلق الملائمين للعقد؟

هذه العادات قادت نتنياهو إلى قفص الاتهام بتهمة تلقي الرشى وخيانة الأمانة، لأن هناك اشتباهاً بأنه استغل منصبه بصفته رئيس حكومة ليوفي الهدايا بخدمات يحتاج إليها أصحابها. وهناك شبهات نشرها اليعاد شارغا، رئيس حركة «طهارة الحكم»، الذي يقود منذ عشرات السنين معارك قضائية كبيرة ضد الفساد وضد المساس بالديمقراطية. وقال خلال مؤتمر «هرتسليا 2024»: «نتنياهو ارتكب أكبر وأخطر قضية فساد في تاريخ إسرائيل، جرى فيها هدر مليارات الدولارات عبثاً، على أسلحة لسنا بحاجة إليها، وبصفقة تمت من وراء ظهر وزير الأمن ورئيس أركان الجيش وقائد سلاح البحرية. وبلغ فيها الفساد فحشاً في قدس أقداسنا، الأسلحة الاستراتيجية. نتنياهو أدخل إلى جيبه 25 مليون شيقل عمولة في هذه القضية، وهذا عدا عمولات أخرى لشركائه في الجريمة. غابي إشكنازي، قال يومها إنه في اللحظة التي نشتري فيها الغواصة السادسة، لن يبقى لدينا مال للمجنزرات والمدرعات التي نحتاج إليها لاجتياح الشجاعية. وهذا ما حصل فعلاً، واليوم نذوق هذا النقص على جلود أبنائنا الجنود في قطاع غزة».

هذه القضية هي أيضاً مطروحة على بساط البحث في المحكمة، ولم يتقرر بعد تحويلها إلى لائحة اتهام. وتلميح شارغا إلى غزة يتعلق بالتهمة الموجهة إلى نتنياهو بأنه كان مسؤولاً عن إخفاق 7 أكتوبر (تشرين الأول) بشكل شخصي، إذ إنه قام بتقوية «حماس»، وتباهى بأنه يُحول لها الأموال لكي يعمق الانقسام الفلسطيني، وتم تحذيره بأن سياسة حكومته ستفجر حرباً، ولم يكترث.

الفساد... قضية حياة أو موت سياسي

نتنياهو يعرف جيداً خطورة هذه القضايا الثلاث، ويدرك أنه يواجه خطر الحبس بسببها. مسألة حياة أو موت، سياسياً، فإذا تخلّى عن منصبه بصفته رئيس حكومة، سيسهل على الجهاز القضائي الحكم عليه بالسجن، وإذا بقي رئيس حكومة، ستسير محاكمته ببطء شديد كما هي الحال اليوم؛ حيث إنها بدأت قبل 4 سنوات وما زالت في مرحلة سماع الشهود، وسيتمكن من منع إقامة لجنة تحقيق رسمية في قضية 7 أكتوبر، وسيمارس الضغط لتغيير القضاة في المحكمة العليا والنيابة، فلا يقدم إلى المحاكمة بسبب قضية الغواصات.

وقد وجد نتنياهو ائتلافاً قوياً لحكومته، من 64 نائباً من مجموع 120، يتألف من حزبه «الليكود» والأحزاب الدينية والاستيطانية. لهم مصلحة مشتركة في البقاء معاً. الأحزاب الدينية تحصد أموالاً طائلة لمدارسها ومؤسساتها وحاخاماتها، والأحزاب الاستيطانية تكسب توسيع الاستيطان وإجهاض حل الدولتين وتصفية القضية الفلسطينية، و«الليكود» تمت تصفية المعارضة فيه وقادته ينافقون نتنياهو، لدرجة الحضور معه إلى المحكمة تضامناً في قضايا الفساد.

قاعدة توفر إكسير الحياة

هذا الائتلاف، ومعه نحو 20 بالمائة من الناخبين في إسرائيل يشكلان قاعدة جماهيرية ثابتة لا تتزعزع، حتى الآن، ويعتمد عليها نتنياهو اعتماداً أساسياً. عندما يخطب يأخذ هذه القاعدة في الاعتبار، وعندما يتخذ قراراته يضعها فوق كل اعتبار. هي أهم بالنسبة له من الأسرى الإسرائيليين في أنفاق «حماس»، وأهم من عائلات هؤلاء الأسرى الذين لا يصدقون أن حياة أبنائهم أهدرت على هذا النحو. وأهم من الجنود الذين يُحاربون هباءً في غزة، ومن قادة الجيش وبقية الأجهزة الأمنية، الذين يؤكدون أن سياسة نتنياهو تلحق ضرراً استراتيجياً بأمن إسرائيل، فيهاجمهم علناً ويؤنبهم باللغة الإنجليزية -حتى يسمع الغرب كله- «إسرائيل دولة يوجد لها جيش وليس جيشاً توجد له دولة». وهي أهم من الإدارة الأميركية، التي وقفت إلى جانبه بوصفها شريكة في الحرب رغم الخلافات العميقة معه، وتمكّن من جرّها إلى كثير من الورطات، ولا يزال يحاول جرها إلى حرب إقليمية. لا بل إنه يحاربها في بيتها، ويقف مع انتخاب ترمب للرئاسة، نكاية بها، لأنها باتت معنية بوقف الحرب.

فهذه القاعدة هي التي توفر له إكسير الحياة. ولأجلها يكرس كل مواهبه وطاقاته ولديه كثير منها. لها يكرس البضاعة التي يسوقها. لا يهمه أحد غيرها، فإذا كان الأمر يحتاج إلى إجهاض الصفقة، يدير سياسة منهجية تجهض الصفقة، وإذا كان الأمر يحتاج إلى حرب يذهب إلى الحرب. في نظره، أميركا مجبورة على مساندة إسرائيل؛ لأنه يخدم مصلحتها، وأعداؤه هم أعداؤها. فإذا خسر في المعارك، يتهم الجيش والمخابرات والشرطة وكل العالم ما عدا الاعتراف بمسؤوليته. وإذا حقق الجيش إنجازات، يتقدم نتنياهو إلى الشاشات يتباهى. والجيش يلهث في اللحاق وراءه، ويدافع عن نفسه أمام هجماته، ويحاول أن يثبت أن اتهامات اليمين له بالجبن غير صحيحة، ويثبت ذلك في حرب عبثية يقاتل فيها الفلسطينيين من بعيد، بالغارات والقصف المدفعي وقتل المدنيين.

متظاهر بالقرب من فندق ووترغيت بواشنطن ضمن احتجاجات تستبق كلمة بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأربعاء (أ.ب)

اليسار... تهمة

إذا كانت هناك معارضة سياسية، يتهمها بأنها يسارية، وهذا يكفي لقاعدته الشعبية. وإذا وقف الإعلام ضده، فإنه يهاجم الإعلام، ويقيم مؤسسات إعلامية كبيرة لمواجهته، وهذا إضافة إلى حسابه في «تويتر» (إكس) الذي يوجد له فيه 1.4 مليون متابع، أو «فيس بوك» (2.3 مليون متابع).

فقط قبل سنة كادت الجماهير، التي نزلت إلى الشوارع بمئات الألوف مدعومة من الدولة العميقة، تُسقط نتنياهو. وراح يسعى لحرب تحرف الأنظار، إلا أن الجيش رفض شن حرب. فجاء هجوم «حماس» في 7 أكتوبر. فخرج الجيش إلى الحرب، ويمكن القول إنه «علّق نفسه بهذه الحرب»، ولا يعرف كيف يُخرج منها. ونتنياهو بالمقابل يزدهر. العرق يتصبب من كل خلايا جسده، لكنه من حيث تحقيق الأهداف يزدهر.

هذا هو نتنياهو اليوم، وهذه هي حساباته. بعيد عن المنطق؟ نعم، يجعل من إسرائيل دولة هشّة؟ نعم، ألا يوجد مَن يتصدى له في إسرائيل؟ يوجد لكن صوتهم ضعيف مخنوق، على المستوى الشعبي، وأداؤهم هزيل على مستوى المعارضة السياسية. ففي وضع طبيعي تُعدّ حالة نتنياهو فريسة سهلة لأي معارض سياسي له. بهذا الفشل وهذا الفساد وبهذه الأخطار التي يجلبها، يمكن إلحاق هزيمة شديدة به. أي قائد سياسي قوي وحكيم كان سينقض على هذه الفرصة لإسقاط حكومة نتنياهو، لكن قادة المعارضة في إسرائيل لا يتمتعون بهذه الصفات بعد. وحتى الجمهور الذي يثبت في الاستطلاعات، باستمرار أنه عاف نتنياهو ويريد تغييره، لا يرى في أي من قادة المعارضة الحالية عنواناً له. وقوة نتنياهو مستمدة تحديداً من هذا الضعف.