حاكم «مصرف لبنان»: ضميري مرتاح... والحملة عليَّ أسبابها سياسية

رياض سلامة قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك محاولات لتقديمه «كبش محرقة»... وأن لا صلاحية للقاضية غادة عون لملاحقته

حاكم «مصرف لبنان»: ضميري مرتاح... والحملة عليَّ أسبابها سياسية
TT

حاكم «مصرف لبنان»: ضميري مرتاح... والحملة عليَّ أسبابها سياسية

حاكم «مصرف لبنان»: ضميري مرتاح... والحملة عليَّ أسبابها سياسية

لا تدابير أمنية جديدة استثنائية في مصرف لبنان ومحيطه في منطقة الحمرا في العاصمة اللبنانية بيروت رغم المظاهرات والاعتصامات شبه اليومية ضد حاكم مصرف لبنان من قبل مجموعات متعددة تحمّله مسؤولية الانهيار. الهدوء يعمّ أرجاء المبنى القديم للمصرف المركزي في ساعات ما بعد الظهر، وكأن كل الصخب في الخارج يتلاشى عند باحاته الخارجية. في الطابق السادس وفي مكتب حافظَ صاحبُه على طابعه اللبناني البحت، يقضي حاكم المصرف رياض سلامة، المستمر في موقعه منذ عام 1993 غالبية وقته بين أوراقه وفي اجتماعات متواصلة وعينه على إحدى الشاشات العالمية التي تتابع لحظة بلحظة الأوضاع المالية وأسعار الصرف.
يقول رياض سلامة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه لا أحد يحسده على موقعه، ويؤكد أن ضميره مرتاح رغم الحملات التي يتعرض لها ومحاولات تحويله إلى «كبش محرقة». ويتحدث عن «أسباب سياسية وعقائدية وعن مصالح معينة تقف وراء حملة اختصرت الأزمة اللبنانية بشخصي».
منذ بدء مسار انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية الذي يربطه سلامة مباشرةً بقرار الحكومة اللبنانية السابقة التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار، وهو ينكبّ على إصدار تعاميم بهدف ما يقول إنه سعيٌ لـ«التخفيف من حدة وآلام الأزمة ومنع الانهيار الكبير». آخر هذه التعاميم حمل رقم 161 وسمح للمودِعين الذين يملكون حسابات بالليرة اللبنانية، بسحب ودائعهم ورواتبهم بالدولار الأميركي وفق سعر منصة مصرف لبنان «صيرفة». وقد ترافق ذلك مع انخفاض كبير في سعر الصرف، فبعدما كان قد تخطى عتبة الـ33 ألفاً وصل إلى حدود الـ19 ألفاً للدولار الواحد. يوضح سلامة أن الهدف من كل التدابير ضبط السوق الموازية، متحدثاً عن «مرحلتين استبقتا تدخل (المركزي) الذي أدى لانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة 35%، الأولى تخللتها عملية وقف إخراج ليرات لبنانية من مصرف لبنان، والأخرى إيجاد موارد بالدولار نقداً لوضعها على منصة (صيرفة) وبيعها»، موضحاً أن «المبالغ اللازمة تأمّنت من خلال بيع دولارات نقداً لمصرف لبنان على فترة ممّن يشحنون العملة لأنهم بحاجة لعملة لبنانية نقداً وذلك بعدما كنا قد جفّفنا مدّ السوق بالليرة اللبنانية ما أدى لازدياد الطلب». وأضاف: «نحن اليوم نتدخل بهذه الدولارات عبر (صيرفة) ولم يتم المس باحتياطي مصرف لبنان لإتمام هذه العملية حتى الساعة».
ويستغرب سلامة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» ترافق انخفاض سعر الصرف مع انتقادات من البعض طالته «علماً بأنه من المفترض أن يحسّن الواقع الجديد من القدرة الشرائية للبنانيين... لكن هنا يأتي دور التجاذبات السياسية والمصالح التجارية في السوق الموازية خصوصاً أن ما أزعج البعض هو أنه لم يعد هناك تقريباً سوق موازية وأصبحت منصة (صيرفة) هي الأساس والكل يعتمد على سعر الصرف الذي تحدده، وهو أمر لمصلحة البلد».
وعمّا إذا كان سيتمكن من خلال الآلية الجديدة التي يعتمدها من الحفاظ على سعر الصرف بمستوى 20 ألف ليرة، يقول سلامة: «سنترك السوق تتصرف. لن نتدخل لتثبيت السعر وسنترك السوق تأخذ مداها، ولكننا موجودون لمنع أي تقلبات حادة كما كان يحصل سابقاً. (صيرفة) أصبحت لديها القدرة النقدية بالدولار للتدخل، ومن ناحية أخرى هناك عملية تجفيف لليرات اللبنانية». ويضيف: «أصلاً سعر العملة لا يرتكز على تقنيات (المركزي) وحدها كما يروّج البعض، فهناك الجو السياسي، وعجز الموازنة، والنشاط الاقتصادي، وكيفية الخروج من عملية التوقف عن الدفع... كلها عوامل مؤثرة على سعر الصرف في بلد (مدولر) كلبنان».
- التفاوض مع «صندوق النقد»
ويشير سلامة إلى أنه فيما يتعلق بسعي الحكومة لتحديد سعر الدولار الجمركي، «فهي تسير بخطوات تدريجية لحماية مصالح اللبنانيين، بانتظار نتائج التفاوض مع صندوق النقد. فإذا توافقنا على برنامج معه ستكون لديه شروطه، والأرجح أن السياسة الجديدة التي سيطالب بها الصندوق تعتمد على سعر حر غير متفلت، حيث يكون التدخل لحماية الاستقرار مع ترك قوى السوق تؤثر على سعر الصرف».
ويصف حاكم «المركزي» الاجتماعات شبه اليومية التي تحصل «افتراضياً» عبر الهاتف وتطبيق «زوم» مع صندوق النقد، بـ«الجدية»، لافتاً إلى أنه (أي الصندوق) لا يزال يكوّن المعلومات والمعطيات، موضحاً أن هناك «لجنة حكومية لبنانية تشكّلت وبدأت عملها لتحضير مشروع لبنان». وإذ يرفض تحديد تواريخ للتوصل لتفاهم مع «الصندوق»، ينفي أن يكون هناك أي رابط بين توقيع التفاهم وتطبيقه وبين موعد الانتخابات النيابية ونتائجها، معتبراً أن ما يعني صندوق النقد هو وجود حكومة فاعلة قادرة على التفاوض معه.
ويشرح سلامة أن حصة لبنان في صندوق النقد بأعلى مستوى هي 4 مليارات دولار، «لكن بعد إقرار البرنامج والتزامنا به، ستكون هناك دول ستنضمّ لهذا البرنامج عبر صندوق النقد وقد نصل حينها لتأمين ما بين 12 و15 مليار دولار وهذا المبلغ كفيل بتعافي لبنان». وعن المدة التي سيحتاج إليها البلد للخروج من الأزمة، يقول سلامة: «عندما نبدأ بتطبيق الإصلاحات، الخروج من الأزمة يكون سريعاً. الثقة هي العنصر الأهم الذي يعيد الأموال ويؤدي للنهوض بالاقتصاد».
وينفي سلامة ما يتم تداوله عن أن التخفيض الحاصل بسعر الصرف مرتبط بقرار سياسي لتمرير مرحلة ما قبل الانتخابات والإيحاء بأن قوى السلطة الحالية ممسكة بزمام الأمور، معتبراً أن «اهتمام الحكومة حالياً إنما هو بمكافحة التضخم ما يؤدي لإفقار الناس، ولا تفكير بانتخابات ومكاسب سياسية، والانكباب حالياً على إصدار موازنة تعطي ثقة، والأهم على المفاوضات مع صندوق النقد».
ويشدد سلامة على أن سياسة «المركزي» الحالية تقضي بالحفاظ على مستوى التوظيفات الإلزامية، «وهو موضوع نراجعه بشكل يومي وننسّق فيه مع الحكومة»، موضحاً أن «ميزانية مصرف لبنان لا تتأثر حصراً بعمليات (صيرفة)، إذ إن هناك تقلبات بسعر اليورو، إضافةً لبيع دولارات على سعر الصرف الرسمي الـ1500 ليرة للدولار في إطار سياسة دعم بعض المواد كقسم من الأدوية والقمح». ويضيف: «منذ يوليو (تموز) 2020 كنا واضحين أننا لا نستطيع أن نستمر بدعم كل المواد التي كنا ندعمها، والطلب من مصرف لبنان من قِبل الدولة للتدخل انخفض بحدود ما بين 60 و65% خصوصاً أنه مع التوقف عن الدفع في عام 2020 لم يعد هناك مصدر دولار للدولة إلا من خلال (المركزي)».
ويستغرب سلامة اتهامه بمنع الأموال عن البعثات الدبلوماسية، مشدداً على أنها «مسؤولية حكومية وليست مسؤولية مصرف لبنان»، قائلاً: «يطلبون مني القيام بتحويلات وبنفس الوقت هناك رفض للمس بالاحتياطي الإلزامي... فليؤمّنوا دولارات ليدفعوا مصاريفهم بالدولار... يجب أن نتشدد لنستمر».
ويستهجن سلامة ما يروّج له البعض لجهة أن المصرف المركزي بدّد أموال المودعين، قائلاً: «نحن لا نمتلك أموال المودعين لنبدّدها، هناك أموال أودعتها المصارف، وهي أموال أعدناها ونعيدها لها. الخسارة الكبيرة في القطاع المصرفي هي نتيجة التوقف عن الدفع... كانت لديهم محفظة كبيرة بسندات الخزينة (اليوروبوند) بالدولار خسروها، هذه كانت أموال المودعين التي وظّفوها مباشرةً مع الدولة. أما معظم الأموال التي أدانها مصرف لبنان للدولة فهي بالليرة اللبنانية، الدين بالدولار محصور بـ5 مليارات يوروبوند التي أعلنوا التوقف عن دفعها، وهناك حساب مكشوف بـ15 مليار دولار». ويضيف: «بين عام 2017 وعام 2020 أعاد (المركزي) للمصارف الدولارات التي كانت لها إضافة إلى 14 ملياراً كانت مجمعة كاحتياطيات سابقة. حتى عام 2015 كان المصرف المركزي يشتري دولارات، الفترة التي تدخلنا فيها للمحافظة على سعر الصرف كانت خلال المرحلة الممتدة من 2016 حتى 2019. وكان هناك أمل بالحصول على أموال مؤتمر (سيدر) عام 2018، كما كانت هناك مطالبة حكومية رسمية ومن كل المرجعيات السياسية بالمحافظة على سعر الصرف، وحتى الاجتماع الأخير الذي حصل في سبتمبر (أيلول) 2019 قبل الأزمة في القصر الجمهوري، أكد البند الأول من البيان الذي صدر عنه وجوب الحفاظ على سعر الصرف. فبنهاية المطاف (المركزي) لا يتصرف من تلقاء نفسه. أضف أن القانون يُجبر مصرف لبنان على تمويل الدولة إذا لم تكن لديها طريقة أخرى لتتمول، حتى إنهم في موازنات 2018 حتى 2020 أجبروا (المركزي) على إدانة الدولة بـ1% أو بعدم تقاضي فوائد من الحكومة».
وعن إمكانية استخدام احتياطي الذهب للخروج من الأزمة، يوضح سلامة أن «هناك قانوناً يمنع التصرف باحتياطي الذهب بيعاً أو رهناً، ونحن ملتزمون بهذا القانون»، مشدداً على أنه «إذا لم يكن هناك مشروع إصلاحي جدّي لا يجب المسّ بالذهب مهما كان الثمن لأنه يعطي ثقة بالعملة».
- لا أحد يحسدني على ما أنا فيه
وعمّا إذا كان يتمنى لو لم يكن حاكماً لمصرف لبنان في هذه المرحلة، يجيب: «في هذه الظروف لا أحد يحسدني على ما أنا فيه وعلى موقعي. لكنني موجود وضميري مرتاح». ويتحدث عن «أسباب سياسية وعقائدية وعن مصالح معينة تقف وراء حملة اختصرت الأزمة اللبنانية بشخصي. استُثنيت كل مكامن الضعف التي أدت للأزمة، وتم حصر الأزمة بحاكم (المركزي) وهو أمر غير منطقي، هدفه شيطنتي وتحويلي كبش محرقة». ويضيف: «خلال العامين الماضيين كان مصرف لبنان المؤسسة الوحيدة التي تموّل القطاعين العام والخاص... وقد تصدينا لكل المخاوف، خصوصاً تلك التي كانت تتحدث عن مجاعة مقبلة. خففنا حدة الأزمة من خلال الدولارات التي كنا قد جمعناها استباقياً خصوصاً أنه لم تأتنا أي مساعدة من الخارج وبالعكس كان يتم تحطيم صورة لبنان بهدف الدفع باتجاه الانهيار الكبير. وقد يكون جزءاً من النقمة علينا أننا لم نسمح بحصول هذا الانهيار. اليوم هناك حكومة ونيات جدية لإعادة النهوض بالبلد، وهم لا ينطلقون من نظام محطم إنما من نظام موجود يمكن إصلاحه».
ولا يتردد «الحاكم» بالرد على كل الأسئلة المرتبطة بالإجراءات القضائية المتخَذة ضده، معتبراً أن «كل القرارات الصادرة عن القاضية غادة عون شعبوية، باعتبار أن محكمة التمييز كانت واضحة لجهة أنْ لا صلاحية لها. أضف أنني تقدمت بطلب رد القاضية عون لأن هناك إثباتات تؤكد أنها تكنّ عداوة شخصية لي سواء من خلال تغريدات لها على موقع (تويتر) أو من خلال تقارير رفعتها للخارج ضدي، وبالتالي كيف يمكن أن يكون القاضي حكماً وخصماً بنفس الوقت؟!» ويضيف: «أنا مستعد للإجابة عن كل أسئلة واستفسارات القضاء شرط ألا يكون القاضي على عداوة شخصية معي لا أعرف سببها. كما أن ادعاءات الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال والاختلاسات هناك تحقيق حصل في شأنها في محاكم بيروت، فلماذا التحقيق بها من جديد؟! ما بات واضحاً أن هناك مطاردة لي غير مبررة... أنا أنفّذ القانون والكل يجب أن يلتزم بالقوانين».
وعمّا إذا كان ممنوعاً من السفر ومحجوزاً على أملاكه، يقول: «لم أحاول أن أسافر. ليس لديّ سفر حالياً. كذلك بما يتعلق بقرار الحجز على بعض الأملاك، ففي عام 2020 هناك قاضٍ قام بالمثل وعاد القضاء وأعطاني حقي وكسر القرار». ويضيف: «أما ما يحصل على صعيد القضاء في دول الخارج، فقد تم تقديم إخبارات رافقتها ضجة إعلامية ما استدعى فتح تحقيقات، لكن ليس هناك أي دعاوى عليّ في الخارج، ونحن نتجاوب مع كل ما يُطلب منّا».
وفي ملف التدقيق الجنائي، يؤكد سلامة أن «قرارات المجلس المركزي واضحة، والمعلومات التي زوّدْنا بها شركة التدقيق كاملة»، مستهجناً الحديث عن أنه يتلطى برفض موظفي «المركزي» رفع السرّية عن حساباتهم: «أنا لست أصلاً في نقابة موظفي مصرف لبنان كي أتلطى بهم. وهل يبدو منطقياً أن كل التدقيق الجنائي متوقف عند حسابات الموظفين؟! نحن ندعو لإجراء التدقيق وهناك تدقيقات أخرى من صندوق النقد حصلت وأُنجزت. أضف أنني منذ عام 1993 أقوم بالتدقيق بحسابات (المركزي) علماً بأن القوانين لا تُلزمني بذلك. حتى إنني دققت بحساباتي الشخصية رداً على كل ما أثاروه عن شركة لشقيقي ارتباطات فيها وتبيّن أنْ لا أموال لمصرف لبنان لا في حساباتي الخاصة ولا في هذه الشركة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.