الحكومة اللبنانية لاعتماد سعر جديد للدولار الجمركي

اتجاه لرفعه نحو 14 ضعفاً لزيادة مواردها في ظل الانهيار المالي

الحكومة اللبنانية مجتمعة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أمس (الوطنية)
الحكومة اللبنانية مجتمعة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أمس (الوطنية)
TT

الحكومة اللبنانية لاعتماد سعر جديد للدولار الجمركي

الحكومة اللبنانية مجتمعة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أمس (الوطنية)
الحكومة اللبنانية مجتمعة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أمس (الوطنية)

تتجه الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ قرار بتطبيق سعر صرف منصة «صيرفة» التابعة للبنك المركزي على المعاملات الجمركية للواردات في ميزانية 2022، وذلك في دراستها بنود مشروع موازنة المالية العامة التي ستقرها الحكومة يوم الخميس المقبل، تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب لدراستها وإقرارها.
وشدد الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس، على «ضرورة مساعدة الموظفين والقوى العسكرية والأمنية والأسلاك الوظيفية، بهدف زيادة إنتاجية موظفي الدولة، خصوصاً في هذه الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد»، كما شدد على «ضرورة استثناء الموارد المستوردة، مثل المواد الغذائية الأساسية والأدوية والمستلزمات الصحية، من أي ضرائب أو رسوم، إضافة إلى ضرورة وضع خطة الكهرباء موضع التنفيذ».
وقالت الرئاسة اللبنانية إن الرئيس عون توافق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على عقد جلسة لمجلس الوزراء يوم الخميس المقبل في «قصر بعبدا»، لدرس مسودة الموازنة بصيغتها النهائية والبت في البنود العالقة، على أن يقوم فريق عمل وزارة المالية بوضع اللمسات الأخيرة على المشروع بالاستناد إلى مداولات جلسات مجلس الوزراء التي عقدت في السرايا.
ومثل ملف «الدولار الجمركي» إرباكاً للبنانيين خلال الأيام الماضية، وسط تقديرات حول اعتماد سعر صرف 8 آلاف أو 10 آلاف ليرة للدولار أو اعتماد سعر منصة «صيرفة» في تحصيل العائدات الجمركية، علما بأن سعر الصرف على المنصة بلغ أمس 21100 ليرة للدولار الواحد، بينما جرى تحصيل الرسوم الجمركية خلال العامين الماضيين على سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، رغم ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
ويجتمع مجلس الوزراء منذ الشهر الماضي لمناقشة مشروع الموازنة. وقال وزير التربية والإعلام بالوكالة، عباس الحلبي، عقب اجتماع أمس الذي ناقش خلاله المجلس مسودة ميزانية 2022، إن فريقاً من وزارة المالية وإدارة الجمارك شارك في الاجتماعات أمس، وأشار إلى أن مجلس الوزراء باشر البحث في موضوع استيفاء حقوق الدولة من الاستيراد، واستمع إلى عرض قدمه فريقا المالية والجمارك اللذان وضعا في تصرف المجلس جداول تتصل بتغيير الرسوم وفقاً لمعدل الصرف، ودراسة على أساس أرقام استيرادات عام 2020 عن فرق الحاصلات الجمركية في حال تغيير سعر الصرف مع تعديل رسوم النوعية بالنسبة ذاتها.
وقال الحلبي: «أكد المجلس إعفاء كل المستوردات الغذائية والطبية والأدوية من أي رسوم وأعباء مهما كان نوعها، كما أقر اعتماد سعر صيرفة للدولار المستوفى على البضائع المستوردة؛ على أن تسري هذه الأحكام عند إقرار الموازنة».
وستؤجَّل سلفة لـ«شركة كهرباء لبنان» المملوكة للدولة إلى أن يوافق مجلس الوزراء على خطة لإصلاح قطاع الطاقة، علماً بأن مشروع الموازنة يتضمن سلفة بحد أقصى 5.25 تريليون ليرة (نحو 250 مليون دولار) لـ«كهرباء لبنان». وقال الحلبي: «تقرر إرجاء الموافقة على هذه السلفة لما بعد إقرار مجلس الوزراء خطة إصلاح القطاع التي أعدها وزير الطاقة وسيعرضها على المجلس في جلسة خاصة قريباً».
ويعد ملف الكهرباء أبرز الملفات التي تشكل تحدياً للحكومة على ضوء العجز الذي تعانيه الشركة، وانقطاع الكهرباء بسبب النقص في «الفيول» اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية.
وقال وزير الطاقة وليد فياض: «منذ أن بدأنا العمل في قطاع الكهرباء، بلورنا خطة بدأت قصيرة الأمد، ثم استكملت إلى خطة طويلة الأمد، ونحن بصدد وضع اللمسات الأخيرة عليها، وقد عرضنا خطوطها العامة خلال جلسة مجلس الوزراء، وقد لاقت صدىً إيجابياً، والهدف من هذه الخطة هو النهوض بالقطاع من أجل تأمين الاستدامة البيئية والاقتصادية والمالية والاجتماعية لقطاع حيوي بطريقة تختلف عن العمل السابق والسياسات التي كانت معتمدة من دعم عشوائي وغيره».
في موضوع الاستشفاء والوضع الصحي ودعم صناديق التعاضد وبعض الجهات الضامنة، قرر مجلس الوزراء عقد اجتماع في وزارة المالية اليوم الجمعة بحضور وزراء الصحة والداخلية والدفاع ورئيس الجامعة اللبنانية فيما خص صندوق تعاضد الجامعة لتحديد مساهمات الموازنة في هذه الصناديق.
ثم بوشرت دراسة المادة «135» المتصلة بالمنحة الاجتماعية المنوي منحها للعاملين والمتقاعدين في القطاع العام والملحوظة في مشروع الموازنة، فتقرر إعطاء العاملين في القطاع العام والمتقاعدين مساهمة اجتماعية تحددت براتب شهر؛ على ألا تقل عن مليوني ليرة لبنانية ولا تزيد على 6 ملايين للعاملين، وللمتقاعدين على ألا تقل عن مليون ليرة شهرياً.
من جهته؛ قدم وزير الدفاع العميد موريس سليم توضيحاً يتعلق بالمادة «135» وما يطال منها كل الأسلاك العسكرية، فقال: «بعد نقاش مستفيض من كل الجوانب، قرر مجلس الوزراء إعطاء العسكريين في الخدمة الفعلية منحة كل شهر على ألا تقل هذه المساهمة الاجتماعية عن مليوني ليرة لكل فرد، أما بالنسبة إلى المتقاعدين؛ فيتم إعطاؤهم راتباً أساسياً في الشهر على ألا يقل عن مليون ليرة، كي تكون هناك عدالة في كل القطاعات وعلى المستويات كافة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.