يبدو الرئيس الفرنسي جاهزاً لطرق الأبواب كافة، والقيام بكل الاتصالات الضرورية من أجل نزع فتيل التصعيد على الحدود الروسية - الأوكرانية متسلحاً بأمرين؛ الأول، الدور الذي تلعبه فرنسا منذ العام 2014 «مع ألمانيا» في إطار اللجنة الرباعية المسماة «صيغة نورماندي» لتسوية النزاع بين كييف والانفصاليين شرق البلاد، والثاني رئاسته للاتحاد الأوروبي لـ6 أشهر، ما يمكنه أن يتحدث، إلى حد ما، باسم الأوروبيين، رغم وجود بعض الانقسامات داخل صفوفهم. وواضح أيضاً أن إيمانويل ماكرون يريد أن يستعيد الدور الذي لعبه سلفه في الرئاسة نيكولا ساركوزي في الحرب التي اندلعت بين روسيا وجورجيا في العام 2008. ومنذ أن تفاقمت الأزمة، لم يوفر ماكرون أي جهد دبلوماسي. وخلال أقل من 24 ساعة، كان على تواصل مع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا وبولندا وروسيا ورئيس المجلس الأوروبي، إضافة إلى التهيؤ لقمة ثلاثية فرنسية - ألمانية - بولندية، تعمل برلين على تحضيرها. وتعمل باريس وبرلين يداً بيد في الملف الأوكراني. وسبق لـماكرون، الأسبوع الماضي، أن لمح إلى إمكانية القيام بزيارة مشتركة مع المستشار الألماني أولاف شولتز إلى موسكو. وقال مساء الأربعاء، من مدينة توركوان (شمال فرنسا)، على هامش اجتماع لوزراء الداخلية الأوروبيين: «أنا لا أستبعد شيئاً، لا إطلاق مبادرة، ولا القيام بزيارة، لأنني أعتبر أن دور فرنسا، وخصوصاً إبان رئاستها (للاتحاد الأوروبي) أن تسعى إلى التوصل إلى حل مشترك». في إشارة منه إلى زيارة محتملة إلى موسكو وربما أخرى إلى كييف. وربط الرئيس الفرنسي ذلك بما ستسفر عنه اتصالاته أمس وأهمها مع بوتين الذي سبق أن اتصل به هاتفياً مرتين في الأيام القليلة الماضية. وحدد ماكرون الهدف الذي يسعى إليه من بادرة كهذه التي ستكون، في حال حصولها، الأولى لرئيس دولة غربية، بقوله: «الأولوية بالنسبة لي بخصوص القضية الأوكرانية والحوار مع روسيا تكمن في احتواء التصعيد وإيجاد السبل السياسية للخروج من الأزمة، وهذا يستدعي القدرة على المضي قدماً على أساس اتفاقات مينسك» المبرمة عامي 2014 و2015 من أجل وضع حد للاشتباكات بين الانفصاليين والحكومة المركزية في كييف. ويربط ماكرون بين تحركاته الراهنة وبين اعتباره أنه «لن يكون هناك نظام أمن واستقرار في أوروبا إذا لم يكن الأوروبيون قادرين على الدفاع عن أنفسهم وبناء حل مشترك مع جميع جيرانهم وبينهم الروس».
ليس سراً أن ماكرون يريد الاستفادة من العلاقة التي نسجها مع الرئيس بوتين منذ وصوله إلى قصر الإليزيه ربيع العام 2017 حيث دعاه مرتين لزيارة فرنسا؛ الأولى في العام المذكور، إلى قصر فرساي الشهير، الواقع غرب باريس، والثانية صيف العام 2019 إلى المنتجع الرئاسي الصيفي في حصن بريغونسون، المطل على المتوسط قبيل قمة مجموعة السبع التي كانت ترأسها فرنسا ذلك العام. كذلك سعى ماكرون مع المستشارة الألمانية السابقة إلى إقناع الأوروبيين، الربيع الماضي، بعقد قمة أوروبية - روسية، إلا أنهما لقيا معارضة قوية من دول أوروبا الشرقية، ما أجهض مبادرتهما. وبحسب مصادر رسمية في باريس، فإن ماكرون يسعى إلى تثبيت أمرين؛ الأول، التأكيد على تضامن فرنسا مع أوكرانيا وعلى وحدة الموقف الأوروبي والأطلسي وردة الفعل الجماعية على روسيا في حال غزت أوكرانيا. والثاني، التشديد على أهمية الحوار واعتبار أن الحل يجب أن يكون سياسياً وعبر العمل الدبلوماسي. والمدخل المثالي لذلك يكمن، وفق الرؤية الفرنسية، في تفعيل «صيغة نورماندي» التي عقدت اجتماعاً في باريس قبل أسبوع على مستوى المستشارين الدبلوماسيين لقادة الدول الأربع حيث تم الاتفاق على تعزيز وقف إطلاق النار على خط المواجهة في منطقة الدونباس بين الانفصاليين والقوات الحكومية والعمل على فتح عدد من الطرقات ونزع العوائق وتبادل الأسرى... وتم الاتفاق، على اجتماع ثانٍ في ألمانيا في الأيام القليلة المقبلة. وهدف برلين وباريس النجاح في عقد قمة رباعية في إطار الصيغة نفسها، لكن تحقيقه يفترض سلفاً أن يكون التوتر قد تراجع. والمعضلة الكبرى تكمن في التشابك بين الملف الأوكراني «الداخلي» من جهة، وبين ملف العلاقات الروسية - الأميركية - الأطلسية من جهة ثانية، وأحد محاورها وضعية كييف ورغبة موسكو في إبقائها بعيدة عن الحلف الأطلسي.
ولا يخفي الرئيس الفرنسي «قلقه الشديد» من الوضع الميداني، ما يبرر ويستدعي استكشاف السبل كافة التي يمكن أن تفضي إلى نزع فتيل التصعيد. ونقل عن أوساط الإليزيه قولها إن ماكرون «مقتنع بالحاجة إلى حوار مباشر» مع بوتين، لأن هذا النوع من التواصل «يتيح إحراز تقدم» فيما التواصل المباشر بين الرئيسين الروسي والأوكراني غير متوافر. وفي حال قرر ماكرون عقب الاتصالات التي أجراها أمس الذهاب إلى موسكو، فإن هذه الزيارة لا يمكن أن تتم اليوم بسبب وجود بوتين في بكين لحضور افتتاح الألعاب الأولمبية. ويبدو ماكرون مُصراً على لعب دور «الوسيط» رغم تمسكه بالتضامن الأوروبي والأطلسي في كيفية التعامل مع موسكو. إلا أن المؤكد أن ماكرون يريد الذهاب إلى موسكو مسلحاً بتفاهمات مع بايدن، وشولتز، وشارل ميشال، وزيلينسكي، والقادة الآخرين، حتى لا تتهم باريس بـ«التفرد» في مبادراتها إزاء روسيا، الأمر الذي يفسر اتصاله بالرئيس بايدن ليل الأربعاء. وقال الإليزيه، أمس، إن ماكرون وبايدن «اتفقا على استمرار التنسيق والتشاور على أعلى مستوى بين الشركاء الأوروبيين وداخل الحلفاء (الأطلسيين)، فيما ركز البيت الأبيض على أنهما راجعا «التنسيق الجاري دبلوماسياً والتحضيرات القائمة لفرض إجراءات اقتصادية سريعة وقاسية على روسيا في حال غزت أوكرانيا».
تقول أوساط الإليزيه، وفق ما نقلت عنها صحيفة «لو موند» المستقلة، أمس، إن الفرق بين باريس والآخرين أن الجانب الفرنسي يتبنى مبدأ «الحوار» فيما الآخرون يتبنون مبدأ «الردع». وتضيف هذه الأوساط أن الرئيس ماكرون يرى أن بوتين «ليس كتاباً مفتوحاً، ولكن الالتقاء به يتيح، بلا شك، تحديد مواضع التوتر ونقاط الاشتباك». ولخص الوزير غبريال أتال، الناطق باسم الحكومة، الوضع بقوله: «ما زال بوسعنا أن نتحاشى نزاعاً مسلحاً على أبوابنا».
واتهم الكرملين الولايات المتحدة بتصعيد التوترات بشأن أوكرانيا، بعد إعلان البنتاغون إعادة نشر نحو 2000 جندي أميركي في أوروبا. ونقلت وكالة أنباء إنترفاكس الروسية، عن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، القول، أمس (الخميس): «ندعو شركاءنا الأميركيين إلى التوقف عن القيام بمزيد من تصعيد التوترات في القارة الأوروبية». ولفت إلى أن جوهر المشكلة هو نشر جنود أميركيين في دول قريبة من روسيا، محذراً من أن موسكو ستتخذ تدابير «لضمان أمنها ومصالحها»، دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية نشر منظومات الدفاع الجوي «إس 400» في بيلاروس، في إطار اختبار قوات ردّ الفعل التابعة لدولة حليفة. وقال بيان للوزارة إن «أنظمة (إس 400) وصلت إلى بيلاروس... وفور وصول الأطقم الروسية لتشغيل الأنظمة، ستتولى مهام الدفاع الجوي القتالية كجزء من نظام الدفاع الجوي الإقليمي الموحد لبيلاروس وروسيا». وسيتم الاختبار على مرحلتين؛ تستمر المرحلة الأولى حتى 9 فبراير (شباط)، وتشهد إعادة انتشار وإنشاء مجموعات من القوات على أراضي بيلاروس، وخلال المرحلة الثانية من الاختبار، والتي تستمر من 10 إلى 20 فبراير، ستجرى مناورات مشتركة بعنوان «قرار الحلفاء 2022»، يتم من خلالها محاكاة قمع وصد العدوان الخارجي، وكذلك مكافحة الإرهاب.
ماكرون يبحث عن مخارج للأزمة الأوكرانية
تواصل مع بايدن وبوتين وزيلنسكي... ولا يستبعد زيارة موسكو
ماكرون يبحث عن مخارج للأزمة الأوكرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة