الإمارات تعود لبينالي البندقية بعرض تاريخها الفني على مدى 40 عاما

تعود دولة الإمارات العربية إلى بينالي البندقية بمعرض شامل يقدم نظرة على الفن الإماراتي عبر السنوات، ويشمل أكثر من مائة عمل لفنانين إماراتيين معروفين وآخرين اختفوا عن الساحة. الشيخة حور القاسمي رئيسة ومديرة مؤسسة الشارقة للفنون، والقيمة على جناح الإمارات هذه الدورة شخصية طموحة وتحمل في داخلها حبا كبيرا لكل أشكال الفن في بلادها ولديها مخزون ذهني من الأعمال المختلفة التي أبدعها فنانو الإمارات.
الحديث مع الشيخة حور القاسمي ممتع وثري ويتفرع بنا لتصورها كقيّمة للجناح ومراحل الإعداد التي استغرقت عامين غاصت خلالهما في صفحات الأرشيف الصحافي والفني للعثور على الأعمال الفنية. بحماسة وثبات تشرح تصورها للجناح وتشير إلى أنها اختارت بدلا من عرض عمل لفنان واحد، أن تقدم تصورا أوسع للفن في الإمارات. تقول: «المعرض يضم خليطا من الأعمال القديمة والحديثة تمنحنا فيما بينها نظرة على الحركة الفنية في الإمارات». وتشير إلى عنوان الجناح «حول المعارض في الإمارات» الذي استمدته من عنوان مقال قديم في إحدى الجرائد المحلية. وحسب ما تشرح لنا فسوف تكون طريقة العرض في الجناح قريبة من روح المعارض التي كانت تقام في الإمارات منذ أربعين أو ثلاثين عاما، فهي تزدحم بالأعمال التي توضع متجاورة وتشير إلى أن ذلك الإحساس ساورها عندما رأت التجهيزات للجناح في البندقية ورأت فيه ما يشبه «العقل المشحون بالأفكار». وقد قامت بتنظيم المعرض وفق التجربة الجمالية والتشجيع على خلق روابط بين الأعمال. كما تم تنظيم بعض الأعمال على أساس الأفكار المشتركة، وبعض الأعمال على أساس الفنان الذي أبدعها، بهدف إبراز عناصر التفرد الذاتي، فيما تتم المزاوجة بين البعض الآخر بهدف خلق تكامل وحوار بين الأعمال. وينأى المعرض عن التوزيع الكرونولوجي (التاريخي) للأعمال لكي يعطي المشاهد إحساسا بالتجول وسط مجموعة ضخمة من الأعمال في حوار مع بعضها الآخر.
أسألها عن المعايير التي اعتمدتها لاختيار الأعمال المشاركة؟ تجيب بجملة بسيطة: «يجب أن يكون العمل متفردا»، وهو وصف يجمع بداخله عناصر مختلفة من الإبداع. الفكرة وراء ضم أعمال تمثل تطور الحركة الفنية في البلاد قد تمثل صعوبة في إيجاد بعض الأعمال القديمة التي قد تكون فقدت أو دخلت ضمن مجموعات خاصة، أسألها عن ذلك وتجيب: «وجدنا الكثير من الأعمال في مجموعات خاصة، وأعمال أخرى أعطاها لنا الفنانون أنفسهم». تشرح: «كنت أبحث عن الأعمال التي أريدها عبر الصحف القديمة والمطبوعات وكنت كثيرا ما أجد عملا متميزا فأتصل بالفنان الذي صنعه لأسأله عن مكان العمل، في أحيان كثيرا كنا نتوصل للعمل المطلوب وفي بعض الأحيان لم نوفق».
الأعمال المشاركة في المعرض عددها مائة، ألا يبدو الرقم كبيرا؟ تقول بابتسامة: «على العكس كنت أريد أن أضم أعمالا أكثر ولكني توقفت، هناك الكثير من الأعمال التي كنت أحب إضافتها».
عملية البحث وجمع الأعمال المعروضة خلفت قصصا كثيرة، حول لوحات مفقودة، حول فنانين التقوا بعد سنين طويلة وذلك عبر المعرض. تقول إنها كانت تسمع من بعض الفنانين أن الأعمال التي تطلبها منهم «لم تعد قريبة لقلبهم، أو أنها لم تعد تمثل الأسلوب الذي ينفذون به أعمالهم، ولكن التنوع في المعرض جعل وجود تلك الأعمال مهما». فنجاة مكي وعبد الرحيم سالم، مثلاً، ظلا يعملان على الورق أو القماش منذ التسعينات، إلا أن أعمالهما المبكرة تضمنت النحت والنقش. ومحمد يوسف ظل في السنوات الأخيرة يعمل على القطع التي يعثر عليها من البيئة المحيطة، في حين كانت أعماله الباكرة تنحو أكثر نحو الأسلوب التقليدي، وتتضمن منحوتات على الخشب. ويمكن أن يقال نفس الشيء على الرسوم التصويرية لعبد القادر الريس، والتي يعود تاريخ بعضها إلى عام 1968 مع أنه أصبح اليوم معروفًا أكثر برسوماته للمشاهد الطبيعية وتجريدياته. وثمة مزاوجة أخرى بين أعمال لحسن شريف تجمع بين الزنك وزيت بذر الكتان المغلي على القماش وبين «Notebooks»، وهي سلسلة ظل يعمل عليها منذ أوائل الثمانينات.
بالنسبة للفنانين المشاركين فيعكسون فيما بينهم سنين من الخبرة وأميالا من النظرية والأسلوب الفني. تقول: «كل منهم له أسلوب خاص به، وحتى عندما عملوا سويا كان العمل يحمل البصمات الخاصة لكل منهم». ما التأثيرات التي تظهر على أعمالهم، تأثيرات غربية أم محلية؟ تقول: «هناك تأثيرات مختلفة بالطبع ونستطيع في بعض الأحيان رؤية الصلة بين بعض منهم على سبيل المثال تأثر الفنان محمد كاظم بالفنان حسن شريف».
ويقدم الجناح أعمالا لخمسة عشر فنانًا إماراتيًا هم: أحمد الأنصاري، وأحمد شريف، وموسى الحليان، وعبد القادر الريس، وعبد الله السعدي، ومحمد القصاب، ومحمد عبد الله بولحية، وسالم جوهر، وعبد الرحمن زينل، وعبد الرحيم سالم، وعبيد سرور، وحسن شريف، ومحمد كاظم، والدكتورة نجاة مكي، والدكتور محمد يوسف.
وتشير الشيخة حور القاسمي إلى تعليقات البعض بأن المعرض يجب أن يضم عملا جديدا يعد خصيصا للبينالي وهو ما تختلف معه: «المعارض الأرشيفية ليست جديدة ومؤسسات ومتاحف عالمية كثيرة تعمل بنفس الفكرة. الفنانون في القرن الفائت كانوا يتجهون لنسيان الماضي والابتكار ولكن جيلنا عنده تعلق بالماضي وينظر له دائما». فكرة الأرشفة تثير تساؤلا عن النية لإعداد مطبوعة جامعة لكل هذه الأعمال؟ تقول إن النية متجهة بعد انتهاء البينالي إلى نقل المعرض إلى الشارقة ثم أبوظبي فهو حسب تعبيرها «مهم لنا أكثر من أهميته للبينالي».
بالنسبة للكتاب الذي سيصدر بالتزامن مع المعرض فهو سيكون بمثابة دعوة للزوار للربط بين المعروضات والمحفوظات التاريخية، والذاكرة الجمعية التي تمثلها. وينشأ عن ذلك حوار على المستويين الفردي والجماعي، وهو يمثل بداية مشروع بحثي أكثر تفصيلاً وعمقًا.
وقد اعتمدت الشيخة حور القاسمي في بحثها اعتمادًا كبيرًا على المحفوظات الأرشيفية لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية والتي تضم مخزونًا هائلاً من الكتب باللغتين الإنجليزية والعربية في الفنون البصرية والمسرح والأدب، فضلاً عن الكتالوجات وألبومات الصور ونسخ من مجلة «تشكيل» الفصلية التي تصدر عن الجمعية منذ الثمانينات. وقد ظلت هذه الجمعية منذ إنشائها عام 1980 في الشارقة، كمؤسسة غير ربحية تلعب دورًا مؤثرًا في المشهد الفني الإماراتي كراعية وحاضنة للفنون.