موسكو: قرار واشنطن نشر قوات في أوروبا الشرقية «مدمر»

جنود من حلف شمال الأطلسي خلال تدريب في ألمانيا الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من حلف شمال الأطلسي خلال تدريب في ألمانيا الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

موسكو: قرار واشنطن نشر قوات في أوروبا الشرقية «مدمر»

جنود من حلف شمال الأطلسي خلال تدريب في ألمانيا الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من حلف شمال الأطلسي خلال تدريب في ألمانيا الشهر الماضي (أ.ف.ب)

نددت روسيا الأربعاء بقرار الولايات المتحدة إرسال ثلاثة آلاف جندي إضافي إلى أوروبا الشرقية، واصفة إياه بأنه «مدمر»، وذلك على خلفية تصاعد التوتر بين موسكو والدول الغربية في شأن أوكرانيا.
واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو كما نقلت عنه وكالة إنترفاكس أن القرار الأميركي «غير مبرر ومدمر ويزيد من التوترات العسكرية ويقلص المجال أمام القرارات السياسية».
وأعلنت الولايات المتحدة في وقت سابق اليوم أنها بصدد نشر آلاف العسكريين دعما لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، في تعزيز لردها العسكري على مخاوف من غزو روسي لأوكرانيا.
وحشدت روسيا أكثر من 100 ألف عسكري على الحدود مع أوكرانيا، وقد حذر قادة الغرب من أن أي توغل في الجمهورية السوفياتية السابقة سيُقابل «بعواقب شديدة».
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي إن ألف عسكري متمركزين في ألمانيا سيعاد نشرهم في رومانيا، وألفي عسكري مقرهم الولايات المتحدة سينقلون إلى ألمانيا وبولندا. وأضاف كيربي «من المهم أن نوجه رسالة قوية إلى (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين والعالم بأن الناتو مهم للولايات المتحدة» مضيفا «هذه ليست المحصلة الإجمالية لتدابير الردع التي سنتخذها».
وشدد قائلا: «هذه القوات لن تحارب في أوكرانيا. هي ليست تحركات دائمة. إنها رد على أوضاع حالية».

وفي أبرز تصريحات له بها بشأن الأزمة منذ أسابيع، أشار بوتين الثلاثاء إلى أن واشنطن تستخدم كييف كأداة لجر موسكو إلى نزاع. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان: «أوكرانيا نفسها ليست إلا أداة لتحقيق هذا الهدف» المتمثل بالسيطرة على روسيا.
وترك بوتين الباب مفتوحا أمام إجراء محادثات، وعبر عن أمله في أن «نجد حلا في نهاية المطاف».
وأجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء، فيما أكد لافروف لاحقا أن واشنطن اتفقت على عقد مزيد من المحادثات.
وسلم كل من الولايات المتحدة والحلف الأطلسي ردودا خطية لموسكو على مطالبهما، وأكد بوتين أنه يدرسها.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1488891205794492416
ونشرت صحيفة «إل باييس» الإسبانية الأربعاء ما وصفته بنسخ مسربة من الردود التي أشارت إلى أن واشنطن وحلف شمال الأطلسي يعرضان على موسكو إجراءات للحد من التسلح وبناء الثقة.
والمقترحات حازمة في إصرارها على حق أوكرانيا وأي دولة أخرى في التقدم للانضمام إلى عضوية الحلف.
غير أن الرد الأميركي وفق الصحيفة يشير إلى «التزامات متبادلة من قبل كل من الولايات المتحدة وروسيا بالامتناع عن نشر أنظمة صاروخية هجومية أرضية وقوات دائمة بمهمة قتالية في أراضي أوكرانيا».
وكان رئيس الوزراء الهولندي مارك روته آخر مسؤول ضمن حلف شمال الأطلسي يزور كييف للتعبير عن تضامنه مع أوكرانيا، وقد التقى الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وكان زيلينسكي قد استقبل الثلاثاء رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، المتوقع أن يجري محادثة هاتفية مع بوتين الأربعاء.
وتفاقم التوتر وسط خطط لإجراء تمارين عسكرية مشتركة بين روسيا وجارتها بيلاروسيا، حيث تقول واشنطن إن موسكو تخطط لنقل 30 ألف عسكري.
ومع التأكيد أن «النزاع ليس حتميا» اتهم كيربي الأربعاء بوتين بـ«مواصلة زعزعة الوضع بإضافة مزيد من القوات على الجانب الغربي من بلاده وبيلاروسيا».
وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وزارة الدفاع الروسية الأربعاء دبابات مسرعة في حقول تكسوها الثلوج في بيلاروسيا ومروحيات قتالية خلال تدريبات وحدات من البلدين قبل مناورات من 10 إلى 20 فبراير (شباط).
https://twitter.com/aawsat_News/status/1488898755159990279
وتخوض أوكرانيا معارك ضد متمردين في منطقتين انفصاليتين منذ العام 2014 عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم.
وقتل أكثر من 13 ألف شخص في المعارك التي تمثل آخر حرب كبيرة مستمرة في أوروبا.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1488891205794492416



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟