الفاتيكان للمسؤولين اللبنانيين: أقلعوا عن خدمة مصالحكم

وزير خارجيته في بيروت وعد بزيارة قريبة للبابا فرنسيس

الرئيس ميشال عون مستقبلاً أمين سر الفاتيكان أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مستقبلاً أمين سر الفاتيكان أمس (دالاتي ونهرا)
TT

الفاتيكان للمسؤولين اللبنانيين: أقلعوا عن خدمة مصالحكم

الرئيس ميشال عون مستقبلاً أمين سر الفاتيكان أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مستقبلاً أمين سر الفاتيكان أمس (دالاتي ونهرا)

انتقد أمين سر الفاتيكان للعلاقات مع الدول (الذي يساوي منصب وزير الخارجية) المطران بول ريتشارد غالاغير، المسؤولين اللبنانيين أثناء زيارته بيروت أمس، ودعا من هم في السلطة إلى وضع «نهاية لتربح القلة من معاناة الأكثرية»، ولأن «يتخذوا القرار الحاسم بالعمل من أجل السلام وليس من أجل مصالحهم الخاصة»، مطالباً بالتوقف عن «استخدام لبنان والشرق الأوسط من أجل المصالح الخارجية».
واستهل غالاغير زيارته إلى بيروت بلقاء الرئيس اللنباني ميشال عون الذي أكد أن لبنان يتطلع إلى زيارة البابا فرنسيس، مشيراً إلى أن الدور الذي يقوم به الفاتيكان «هو لمصلحة جميع اللبنانيين». وقال: «إننا نتطلع إلى البابا كضامن لأهمية لبنان وحضوره في محيطه والعالم، وإلى مواصلة هذا الدعم بالنظر إلى جسامة التحديات التي تواجهنا، وهي غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث»، آملاً من خلال هذا الدعم إلى جانب دعم آخرين من أصدقاء لبنان في العالم، «أن نتجاوز الانعكاسات السلبية للأزمات والصراعات الإقليمية».
من جانبه، ذكّر غالاغير «بما قاله البابا فرنسيس في الأول من يوليو (تموز) 2021 حين جمع رؤساء الكنائس في الفاتيكان، حيث أكد أن لبنان كان ولا يزال ويجب أن يبقى مشروع سلام».
وقال غالاغير: «إن دعوته هي أن يكون أرضاً للتسامح والتعددية وواحة للأبدية، حيث يلتقي جميع الطوائف والأديان، وتعيش الطوائف معاً، واضعة المصلحة العامة والخير العام فوق مصالحها الخاصة».
وشدد غالاغير «على ضرورة أن يتخذ من هم في السلطة القرار الحاسم بالعمل من أجل السلام وليس من أجل مصالحهم الخاصة». وقال: «لتكن هذه الفرصة بمثابة نهاية للذين يستفيدون من معاناة الجميع، من غير المسموح أن تبقى نصف الحقيقة محبطة لآمال الشعب». ودعا للتوقف عن استخدام لبنان والشرق الأوسط «من أجل المصالح الخارجية». وأضاف: «يجب أن يحظى الشعب اللبناني بفرصة لأن يكون بأبنائه مهندساً لمستقبل أفضل على أرضه بعيداً من أي تدخل خارجي».
وإذ عبر عن خشيته من «ألا يكون مستقبل هذا الوطن مضموناً»، دعا الجميع، «وكل القادة سواء محلياً أو دولياً، للحفاظ على لبنان كرسالة للعيش معاً والأخوة والرجاء بين الأديان».
وأشار غالاغير إلى أن البابا «أكد لي قبل أن أستهل هذه الزيارة، أنه يرغب ويريد أن يأتي إلى لبنان، قريباً جداً. لكن يبقى أن نحدد معنى كلمة قريباً. هو يريد أن يأتي وسيأتي».
وأضاف المطران غالاغير أن الكرسي الباباوي يمكنه استضافة حوار بين الأطراف السياسية اللبنانية إذا طلبت ذلك جميع الأطراف المعنية.
وقال: «عندما نتحدث عن دور المسهل أو الوسيط بين لاعبين سياسيين، من الممكن أن نلعب هذا الدور وذلك إذا توفرت دعوة إلى الكرسي الباباوي من جميع الأطراف المعنيين للقيام بهذا الدور»، مؤكداً أنه «إذا توفرت هذه الرغبة أو الدعوة الجماعية، فنحن مستعدون للقيام بهذا الدور».
بعدها زار الدبلوماسي الفاتيكاني والوفد المرافق عين التينة، حيث استقبلهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث قال في ختام اللقاء: «لقد كنت مهتماً لمعرفة رؤية وآراء الرئيس بري وهي آراء مستنيرة، وأعتقد أننا نستطيع التقدم إلى الأمام من خلال حوارنا بين الأطراف السياسية المتعددة في لبنان، وهي أيضاً مساعدة لنا لفهم طبيعة التحديات التي يواجهها لبنان واللبنانيون»، حسبما ذكر المكتب الإعلامي لبري في بيان.
وقال غالاغير: «لنا في الفاتيكان مساهمات متواضعة إلى اللبنانيين من أجل تشجعيهم كي لا يفقدوا الأمل، خصوصاً في هذه اللحظات الصعبة على الجميع، ونأمل في أن يحمل المستقبل أياماً أفضل للبنان».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.