«رسائل الوجوه» في معرض «تنميط» لفنان سوداني بالقاهرة

معرض تشكيلي لافت للفنان السوداني أمادو الفادني بعنوان «تنميط»، افتتحته الدكتورة سلوى الشربيني القائم بأعمال رئيس قطاع الفنون التشكيلية، بمركز «كرمة بن هانئ» الثقافي بمتحف أحمد شوقي على ضفاف النيل بالقاهرة.
تلعب لوحات المعرض الذي يستمر لمدة أسبوعين، على الوجه كحالة تعبيرية، ونمط، يتنوع الإحساس به، ويغلب طابع التجريد على الملمس الفني في اللوحات، كما تعطي انطباعا أحيانا بمغامرة الرسم على الصورة الفيتو، ورغم التخفي المقصود لملامح الوجه بطبقة لونية صريحة، إلا أنه يكتنز ملمحا إنسانيا مميزا، ويبدو أحيانا كعلامة أو نمط، له دلالاته الاجتماعية. فالوجه في اللوحة بكل تضاريسه يعني لك شيئا، ثم إنه يستفزك لتقيم علاقة معه؛ سلبية أو إيجابية، لتحبه أو تنفر منه، وفي كل الحالات، ينجح في تحقيق علاقة إيصال شجية مع عين المشاهد، كما يمتلك القدرة من خلال التعبيرات الفنية الموحية على أن يعكس إلى حدّ كبير طبيعته الداخلية، باعتبار أن الرأس يشكل طاقة شعاع للجسد كله.
وتنعكس استعارة الوجه بصباغاته اللونية وشحناته التعبيرية على الخلفية في اللوحات، التي يشغلها الفنان بطبقات لونية مشرقة؛ زرقاء، وبرتقالية، وخضراء، تضيء الوجه، وتصنع نوعا من الذبذبة البصرية المريحة بينه وبين الخلفية، وبشكل لا يعزل الخلفية عن أي قراءة بصرية لأبعاد وملامح الوجه نفسه.
عن أعماله وتجربته الجديدة في هذا المعرض، يقول الفنان أمادو: «هي محاولة لإعادة صياغة ورسم صورة أيقونية، لصور هؤلاء الأشخاص الذين وجدتهم في كتب التنميط العرقي، الذين لا نعرف عنهم شيئا سوى تلك الصور».
وظهر علم التنميط العرقي في بداية القرن التاسع عشر، وكان يختص بدراسة السمات التشريحية للبشر، وينمطهم إلى درجات من الجنس الأدنى (الأقل ذكاء) إلى الجنس الأسمى (الجنس الآري)، وكان سكان المستعمرات في أفريقيا وآسيا هم أغلب عناصر هذه التجارب، وكانت تستخدم صورهم عادة في التجارب العلمية دليلا على تفوق جنس بحد ذاته، ولا توجد لصورهم أي صبغة بشرية.
وبدأت أمس على هامش المعرض ورشة لصناعة «الماسك» الأفريقي، وتستمر حتى اليوم، شارك فيها الفنان نفسه.
وتبرز أهمية المنحوتات والأقنعة الأفريقية في أنها تكشف عن بساطة التعامل مع الأشياء والطبيعة بشكل فطري، وهو فن رمزي يعطي معنا عميقا وكبيرا للأشياء. كما تعد الأقنعة الأفريقية التي عثر عليها، من أقدم الأقنعة الموجودة منذ القرن الخامس قبل الميلاد. وقد حقق فن الأقنعة الأفريقية شهرة واسعة في الأوساط الفنية، وغالبا ما يتنوع بين المنحوتات والتماثيل والرسوم المصورة على الجدران أو الصخور المستوية، ودائما كان يحمل رسالة إنسانية، لإبراز التراث الثقافي والحضاري للبيئة المحلية، وفي الوقت نفسه يعبر عن الرغبة في التواصل مع الآخرين وبناء جسور الصداقة معهم.
يذكر أن فن القناع «الماسك» الأفريقي، ترك تأثيره على مسيرة الفن التشكيلي عالميا، وتأثر به فنانون كبار من أمثال سيزار ومونييه، حيث أجمع كلهم على أن الفن الأفريقي فن متميز بذاته وله طابعه الخاص، كما كان له تأثير لافت في تجربة الفنان الشهير بابلو بيكاسو خاصة في مرحلته الفنية المتميزة المسماة «المرحلة الزنجية»، (1907 - 1909)، التي عبّر فيها عن أثر القناع والمنحوتات الأفريقية بوصفها أحد المصادر المهمة الفكرية والفنية في فلسفته الجمالية.