غضب اللبنانيين لا يخفض الأسعار مع انخفاض الدولار

مساع لتفعيل «الوطني لحماية المستهلك»

نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي (الوكالة المركزية)
نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي (الوكالة المركزية)
TT

غضب اللبنانيين لا يخفض الأسعار مع انخفاض الدولار

نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي (الوكالة المركزية)
نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي (الوكالة المركزية)

تحتفظ ربة المنزل اللبنانية سيرين بفواتير مشترياتها من السلع الغذائية كافة منذ حوالي الشهر. تقارن الأسعار وتدقق في التواريخ، وتقرأ على رأس الفاتورة ملحوظة كتبتها بقلم الحبر الأزرق لسعر صرف الدولار في اليوم الذي اشترت فيه تلك المشتريات. وتخبر «الشرق الأوسط» أن «الأسعار لم تنخفض على قدر نزول سعر صرف الدولار».
وتضيف سيرين بلهجة تمزج الحزن بالغضب: «نعاني من جشع التجار، ومع كل انهيار تشهده الليرة اللبنانية نضطر آسفين لتحمل تبعات ارتفاع الأسعار وثباتها لوقت طويل حتى بعد انتعاش العملة الوطنية... التجار لا يشبعون ولا يكتفون».
وانخفض سعر صرف الدولار أكثر من 10 آلاف ليرة لبنانية (من 33000 ليرة لبنانية للدولار الواحد إلى حوالي 21000 ليرة لبنانية) خلال أسبوعين، إلا أن أسعار السلع لم تشهد تراجعا مماثلاً في الأسواق اللبنانية.
أما السيدة اللبنانية مها فحالها كحال معظم المستهلكين الذين يشتكون من تكرار سيناريو عدم التزام التجار بخفض أسعارهم توازيا مع تراجع سعر صرف الدولار، ويعبرون عن هذا الواقع بغضب، بالنظر إلى أن الأسعار كانت ترتفع مع كل ارتفاع لسعر صرف الدولار وفي اللحظة ذاتها، ولا تنخفض بعد تراجعه ولو بعد أسابيع.
لكن هذا الغضب يبدو كلامياً فقط أكان من الناس أم من المعنيين، إذ يجد كثيرون أنفسهم مضطرين لشراء حاجاتهم الضرورية اليومية، فيما تعجز الفرق الرقابية عن القيام بدورها لأسباب كثيرة.
وتشير «جمعية حماية المستهلك»، برئاسة زهير برو، في بيان إلى أن مقارنة أسعار السلع الغذائية الأساسية والأدوات المنزلية والاتصالات والمواصلات، مع أسعار الشهر السابق أظهرت أن التراجع تراوح بين 5 و16 في المائة.
وتذكر «الجمعية» الحكومة اللبنانية بأن هناك مجلساً لحماية المستهلك برئاسة وزير الاقتصاد يضم تسع وزارات وممثلين عن المستهلك وعن غرف التجارة والصناعة والزراعة وعن الصناعيين، يمكنه أن يناقش ويقترح حلولا اقتصادية ومالية تطور الاقتصاد وتؤمن حقوق المواطنين.
وسألت «حماية المستهلك»: «لماذا لا يتحرك وزير الاقتصاد للاستماع إلى كل هؤلاء بدلا من الدوران في متاهة التفاصيل؟».
وترد مصادر وزارة الاقتصاد لـ«الشرق الأوسط» على هذا السؤال، كاشفة أن وزير الاقتصاد أمين سلام أحال الأسبوع الماضي كتاباً للأمانة العامة لمجلس الوزراء لإعادة تفعيل المجلس الوطني لحماية المستهلك، وهو يعمل على الموضوع.
ويؤكد برو لـ«الشرق الأوسط» أن «التاجر اللبناني يستمر في التشاطر، وما يحمي المستهلك هو القوانين والدولة ومؤسساتها».
ويتحدث رئيس «حماية المستهلك» عن الحلول التي طرحتها الجمعية لتخفيض الأسعار، وهي إقرار خطة التعافي ووقف خروج العملة الصعبة فوراً، وإقرار قانون المنافسة، وكذلك جدولة دفع الودائع بالدولار أسبوعيا، ما سيؤدي فورا إلى انخفاض سعر الدولار، وينعكس ارتفاعا للقدرة الشرائية للأجور خلال أيام. ويدعو المغتربين اللبنانيين للتجارة المباشرة مع المناطق والقرى والأسواق اللبنانية لتخطي الاحتكار.
ووفقا لبرو، فإن هذه الحلول تحتاج إلى قرار من السلطة.
وإذ يشدد على ضرورة إقرار قانون المنافسة والحد من الاحتكارات، يعتبر أن محاضر الضبط التي تسطرها وزارة الاقتصاد بحق التجار المخالفين «لن توصل إلى مكان، ورغم إصرار الوزارة عليها هي غير قانونية بالأساس ولا معنى لها لأننا في نظام اقتصادي حر، وبالتالي للتاجر حرية البيع بالسعر الذي يريد ما عدا السلع التي تحدد الدولة أسعارها» كالمحروقات وسعر ربطة الخبز.
في هذا الإطار، يشرح مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد طارق يونس لـ«الشرق الأوسط» أن «الاقتصاد الحر يسمح بهوامش ربح وليس بربح لا متناهٍ، وبالنسبة للمواد الغذائية الأساسية تتراوح نسب الأرباح بين الـ10 والـ18 في المائة، أما بالنسبة لباقي السلع كالثياب مثلا فلا تخضع لهذا القرار»، موضحاً أن «المشكلة ليست بالاقتصاد الحر، بل بتذبذب سعر صرف الدولار واختلافه بين يوم وآخر ما يصعب عملية المراقبة».
ويقول يونس: «انخفض سعر صرف الدولار حوالي 10 آلاف ليرة لبنانية ولم نشعر بأن السلع الغذائية انخفضت بالمستوى نفسه أي ما نسبته حوالي 25 أو 30 في المائة. لكن في لبنان حوالي 20 ألف نقطة بيع، و4000 محطة محروقات، ومئات الأفران وحوالي 8000 مولد، وبالتالي من الخيال أن تتمكن الوزارة بخمسين مراقباً فقط على كافة الأراضي اللبنانية من تدارك الوضع».
ويشير يونس إلى أن «وزير الاقتصاد دعا البلديات لممارسة صلاحياتها التي ينص عليها قانون البلديات لمراقبة الاتجار بالمواد الغذائية وتسعيرها بما لا يتناقض مع القرار الصادر عن وزارة الاقتصاد».
ويضيف: «على البلديات لعب دورها وفي حال خصصت مراقبا واحدا في نطاقها البلدي نكون أضفنا ألف مراقب بلدي ينضمون للخمسين مراقبا في وزارة الاقتصاد، لأن الوزارة لا تستطيع ممارسة هذا الدور منفردة على الأرض».
ويأسف مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لوجود من يركض دائما وراء الأرباح غير المشروعة على حساب الناس ولقمة عيشهم، مفسراً أن «دور وزارة الاقتصاد الواضح والصريح هو نظم محاضر ضبط وإحالتها إلى القضاء رغم أن معظم هذه المحاضر لا يبت فيها بالقضاء، وبالتالي هي لا تشكل قوة رادعة للتاجر المخالف».
ويتابع: «طالبنا بتعديل قانون حماية المستهلك لنتمكن من فرض غرامات وعقوبات مباشرة على المخالف وهذا الطرح تقدمنا به من حوالي الخمس سنوات لكن للأسف لم يقر».
ومن القوانين التي تطالب الوزارة بإقرارها قانون المنافسة والذي طرحته وزارة الاقتصاد منذ العام 2006، ويتناول ضمن أحكامه الاحتكارات والتكتلات غير الشرعية للتجار. ويقول يونس: «إذا وجدت هيئة منافسة تطبق هذا القانون، فسنتمكن من تخفيف الاحتكارات والمضاربات غير المشروعة والتلاعب بالأسعار».
من جهته، يكشف نقيب أصحاب السوبر ماركت في لبنان نبيل فهد لـ«الشرق الأوسط» أنه بحث مع وزير الاقتصاد موضوع أسعار السلع الأسبوع الماضي، وتم الاتفاق والاقتناع بأن أكثر طريقة فعالة لتخفيض الأسعار هي عبر المنافسة وإعلان أسعار السلع.
ويقول نقيب أصحاب السوبر ماركت: «الوزير سيتخذ القرار لناحية إعلان أسعار السلع ونحن اتفقنا على المبدأ، فمثلا إذا تم تحديد سعر كيلو الأرز المصري بـ22 ألف ليرة لبنانية وأعلن عن هذا السعر فلن يقبل المستهلك بشرائه بسعر أعلى وسيبحث عن التاجر الذي يلتزم بالتسعيرة».



حملة في صنعاء لابتزاز مُصنِّعي الأكياس البلاستيكية

عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)
عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)
TT

حملة في صنعاء لابتزاز مُصنِّعي الأكياس البلاستيكية

عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)
عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)

لم تكد الجماعة الحوثية تنتهي من استهداف مصانع الدواء، والمياه المعدنية، والعصائر والمشروبات الغازية، حتى بدأت في صنعاء تنفيذ حملة ميدانية لاستهداف مصانع ومعامل الأكياس البلاستيكية، ضمن مساعيها المستمرة للتضييق على اليمنيين، وجباية مزيد من الأموال تحت مسميات غير قانونية.

أفصحت مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إطلاق جماعة الحوثي حملة واسعة طالت بالتعسف والابتزاز والإغلاق عدداً من مصانع ومعامل الأكياس البلاستيكية في صنعاء، بذريعة تسجيل مخالفات وعدم الالتزام بالتعليمات.

عنصر حوثي أثناء إغلاقه مصنع أكياس بلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)

وأغلقت الحملة، التي أشرفت عليها ما تسمى «الهيئة العامة لحماية البيئة» الخاضعة للجماعة، أكثر من 5 مصانع أكياس بلاستيكية في مديرية معين بصنعاء، مع الاستمرار في استهداف ما تبقى من المصانع ببقية المناطق والتي يزيد عددها على 48 مصنعاً ومعملاً.

وكانت حملات الجباية الحوثية دفعت الكثير من مُلاك الشركات والمصانع والتجار وأصحاب المهن المتوسطة والأصغر إلى التهديد بإغلاق متاجرهم ووقف أنشطتهم التجارية، احتجاجاً على السلوك الانقلابي الذي يطالهم في كل مرة لنهب أموالهم تحت ذرائع واهية.

وتحدث شهود في صنعاء عن مداهمة مشرفين حوثيين مسنودين بدوريات أمنية عدة منشآت تعمل بصناعة الأكياس البلاستيكية بصنعاء، حيث مارسوا أساليب استفزازية وابتزازية ضد مُلاك المصانع والعاملين فيها، بحجة وجود مخالفات.

وأقر الانقلابيون عبر وسائل إعلامهم بإغلاق 5 مصانع أكياس بلاستيكية، قبل أن يقوموا بأخذ ما أسموها عينات من الأكياس للتأكد من مدى مطابقتها للاشتراطات.

دفع إتاوات

في حين تَزْعُم الجماعة الحوثية بأن حملتها الاستهدافية لمصانع البلاستيك تأتي للحفاظ على البيئة من التلوث، يتحدث عدنان، اسم مستعار لمالك مصنع استهدفته الجماعة، عن أن عناصرها وافقوا بعد ساعات من إغلاق مصنعه على السماح بإعادة فتحه مقابل دفع مبلغ مالي.

ويؤكد عدنان أن الاستهداف الحوثي لمصنعه ليس له أي علاقة بالبيئة والتلوث، ويقول إن ذلك يندرج ضمن الأساليب والطرق التي اعتادت الجماعة على ابتكارها لتبرير جرائم الاقتحام والإغلاق.

معمل لتصنيع الأكياس البلاستيكية استهدفه الحوثيون بحملات الجباية (فيسبوك)

ويشير إلى أن الجماعة لا تتحدث عن إيجاد حلول لأي مخالفات أو اختلالات تزعم اكتشافها في المصانع، بل تركز بالدرجة الأولى على دفع الإتاوات مقابل إعادة فتح ما قامت بإغلاقه من تلك المصانع.

وعلى وقع تلك الانتهاكات وحملات التنكيل الحوثية المتواصلة، ندد ناشطون اقتصاديون في صنعاء بالتعسف الجديد ضد مُلاك المنشآت الصناعية الرامي إلى استكمال إحلال الجماعة طبقة تجار جديدة من عناصرها.

وحذر الناشطون من التضييق المستمر للجماعة ضد من تبقى من العاملين بمختلف القطاعات التجارية والصناعية والحرفية في صنعاء وبقية المناطق المختطفة، وهو ما سيفاقم معاناة اليمنيين ويزيد أسعار مختلف السلع والمنتجات بما فيها الأساسية.

وسبق لجماعة الحوثي أن ضاعفت خلال السنوات الماضية حجم الإتاوات والجبايات المفروضة على مُلاك المصانع والشركات، وسنَّت تشريعات غير قانونية رفعت بموجبها الرسوم الضريبية والجمركية والزكوية؛ بغية تغطية نفقات حروبها من جانب، بالإضافة إلى تكوين ثروات لقادتها ومشرفيها.