خروج اليمنيين على قوارب في اتجاه جيبوتي هربًا من بطش ميليشيات الحوثيين

صعوبة الحياة في صنعاء بسبب انقطاع الكهرباء والمياه.. وانعدام الأمن ساهم في مغادرة الآلاف

يمنيون هاربون من القتال في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون أمس (إ.ب.أ)
يمنيون هاربون من القتال في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون أمس (إ.ب.أ)
TT

خروج اليمنيين على قوارب في اتجاه جيبوتي هربًا من بطش ميليشيات الحوثيين

يمنيون هاربون من القتال في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون أمس (إ.ب.أ)
يمنيون هاربون من القتال في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون أمس (إ.ب.أ)

تصل القوارب الخشبية التي صنعت من أجل نقل الماشية، بشكل يومي إلى مدينة جيبوتي، التي تقع في شرق أفريقيا، والتي تفصلها عن اليمن مسافة نحو 20 ميلا، وهي أقرب ميناء بالنسبة لليمن على الساحل الغربي.
وبعد 18 ساعة من التكدس في أحد تلك القوارب مع أكثر من مائة لاجئ، وبعد دقائق قليلة من الوصول إلى اليابسة، قررت نجلاء السحقاني، ألا تعود إلى اليمن، سواء استمرت الحرب في بلادها أم انتهت. وقالت نجلاء (23 عاما) والتي كانت حامل هي وشقيقتها «لا أرى أي مستقبل هناك». وكانتا تقفان في الميناء خلال صباح أحد أيام الأسبوع الحالي مع زوجيهما في حرارة الجو الشديدة، والرطوبة المرتفعة، يفكرون فيما سيفعلونه بعد ذلك.
ويفكر الآلاف غيرهم في مغادرة اليمن، بعد أن اتسعت رقعة القتال بسبب الهجمات الحوثية على المدن والبلدات في محاولات مستميتة للاستيلاء عليها بقوة السلاح. واضطر أكثر من 150 ألف شخص إلى مغادرة منازلهم، والهروب إلى مدن أخرى، أو الريف الذي لا يرحم، في حين عبر آخرون الحدود متجهين نحو المملكة العربية السعودية أو عمان. وركب نحو 10 آلاف لاجئ القوارب خلال الشهر الماضي بحسب بيانات منظمات الهجرة الدولية. ويظل العدد الأكبر هو عدد الذين حاولوا الوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
يقول عمال الإغاثة، إنهم يستعدون لزيادة أعداد النازحين، في حال تحسن الظروف، ويشعرون بالقلق على مستوى الأمن في الرحلات في ظل تزايد عدد القوارب. ورحل صباح أحد الأيام عبده حسين إسماعيل، وهو سباك من جيبوتي، كان قد ذهب إلى العاصمة اليمنية صنعاء بحثا عن عمل، لكن ازداد الحصول على فرصة عمل في صنعاء صعوبة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، والمياه، والخوف من الضربات الجوية، ونفد المال منه. وعمل هيكل صالح كحارس أمن في السفارة الأميركية في اليمن إلى أن أغلقت أبوابها في فبراير (شباط) بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية. وأوضح أن السفارة استمرت في دفع رواتب الموظفين، لكن صنعاء لم تعد آمنة له ولأسرته خاصة ابنته الصغيرة التي تتعلق بيديه في كل مكان يذهب إليه. ووصف صالح الأسابيع الماضية بأنها «شديدة السوء». وأضاف: «هذه الحرب سيئة للغاية». وشهد العام الماضي مقتل أكبر عدد من الأفراد، الذين يعبرون خليج عدن، حيث اختفى ما يزيد على 240 مهاجرا. مع ذلك كان جميعهم تقريبا من القرن الأفريقي ويحاولون الوصول إلى اليمن بحسب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويهرب الناس حاليا بطريقة أخرى، وإن كان عددهم يتقلص بسبب الحرب التي جعلت من الصعب عليهم الوصول إلى البحر. وهناك نقص في الوقود، والطرق غير آمنة، وباتت بعض الموانئ مثل مدينة عدن، التي تقع في الجنوب، ساحات للمعارك. ويمنع الرجال المسلحين الناس من المغادرة. ومع ذلك يرى الكثيرون أن البقاء في بلد يضربها العنف أكثر خطورة من الهروب. وكان اللاجئون، الذين وصلوا على القارب يوم الاثنين، يحملون ذكريات قاسية عن تدهور الأحوال الأمنية والمعيشية، وكذا شعور صحي بالاشمئزاز من الفصائل اليمنية المتناحرة.
وحمل القارب نحو 160 شخصا سافروا برا من صنعاء في شمال اليمن إلى الميناء في موكا. ومر الكثيرون عبر مدينة تعز مع اندلاع القتال حامي الوطيس هناك. وكان من المفترض أن تستغرق الرحلة إلى الميناء في جيبوتي من 12 إلى 14 ساعة، لكن كان هناك تأخير غير مبرر. وازداد سعر العبور زيادة مطردة، حيث وصل إلى نحو 200 دولار للفرد هذه الأيام، بعد أن كان 50 دولارا بحسب عمال الإغاثة. مع سمح ذلك الكثير من رجال الأعمال، الذين يملكون قوارب، لمن لا يملك أجر السفر بالركوب مجانا على حد قول الكثير من الأشخاص. وكان القارب، الذي وصل يوم الاثنين، يمتلئ إما باليمنيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، إضافة إلى جوازات السفر اليمنية، أو أجانب، كانت جيبوتي وطنهم أو نقطة عبور.
وتم اصطحاب مواطنين يمنيين آخرين مسجلين لدى الأمم المتحدة إلى معسكرات على أطراف بلدة أوبوك الصغيرة، ليقيموا بها بصورة مؤقتة في ملاجئ أيتام غير مكتملة البناء، واستاد، حيث يتلقون الرعاية، لكنهم منعزلين في بلدة نائية تطل على البحر. وكان الكثير من اللاجئين في المخيمات من سكان عدن، التي شهدت قتالا شرسا، منشغلا بأمان من تركوهم وراءهم بها. وتلقى والد حسن فريد عبد الله، وهو فني معمل طبي، ويعمل قاضيا، رسائل تهديد من رجال أصدر أحكاما بحقهم، لكن تم إطلاق سراحهم بعد غرق البلاد في الفوضى. ونصح الأب حسن بمغادرة البلاد مع شقيقه وشقيقته، وتمكنوا من الهروب على متن قارب مع صحافيين عائدين من رحلة قصيرة إلى عدن. وانهار أحمد كليب، الذي سافر إلى جيبوتي مع زوجته، وشقيقه بعد تمكنه من اللحاق بسفينة روسية، بعد تلقي مكالمة قصيرة من والدته التي لا تزال في عدن. وأخبرت الوالدة كليب بأنهم لا يستطيعون التحرك في المدينة، ولا العثور على طعام. وقال كليب بعد تمالكه لنفسه «إنها كارثة».
وكان هناك مجموعة أخرى من الشباب يجلسون داخل خيمة في الاستاد يروون الأيام الأخيرة للقتال في عدن ضد المتمردين الحوثيين، التي ساهمت سيطرتهم على أجزاء كبيرة من اليمن في اشتعال آخر صراع. وزعم عماد علي (21 عاما)، أنه قتل أفراد في الصراع ويبدو أن ما رآه يطارده ويسيطر عليه. وقال: «أنا لست وحدي. لقد طلبت مني أمي أن أركض وأهرب؛ فاليمن ليست آمنًا».
* خدمة «نيويورك تايمز»



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.