مخاوف ليبية من تدخل الميليشيات لحسم الخلافات السياسية

رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة يتابع مع رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض حيدر السايح تطورات «كورونا» (المكتب الإعلامي للحكومة)
رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة يتابع مع رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض حيدر السايح تطورات «كورونا» (المكتب الإعلامي للحكومة)
TT

مخاوف ليبية من تدخل الميليشيات لحسم الخلافات السياسية

رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة يتابع مع رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض حيدر السايح تطورات «كورونا» (المكتب الإعلامي للحكومة)
رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة يتابع مع رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض حيدر السايح تطورات «كورونا» (المكتب الإعلامي للحكومة)

عادت المخاوف لتعرف طريقها إلى الليبيين، بعد قرابة عشرة أشهر من الاستقرار النسبي، على خلفية بدء مجلس النواب تفعيل عزل حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتكليف حكومة جديدة.
وانصبت تساؤلات الليبيين حول الكيفية التي ستتم بها إزاحة الحكومة الراهنة، وما إذا كانت ستركز على خيار القوة المسلحة؛ وهي التخوفات التي  يغذيها تجاهل الدبيبة قرارات مجلس النواب، واستمرار تـصريحاته بعدم تسليم مهامه إلا لسلطة منتخبة، فضلاً عما يسود العاصمة طرابلس في الفترة الأخيرة من أجواء التحشيد العسكري بين الميليشيات هناك.
وأعرب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، طلال الميهوب، عن أمله في «ألا يمارس الدبيبة أي قدر من التعنت، ويسلم السلطة طواعية للشخصية التي سوف يتم التصويت عليها من قبل أعضاء مجلس النواب، لتولي مهمة تشكيل الحكومة الجديدة».
وعلَّق الميهوب على احتمال رفض الدبيبة تسليم مهامه، والاستعانة بسلاح الميليشيات الموالية له  للاحتفاظ بموقعه، قائلاً: «أتوقع مثل هذا السيناريو، وهو ليس بعيداً عن ذهن أعضاء مجلس النواب». وأوضح أن «هناك شبه توافق على منح مهمة تشكيل الحكومة الجديدة لشخصية تتمتع بتأثير كبير في المنطقة الغربية، ولديها قدرة على التعاطي مع ملف الميليشيات».
ولمَّح الميهوب لإمكانية مساهمة كل من اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، و«الجيش الوطني الليبي» في هذا الصدد  «إذا ما تطلب الأمر»، متابعاً بأن «اللجنة يمكن التعويل عليها  لتنفيذ ما يصدر من قرارات سياسية، بالإضافة إلى وجود مؤسسة عسكرية وطنية بالبلاد، أول واجباتها الحفاظ على أرواح الأبرياء التي قد تذهب جراء ما قد يقع من صدامات». 
أما زميل أول معهد الدراسات الدولية بجامعة «جونز هوبكنز»، حافظ الغويل، فإنه يقر بأن الصراعات بين الشخصيات السياسية في ليبيا ستتجدد، وأن كلاً منهم سيعمل على توظيف سلاح الميليشيات لفرض نفسه قوة مؤثرة، أو لحماية نفوذه ومصالحه، دفاعاً عن حلمهم للوصول للسلطة عبر الانتخابات؛ إلا أنه يستبعد إمكانية نجاح أي قوة مسلحة في تغيير السلطة القائمة بالعاصمة، ما دامت القوات التركية موجودة في الغرب الليبي.
وقال الغويل لـ«الشرق الأوسط»،  إن هناك «اصطفافاً واضحاً بين ميليشيات الغرب، وتحديداً بمدينة مصراتة، ما بين الدبيبة وفتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، وكل منهما قد يحاول استمالة عناصر الآخر عبر الوعود بالمال والمناصب»؛ لافتاً إلى أن «تغيير السلطة له حسابات أخرى؛ خصوصاً في ظل الرفض الدولي الواضح لهذا المسار، والداعي إلى أن يكون إجراء الانتخابات في مقدمة أولويات المرحلة الراهنة».
وأضاف الغويل أن «باشاغا وغيره من الشخصيات السياسية يحتفظون -مثل الدبيبة- بعلاقات قوية مع أنقرة التي تميل للتعاون، ودعم الحكومة المعترف بها دولياً»، ورأى أن «الأمر ليس عشوائياً، فهناك علاقات رسمية ومصالح سياسية واقتصادية وشراكات لأنقرة مع حكومة الدبيبة، ولا يمكن المخاطرة بها».
ولفت الغويل إلى أن «إعادة رسم خرائط السلطة بالعاصمة والمنطقة الغربية عموماً أمر يحظى باهتمام دول عدة بالمنطقة، كالجزائر وتونس». 
 من جانبه، ذهب رئيس مؤسسة «سلفيوم» للدراسات والأبحاث، جمال شلوف، إلى أن «سيناريو الإزاحة المسلحة للدبيبة، قد يكون خياراً مطروحاً من قبل تحالف ميليشياوي قوي». وقال شلوف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك شخصيات بالغرب الليبي معروفة بتقاربها مع موقف المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بشأن دعوته لتشكيل حكومة جديدة، بجانب تقاربها مع قيادة (الجيش الوطني)، لافتاً إلى أن «هذه الشخصيات تحظى بولاء عدد كبير من التشكيلات المسلحة القوية داخل مدينة مصراتة، مثل باشاغا». 
واستكمل شلوف قائلاً: «في حال وجود تحالف ميليشياوي قوي من داخل مصراتة يؤيد قرارات مجلس النواب، فقد تكون هناك فرصة فعلية لمواجهة أي تحالف ميليشياوي آخر قد يعتمد عليه الدبيبة للتحصن بموقعه، وذلك حال تحييد ميليشيات الزاوية والزنتان».
وفيما يتعلق بتوقعاته للطرف الذي سيكون قادراً على حسم هذه المعركة إذا وقعت، أشار شلوف إلى أن «الأمر سيتحدد بناء على دعم الأطراف الخارجية المؤيدة لهذا التحالف أو ذاك، عبر ما ستقيمه من خطوط وجسور إمداد بالسلاح والذخائر».
وقلَّل شلوف من احتمالية تدخل اللجنة العسكرية المشتركة  في هذا الصراع، قائلاً إن «اللجنة بالفعل تستطيع التصدي لأي ميليشيات توجد داخل العاصمة، إذا ما قامت بتجميع كافة القوى النظامية في شرق وغرب وجنوب البلاد تحت إمرتها، ولكنها لا تميل للانخراط في الصراعات والتجاذبات السياسية، كما أنها تفضل السير نحو التفكيك الطوعي للميليشيات، وليس إجبارها على ذلك».
وكانت  وزيرة الشؤون الاجتماعية بحكومة «الإنقاذ» السابقة سميرة الفرجاني،  قد كتبت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن «طرابلس الآن في وقت عصيب جداً، الكل يتجهز فيها وعليها، ولا أحد يعلم مَن يقود مَن».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».