تحوّلات في المشهد السياسي التونسي بفعل «التدابير الاستثنائية»

محللون لا يستبعدون أفول عدد من الأحزاب خلال الفترة المقبلة

الرئيس التونسي قيس سعيّد
الرئيس التونسي قيس سعيّد
TT

تحوّلات في المشهد السياسي التونسي بفعل «التدابير الاستثنائية»

الرئيس التونسي قيس سعيّد
الرئيس التونسي قيس سعيّد

على إثر التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو (تموز) الماضي، انقسمت الأحزاب السياسية في البلاد إلى أحزاب معارضة لتلك الإجراءات على غرار حركة النهضة وحزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، وأخرى مؤيدة لها مثل حركة الشعب وحزب البعث وحزب التيار الشعبي وحزب التحالف من أجل تونس، بينما أيدت مجموعة من الأحزاب تلك التدابير في البداية ثم تراجعت عن مساندة التوجه الرئاسي بعد أن رفض الرئيس التحاور مع الأحزاب السياسية كلها.
وظهرت أطياف من المعارضة أهمها الحزب الجمهوري والتكتل والتيار الديمقراطي، وجدت، على حد تعبير أحد المحللين السياسيين «ملجأ في المعارضة يحميها من الاندثار» غير أنها لا تتوافق مع حركة النهضة في معارضتها للتوجهات الرئاسية، كما أن حزب العمال اليساري الذي يتزعمه حمة الهمامي اتخذ مواقف أكثر جرأة تجاه ما يحدث في تونس واصفاً خطوة قيس سعيد بأنها «انقلاب على المؤسسات الدستورية»، وهو ما كشف عن تشكل معارضات سياسية لتوجهات 25 يوليو 2021، ومؤيدين لتلك الخيارات خاصة بعد أن أخرجت حركة النهضة من السلطة وحدت «سلطة الرئيس» من هيمنتها على المشهد السياسي.
ولئن صرح عدد من السياسيين التونسيين بأن حركة النهضة «انتهت» بعد إقرار الرئيس التونسي قيس سعيد مجموعة التدابير الاستثنائية قبل نحو ستة أشهر ما أدى إلى إزاحتها من تزعم المشهد السياسي في تونس، فإن متابعين آخرين للشأن السياسي التونسي لا يوافقون على هذه النتيجة ويرون أن حركة النهضة باقية حتى لو خسرت الطبقة السياسية الحالية التي تزعمها راشد الغنوشي لعقود متتالية.
وأشار نور الدين بن تيشة المستشار السابق للرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي إلى تراجع حركة النهضة وإمكانية نهايتها، وهو رأي يوافقه فيه الناشط السياسي المنذر بلحاج علي، كما أن «مجموعة الإصلاح» المنبثقة من حركة النهضة والمطالبة بتغيير سياسة الحزب، ومن بينها عماد الحمامي وزياد العذاري، رجحت هذا التوجه. غير أن الواقع السياسي في تونس معقد أكثر من مجرد التخمين في إنهاء وجود أحزاب وبروز أحزاب أخرى، فطول التجربة السياسية ومرور حركة النهضة بالعديد من المحن السياسية وظاهرة الولاء الشديد والالتزام السياسي لخزانها الانتخابي، قد تشفع لها عند عدد كبير من أنصارها وهذا لن يمنع من المطالبة بإصلاحات سياسية اعتباراً إلى أن قواعد حركة النهضة غير راضية على أداء قيادتها خلال السنوات الماضية بدءاً بتوافقها مع حزب النداء وعدم حسمها مسألة منع أنصار النظام السابق من العودة إلى السلطة، علاوة على خياراتها قبل انتخابات 2019 وبعدها.
وفي هذا الشأن، قال عادل العوني المحلل السياسي التونسي، إن الفترة المقبلة ستشهد أفول عدد كبير من الأحزاب السياسية تماشياً مع الحقبة السياسية الجديدة التي دشنتها التدابير الاستثنائية التي أقرها الرئيس التونسي قيس سعيد.
وأضاف العوني أن مخاطر الأفول السياسي ستشمل بالضرورة الأحزاب الضعيفة والعاجزة عن تطوير نفسها في ظل التحولات السياسية الحاصلة علاوة على الأحزاب المبنية على مصلحة ظرفية التي تظهر بمناسبة الانتخابات ثم تتراجع شعبيتها. وتوقع العوني أن تكون بعض الأحزاب التي بسطت سيطرتها على المشهد السياسي من بين تلك المهددة، وأشار في هذا الصدد إلى حزب النداء الذي تزعم انتخابات 2014، وحزب قلب تونس الذي حل في المركز الثاني بعد حركة النهضة في انتخابات 2019 فضلاً عن عدد من الأحزاب السياسية الأخرى على غرار حزب «ائتلاف الكرامة» و«تحيا تونس» و«حركة مشروع تونس» وتيار المحبة» وحزبي «المؤتمر من أجل الجمهورية» وحزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات»، على حد تقديره.
وكان أحدث استطلاع للرأي في تونس أجري خلال شهر يناير (كانون الثاني) الحالي كشف أن «الحزب الدستوري الحر» (معارض)، بزعامة عبير موسي، يتصدر الترتيب في نوايا التصويت بـ34 في المائة، متفوقاً بنقطة واحدة فقط على من يقولون إنهم سيصوتون لحزب قيس سعيد، الذي لا يوجد على أرض الواقع، بنسبة 33 في المائة من إجمالي نوايا التصويت المصرح بها، وذلك رغم تزايد أعداد المعارضين له، والمظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة مؤخراً رفضاً لقراراته. وأكدت مصادر سياسية مقربة من «الدستوري الحر» أن رئيسته موسي باتت تخشى بقوة من هذا التأييد القوي للرئيس سعيد، وتأخذ منافسته المحتملة مأخذ الجد.
أما حركة النهضة فلم تحتل سوى المرتبة الثالثة بـ9.9 في المائة من نوايا التصويت خلال شهر يناير الحالي، حيث خسرت نحو 6 نقاط. فيما لا تستقطب «حركة الشعب» سوى 4.5 في المائة من نوايا التصويت، أما «التيار الديمقراطي» فقد احتل المرتبة الخامسة بـ3.3 في المائة.
ومن المنتظر أن تعيد الانتخابات التشريعية التي قرر الرئيس التونسي إجراءها يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، المزيد من المعطيات حول الخريطة السياسية الجديدة ناهيك أن معظم الأحزاب السياسية لم تعلن عن أي برامج أو تحركات أو روزنامة خاصة بهذا الموعد الانتخابي المؤثر على مجمل الحياة السياسية، في حين أن أحزاباً أخرى ترغب في الاستفادة من تراجع حركة النهضة وتستعد بشكل بطيء لتلك الانتخابات دون أن تعلن عن ذلك صراحة في ظل غموض سياسي يشمل خاصة التعديل الذي سيجريه قيس سعيد على القانون الانتخابي وقانون الأحزاب والجمعيات.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.