وفد أميركي يجول في عكار انتخابياً ويبدي تخوفه من «المتطرفين»

سأل عن نفوذ «حزب الله» في أقصى شمال لبنان

TT

وفد أميركي يجول في عكار انتخابياً ويبدي تخوفه من «المتطرفين»

أحدث عزوف رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري وتياره السياسي عن خوض الانتخابات النيابية صدمة لدى معظم السفراء المعتمدين لدى لبنان، ومن بينهم سفيرتا فرنسا آن غريو، والولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا التي أوفدت من ينوب عنها إلى عكار في شمال لبنان في مهمة استكشافية واستطلاعية لرصد ردود الفعل، وما إذا كانت ستنعكس سلباً على المسار العام للانتخابات ترشحاً واقتراعاً، انطلاقاً من أن المجتمع الدولي يصر على إنجازها في موعدها لقطع الطريق على إقحام السلطة التشريعية في فراغ قاتل ينسحب على رئاسة الجمهورية، لأن البرلمان المُنتخب هو من ينتخب رئيس جمهورية جديداً خلفاً للحالي الرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
ومع أن الحريري لم يطلب من جمهوره ومحازبيه في التيار الأزرق مقاطعة الانتخابات، وترك الحرية لغير المحازبين في كتلته النيابية أو لسواهم ممن يودون الترشح لخوض الانتخابات على أن يترشحوا على مسؤولياتهم، فإن المجتمع الدولي يتخوف من أن يترك عزوف الحريري فراغاً سيؤدي إلى خلط الأوراق في التحالفات الانتخابية، خصوصاً في حال أن الإقبال على صناديق الاقتراع جاء متدنياً، وأدى إلى حصول مفاجآت غير محسوبة ولمصلحة الجماعات المتطرفة في الشارع السني على حساب قوى الاعتدال.
فالمجتمع الدولي من خلال معظم السفراء المعتمدين لدى لبنان يرصد حالياً المزاج الشعبي في الشارع السني للوقوف على نسبة الاقتراع فيه بعزوف الحريري عن الترشح الذي سبقه إلى خياره هذا رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، إضافة إلى أنه كيف سيكون عليه في حال انضم إليهما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لا يزال يدرس خياراته الانتخابية؟ فيما دعاه رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى الترشح.
وتأتي زيارة الوفد الأميركي إلى عكار في سياق استقراء التوجهات الانتخابية على الأرض، وما إذا كان لدى عدد من النواب الحاليين من غير المحازبين والمنتمين إلى كتلة «المستقبل» النيابية رغبة في الترشح، والتقى لهذه الغاية النائب طارق المرعبي وتناول الإفطار إلى مائدته ثم زار النائب وليد البعريني في مكتبه واختتم جولته العكارية بلقاء النائب هادي حبيش.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر عكارية أن الوفد الأميركي لم يحصل على أجوبة قاطعة من النواب الذين التقاهم تتعلق باستعدادهم للترشح، وأبقوا على قرارهم عالقاً إلى حين التشاور مع الحريري الذي سيعود إلى بيروت، كما أعلمهم، قبل حلول الذكرى السابعة عشرة لاغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) المقبل.
إلا أن الوفد الأميركي أصر، كما تقول المصادر العكارية، على طرح مجموعة من الأسئلة الافتراضية في حال ارتأى النواب الذين التقاهم عدم الترشح، وما إذا كان عزوفهم عن خوض الانتخابات سيؤدي إلى انتخاب بعض من يخلفهم في البرلمان المنتخب من المنتمين إلى المجموعات المتطرفة لسد الفراغ الذي سيتركونه.
وكان رد النواب بأن لا مكان للتطرف في عكار التي لا تشكل حاضنة للمجموعات المتطرفة، كون هذه المنطقة تُعتبر الخزان البشري الداعم للقوى الأمنية والعسكرية، وتدين بالولاء لمشروع الدولة، رغم أنها من المناطق المحرومة التي تفتقد إلى المشاريع الإنمائية.
ونقلت المصادر نفسها عن النواب قولهم بأن عكار لم تكن ولن تكون أرضاً خصبة للتطرف، لأن الألوف من أبنائها ينتمون بالدرجة الأولى إلى المؤسسة العسكرية وقدمت المئات من الشهداء دفاعاً عن الوطن، وكانت أول من انتفض ضد غزوة شاكر العبسي لمخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، كما نقلت عنهم، بأن منطقتهم هي النموذج للتعايش بين المسلمين والمسيحيين.
وكشفت بأن الوفد الأميركي استفسر من النواب عن توقعاتهم لخريطة التحالفات الانتخابية في حال اتخذوا قرارهم بعدم خوضهم الانتخابات، وقالت بأنهم أبلغوا بأن غيابهم عن المنافسة الانتخابية سيتيح للنظام في سوريا العودة إلى المنطقة من خلال فوز حلفائها بأكبر عدد من المقاعد النيابية بتحالف «التيار الوطني الحر» والحزب السوري القومي الاجتماعي ومعهم «حزب البعث» الموالي لسوريا.
وسأل الوفد الأميركي عن تأثير «حزب الله» في الانتخابات في عكار فقيل له، بحسب المصادر، بأن تأثيره يكاد يكون معدوماً في حال لم نقرر الخروج من المنافسة الانتخابية، لأن وجود الشيعة في عكار يقتصر على بلدتين، ولن يكون للحزب من تأثير في المعركة الانتخابية التي يُفترض أن يقترع فيها أكثر من 75 ألف مقترع عكاري.
وعاد وسأل عن وضع حزب «القوات اللبنانية» ومدى قدرته على خوض معركة متوازنة، فقيل له بأن وضعه يختلف، ولا يمكننا تقديره حسابياً منذ الآن في ظل عدم اكتمال المشهد الانتخابي وخريطة التحالفات، لأن وضعه بغياب التحالفات وعدم ترشح من لهم حضور فاعل في الشارع العكاري يختلف عن وضعه إذا ما حسمنا أمرنا وترشحنا للانتخابات.
فالقوات، بحسب المصادر، ستضطر، بخروج النواب الحاليين أو معظمهم على الأقل من المنافسة الانتخابية، إلى تشكيل لائحة متواضعة، وبالتالي تدخل في مبارزة غير متوازنة مع اللائحة التي يرعى تشكيلها النظام في سوريا.
وتبقى الإشارة إلى أن تدهور العلاقة بين «المستقبل» و«القوات» لم يغب، كما تقول المصادر العكارية، عن المهمة الاستطلاعية التي قام بها الوفد الأميركي وحضرت بامتياز، وكان للنواب الذين التقاهم مداخلات حملوا فيها القوات مسؤولية القطيعة المسيطرة على علاقته بالحريري.
لذلك فإن معظم السفراء المعتمدين لدى لبنان اضطروا إلى إدراج بند جديد على جدول أعمالهم بدأ يتصدر اهتماماتهم ويتعلق بإعطائهم الأولوية لإجراء الانتخابات النيابية، وهم يبدون ارتياحهم لقرار ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين بعدم مقاطعتهم للانتخابات من دون أن يغيب عن بالهم رصد المزاج الشعبي في الشارع السني وما إذا كانت نسبة المشاركة ستكون مرتفعة، أم أنها ستأتي متدنية بمبادرة أكثريته الصامتة وتحديداً من «الحريريين» إلى عدم الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع؟ لكن الجواب على هذا السؤال يبقى عالقاً بانتظار ما سيقوله الحريري في ذكرى اغتيال والده ليُبنى على الشيء مقتضاه بالتوافق مع رؤساء الحكومات الذين يصرون على لملمة الوضع في الشارع السني وإخراجه من القلق الذي بدأ يحاصره.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.