تتعدّد تسميات شهادة التلقيح التي تصدرها السلطات الصحية في الدول الأوروبية، من «الجواز الأخضر» إلى «جواز كوفيد» أو «جواز المناعة»، بهدف تيسير حركة التنقل بين الدول الأعضاء في الاتحاد وداخلها، لكن الصعوبات التي تواجه المسافرين والسكان تزداد يوماً بعد يوم، وتكثر الشكوك حول فاعلية هذا التدبير على الصعيدين الصحي والعملي، في هذه المرحلة من الجائحة.
وكانت هذه الشهادة تحوّلت منذ أواسط العام الماضي إلى سلاح أساسي في المعركة ضد جائحة «كوفيد - 19»، وإلى أداة لا غنى عنها لعبور الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي، لكن التطورات الأخيرة في المشهد الوبائي دفعت باتجاه تعديل شروط استخدامها، وبات كثيرون في الأوساط العلمية يتساءلون حول الفائدة منها على صعيد احتواء الوباء ومن انتشار الفيروس.
ومن المقرر أن تدوم صلاحية هذه الشهادة تسعة أشهر، بدءاً من تاريخ تناول الجرعة الثانية من اللقاح، مع اشتراط تناول الجرعة المنشّطة لتمديد صلاحيتها، لكن الاتحاد الأوروبي لم يقرّر بعد تحديد مدة هذه الصلاحية في انتظار معرفة تطور الوضع الوبائي أو ظهور طفرات جديدة. ومن التساؤلات التي بدأت تطرحها الأوساط الصحية منذ فترة بإلحاح: ما الذي سيحصل إذا ظهر متحوّر جديد مقاوم ضد اللقاحات المتداولة؟ أو إذا طوّرت شركات الأدوية لقاحات أو علاجات أكثر فاعلية؟ وما مصير المصابين الذين اضطروا لتأجيل تناول الجرعة المنشّطة؟
يقول الخبراء إن شهادة التلقيح تساعد في توسيع دائرة التغطية اللقاحية، لكنها لا تمنع استمرار سريان الفيروس كما تدلّ الموجة الراهنة الناجمة عن المتحور الجديد، إذ إن «أوميكرون» قادر على إصابة الملقّحين والمعافين، الذين بدورهم ينقلون الوباء إلى آخرين.
وكان المجلس الأوروبي اعتمد هذا الأسبوع مجموعة من التدابير الجديدة بشأن شهادة التلقيح تدخل حيّز التنفيذ بدءاً من يوم الثلاثاء المقبل، لكنها توصيات تهدف إلى توحيد شروط السفر داخل الاتحاد وتحفيز الإقبال على تناول الجرعات الثلاث من اللقاحات، ويعود القرار النهائي حولها إلى الحكومات الوطنية. وكان المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها أوصى بإعطاء الجرعة المنشّطة في فترة لا تتجاوز ستة أشهر من نهاية الدورة اللقاحية الأولى، ما دفع بالمفوضية إلى تحديد صلاحية الشهادة بستة أشهر بعد تناول الجرعة الثانية وإعطاء فترة سماح من ثلاثة أشهر لتمكين حملات التلقيح الوطنية من تعديل جداولها الزمنية والمواطنين للحصول على الجرعة المنشطة.
وكان الهدف من هذه التدابير الاتجاه نحو إدارة فردية، وليست جغرافية، لمراقبة حركة المسافرين، أي التركيز على الوضع الصحي للمسافر بغض النظر عن الوضع الوبائي في المنطقة الوافد منها. لكن على الصعيد العملي، تبقى الحكومات الوطنية هي التي تحدد شروط مراقبة عبور حدودها ومعاييرها. أما منظمة الصحة العالمية التي لم تكن أبداً متحمسة لإصدار شهادات التلقيح، وذهبت مراراً حد اعتبارها مجحفة بحق الذين لا يحملونها، فهي تعترف اليوم، بعد ظهور متحور «أوميكرون» وانتشاره بهذه السرعة غير المسبوقة، أن «جواز كوفيد، برغم أنه لا يضمن عدم نقل العدوى من حامله إلى الآخرين، يوفّر قدراً أكبر من الحماية المناعية، وبالتالي يخفّف من خطر الإصابة والانتشار»، كما يقول طوني تريّا المستشار الوبائي في المنظمة.
يبقى بعد كل ذلك أن دولاً أوروبية عديدة ما زالت تفرض شروطاً على المسافرين، مثل الاختبارات السلبية الإلزامية والحجر الصحي، بغض النظر عن الوضع اللقاحي للمسافر. يضاف إلى ذلك أن الاتحاد الأوروبي لم يحدد بعد فترة صلاحية الجواز بعد تناول الجرعة المنشطة، «إذ لا توجد إلى الآن دراسات حول فاعلية الجرعة الثالثة لمنع سريان (كوفيد - 19)، رغم أن البيانات الأخيرة تحمل على الاعتقاد بأن الحماية التي تولّدها الجرعة المنشّطة قد تكون أطول من تلك الناجمة عن الدورة الأولى الكاملة من اللقاح»، كما يرد في موقع الاتحاد.
من جانبه، يقول دانييل لوبيز المدير السابق لقسم الطوارئ في منظمة الصحة العالمية إن «جواز كوفيد» ليس أداة للمكافحة الوبائية بقدر ما هو وسيلة اقتصادية لمراقبة تنقل السكان بهدف الحد من القيود مثل إجراءات الحجر الصحي، وإلى تبسيط إجراءات حركة السفر التي أصيبت بالشلل في المراحل الأولى من الجائحة، لكن هذا لا يعني أنه يوفّر حماية صحية، رغم أنه أسهم في التحفيز على تناول اللقاحات بين المشككين في فاعليتها وسلامتها أو الرافضين لتناولها. وكانت دراسة أجريت مؤخراً في إيطاليا وألمانيا وفرنسا أظهرت أنه منذ صيف العام الماضي حتى نهايته، أسهم فرض شهادة التلقيح على السفر في زيادة معدّل التلقيح في فرنسا بنسبة 13 في المائة من مجموع السكان، و6.2 بالمائة في ألمانيا، و9.7 بالمائة في إيطاليا.
ويتوقع لوبيز أن تؤدي تطورات الجائحة إلى زيادة الصعوبات في التنسيق بين تدابير المراقبة ومقتضيات المشهد الوبائي، ويشير على سبيل المثال إلى الأشخاص الذين لم يكملوا الدورة اللقاحية لأسباب صحية، أو الذين لا يستطيعون تناول اللقاح خشية الإصابة بطفرة حساسية خطرة أو الذين تعرّضوا لردة فعل شديدة بعد الجرعة الأولى، وبالتالي لا يستطيعون الحصول على شهادة التلقيح. ومن الفئات الأخرى التي ليس معروفاً بعد طريقة التعامل معها، أولئك الأشخاص الذين أصيبوا مؤخراً بالفيروس وليس بوسعهم تناول الجرعة المنشطة قبل خمسة أشهر من التعافي. وهناك عشرات الملايين من هؤلاء الأشخاص في أوروبا، تجاوزوا الأشهر التسعة من تاريخ تناول الجرعة الثانية وانتهت صلاحية جوازهم، لكنهم لا يستطيعون تناول الجرعة المنشطة لتجديده. في موازاة ذلك، صرّحت أمس نغوزي أوكونجو مديرة منظمة التجارة العالمية بأنها تعقد الأمل في التوصل إلى حل بشأن براءات اختراع اللقاحات ضد «كوفيد - 19» في غضون شهر من الآن، وقالت إن ثمّة ما يدعو إلى التفاؤل في إبرام اتفاق أولي يشكّل نقطة انطلاق مرضية بالنسبة للدول التي تؤيد تحرير البراءات وتلك التي تعترض على هذه الخطوة.
وقالت أوكونجو إن «موضوع اللقاحات معقّد جداً ونسعى إلى التقدم في معالجته»، بعد لقائها في باريس مع وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرنسيس فرانك ريستير، حيث أشارت إلى أن هناك أكثر من مائة دولة تؤيد تحرير البراءات لتيسير إنتاجها وتوزيعها، وتعد ذلك شرطاً أساسياً لتحقيق المناعة الكافية في وجه الجائحة. ومن روما، دعا البابا فرنسيس أمس (الجمعة)، إلى مكافحة الأنباء المزيّفة حول اللقاحات، واقترح تشكيل تحالف دولي للبحوث العلمية من أجل تطوير علاجات ولقاحات ضد الأمراض الناشئة، ومساعدة البلدان النامية والفقيرة في تعزيز قدراتها ومنظوماتها الصحية.
جدل أوروبي حول صلاحية «الجواز الأخضر»
ترقب لرفع براءات لقاحات «كوفيد ـ 19» خلال أسابيع
جدل أوروبي حول صلاحية «الجواز الأخضر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة