بوتين: الرد الأميركي لم يراع الهواجس الأساسية... وموسكو «تدرسه بعناية»

روسيا «لا تريد الحرب» وتهاجم «أطرافاً تسعى إلى تأجيجها»

جندي أوكراني في الصفوف الأمامية بمنطقة لوغانسك أمس (أ.ب)
جندي أوكراني في الصفوف الأمامية بمنطقة لوغانسك أمس (أ.ب)
TT

بوتين: الرد الأميركي لم يراع الهواجس الأساسية... وموسكو «تدرسه بعناية»

جندي أوكراني في الصفوف الأمامية بمنطقة لوغانسك أمس (أ.ب)
جندي أوكراني في الصفوف الأمامية بمنطقة لوغانسك أمس (أ.ب)

أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده «لم تر في النص الأميركي المقدم رداً على رسالة الضمانات الأمنية ما يراعي الهواجس الأساسية لروسيا»، لكنه أكد أنها «تدرس بعناية رد واشنطن»، متعهداً بإعلان إجراءات محددة في وقت لاحق». في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو «لا تريد الحرب في أوكرانيا»، وترك الباب مفتوحاً أمام احتمال عقد جولات إضافية للحوار مع الغرب.
وشكل حديث بوتين خلال مكالمة هاتفية أجراها أمس مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول تعليق من جانب الرئاسة الروسية على الوثيقة التي قدمتها واشنطن قبل أيام. وكان الكرملين قد أعلن أن «الرئيس اطلع بشكل تفصيلي على الوثيقة، ويستعد لطرح تقييم لها».
وأفاد بيان أصدره الكرملين، بأن بوتين أبلغ نظيره الفرنسي بأن رد واشنطن والناتو على مطالب الضمانات الأمنية «لم يأخذ في الاعتبار الهواجس الأساسية لروسيا». وتركز النقاش خلال المكالمة على نتائج جولات الحوار الروسية - الأميركية والروسية - الأطلسية وملف الضمانات التي تطالب بها موسكو على صعيد الأمن الاستراتيجي في أوروبا.
وأشار بوتين وفقاً للبيان إلى أن الجانب الروسي «يدرس بعناية الردود المكتوبة التي وردت في 26 يناير (كانون الثاني) من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على مشروعي اتفاقيتين بشأن الضمانات الأمنية، وبعد ذلك سيقرر في شأن اتخاذ إجراءات لاحقة».
لكن بوتين استبق استكمال هذه الدراسة عندما أبلغ ماكرون أن بلاده تواجه «حقيقة عدم تعامل الغرب بجدية مع المخاوف الأمنية الأساسية لروسيا في ملفي وقف تمدد الناتو شرقاً، والامتناع عن نشر أنظمة الأسلحة الضاربة بالقرب من الحدود الروسية». فضلاً عن مسألة خلافية ثالثة برزت في تعليق بوتين، وهي تتعلق بإعادة نشر القدرات العسكرية والبنى التحتية للتحالف الغربي في المواقع التي كان الحلف ينتشر فيها عام 1997، عندما تم توقيع الوثيقة الأساسية للعلاقات بين روسيا والناتو.
وتضمن حديث بوتين إشارة إلى مسألة أخرى، ترى موسكو أنها يجب أن تكون «محورية» عند محاولة إعادة ترتيب علاقات روسيا والغرب، إذ رأى الرئيس الروسي أن خطابي الرد من الولايات المتحدة والحلف الأطلسي «لم يتطرقا إلى مطلب موسكو الالتزام برزمة من الوثائق الأساسية الموقعة في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا»، في إشارة إلى مبدأ «عدم قابلية تجزئة ملف الأمن، ومحاولة أي طرف إطلاق برامج لتعزيز أمنه على حساب أمن الأطراف الأخرى».
وتطرق بوتين وماكرون إلى الوضع داخل أوكرانيا، وكرر بوتين الموقف الروسي الداعي إلى «امتثال كييف الصارم باتفاقيات مينسك وغيرها من الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً، وبالدرجة الأولى ما يخص فتح حوار مباشر مع دونيتسك ولوغانسك وإضفاء صفة قانونية ضمن مفهوم الوضع الخاص، لمناطق الشرق الأوكراني».
ولفت بيان الكرملين إلى أن الرئيسين ناقشا أيضاً الوضع حول اتفاق إيران النووي، وأشارا إلى التقارب في مواقف روسيا وفرنسا الداعمتين بنشاط لاستمرار الجهود الدولية للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة وتنفيذها، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.
كما بحث الرئيسان «بعض الجوانب العملية للتعاون الثنائي بين البلدين، بما في ذلك في مجال الطاقة النووية».
وأشار البيان إلى أن بوتين وماكرون اتفقا على «مواصلة الاتصالات الوثيقة، والحوار الروسي - الفرنسي حول مجمل قضايا الأمن الأوروبي».
ورغم أن بوتين تعمد التأكيد على مواصلة بلاده «الدراسة المعمقة» للرد الأميركي - الأطلسي على مطالب موسكو، لكن حديثه خلال المكالمة تناول عملياً غالبية النقاط التي يمكن أن تشكل أساس الرد الروسي، وفقاً لتعليق خبراء روس، ورأوا أن موسكو بدأت بوضع العناصر التي يمكن القول إنه يمكن تقريب المواقف بشأنها، في مقابل الملفات التي تبدو فيها التباينات واسعة للغاية. وكان هذا الموضوع محور نقاشات جرت خلف أبواب مغلقة أمس، لمجلس الأمن القومي الروسي برئاسة بوتين.
في غضون ذلك، تعمد وزير الخارجية توجيه رسالة بأن موسكو لا تسعى لإغلاق أبواب الحوار مع الغرب. وقال أمس إن بلاده «لا تريد حرباً في أوكرانيا»، لكنه نبه إلى «أطراف أخرى تسعى إلى تأجيج المواجهة، ورأى أن «الحرب إذا وقعت، فلن يكون ذلك بسبب مواقف موسكو».
ومع تكرار لافروف العناصر الأساسية التي أفصح عنها بوتين في تحديد نقاط الخلاف، فقد تعمد أن يكون حديثه أكثر تفصيلاً. وتوقف مطولاً عند مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة»، منتقداً «انتقائية الغرب» الذي «ينتزع» ما يحتاجه فقط من أحكام هذه الاتفاقيات.
وأوضح الوزير الروسي أنه «في أستانة عام 2010، وقبل ذلك في إسطنبول عام 1999 وقَّع رؤساء وزراء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على حزمة تحتوي على مبادئ مترابطة لضمان عدم قابلية الأمن للتجزئة». وزاد أن موسكو عندما طالبت الناتو بالتعهد كتابياً بعدم التمدد شرقاً، استندت إلى وعد شفهي كان الحلف قدمه في أوائل تسعينات القرن الماضي، لكن «قالوا لنا إن الموقف أُسيء فهمه، وإنه لا يوجد التزام موثق، لذلك عدنا إلى اتفاقيتي أستانة وإسطنبول وفيها التزام موثق وموقع عليه من قبل الرؤساء بعدم اتخاذ خطوات أحادية لأي طرف يمكن أن تضر بأمن طرف آخر». وزاد لافروف أن بلاده «لن تتراجع عن مطالبها المقدمة سابقاً في هذا الشأن»، متعهداً بأن «روسيا لن تسمح للغرب بتجاهل مصالحها المحقة».
وبرغم هذه النقطة التي تعد عقدة الخلاف الأساسي، ترك الوزير أبواب الحوار مفتوحة، وقال إن «المفاوضات بشأن الضمانات الأمنية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «الناتو» لم تنته بعد»، مرجحاً عقد جولة محادثات جديدة مع الجانب الأميركي في غضون أسبوعين.
وسُئل الوزير خلال مقابلة صحافية عن إمكانية فتح حوار مباشر مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، فقال: «إذا أراد الرئيس الأوكراني أن يناقش تطبيع العلاقات روسيا، فنحن مستعدون وندعوه إلى المجيء إلى موسكو أو سوتشي».
لكنه في الوقت ذاته، شن هجوماً مبطناً على زيلينسكي، ورأى أنه لا تحكم بالوضع، وأن هناك جهات في أوكرانيا لها مصلحة بتأجيج الأزمة وإشعال فتيل الحرب. كما لفت إلى أن «الولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا بشكل لا يوصف لدرجة أن كييف نفسها خافت من ذلك، وحتى الرئيس الأوكراني ونظامه يتم استخدامه لزيادة التوتر»، مشيراً إلى رغبة أميركية في توتير الأوضاع حول روسيا، من أجل إشغال موسكو والتفرغ لمواجهة الصين. وأعرب عن قناعة بأن «لا أحد يمكنه إجبار كييف على الالتزام باتفاقات مينسك إلا واشنطن، الطرف الوحيد القادر على ممارسة الضغط على أوكرانيا لتطبيق بنود الاتفاقات».
إلى ذلك، سُئل لافروف عن مجالات الرد الروسي في حال فشلت كل المفاوضات مع واشنطن، وما إذا كانت موسكو ستعمل على توسيع حضورها وتعاونها مع أطراف مزعجة لواشنطن مثل بلدان أميركا اللاتينية وصربيا وإيران، فقال إن موسكو «ستعزز علاقاتها مع دول أميركا اللاتينية والأطراف الأخرى المذكورة بصرف النظر عن نتيجة المفاوضات المتعلقة بشأن الضمانات الأمنية».
وزاد أن موسكو «تتعامل مع إيران والصين وصربيا وبلدان أميركا اللاتينية، كون هذه البلدان تلتزم النزاهة واحترام مبادئ الأمن الجماعي وعدم السعي إلى تأجيج التوتر» منوهاً بأن لدى روسيا علاقات مع بلدان أخرى تلتزم نفس المبادئ.
واستبعد لافروف أن تعلن موسكو اعترافاً بانفصال إقليمي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، مشيراً إلى أن بلاده وقعت اتفاقات مينسك مع ألمانيا وفرنسا، ونصت هذه الاتفاقات على احترام وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا.
ورد على سؤال بشأن خطط واشنطن لفرض عقوبات إضافية على موسكو، وقال إن «روسيا أبلغت الولايات المتحدة أن فرض عقوبات إضافية سيكون بمثابة قطع العلاقات بين البلدين». كما أشار إلى التلويح بطرد السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف، محذراً من أنه «إذا استمرت وقاحة واشنطن بشأن موضوع البعثات الدبلوماسية، فإن موسكو ستتخذ إجراءات مماثلة».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».