تلقي التطورات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط المزيد من الضوء والتنبيه إلى الأهمية الجيوسياسية لجنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إذ يشدد المراقبون على أهمية وجود دور تكاملي بين الدول المشاطئة لوقف التهديد الإيراني وتحييد الخطر الذي تمثله الأعمال الإرهابية الحوثية، بما في ذلك الخطر الوشيك الذي تمثله ناقلة النفط صافر المهددة بالانفجار وتسريب أكثر من 1.1 مليون برميل من النفط الخام.
وفي ضوء تصاعد التهديدات تسود مجموعة من التكهنات بخصوص أمن منطقة البحر الأحمر، تتعلق بحركة الملاحة وما يرتبط بها من المصالح التجارية والاقتصادية، الأمر الذي دفع لاتخاذ مجموعة إجراءات عالية المستوى من التنسيق والتفاعل على المستوى الإقليمي، مع بروز لاعبين جدد في ساحة البحر الأحمر.
تنعكس الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها البحر الأحمر على كامل المنطقة، باعتباره أنبوباً يربط الخليج بأطراف العالم عبر بوابتي قناة السويس وباب المندب، وهو ما يقوله الباحث في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية الدكتور محمد الحربي، الذي استدل خلال تعليق لـ«الشرق الأوسط» بعبور 21 ألف قطعة سنوياً في الاتجاهين تمثل 13 إلى 14 في المائة من حجم التجارة العالمية، إلى جانب الموقع الحيوي والتأثير الاستراتيجي منه منطقة جذب للقوى العالمية.
ويعتقد الباحث في الدراسات العسكرية والاستراتيجية أن تشكيل كيان دول البحر الأحمر المكون من 8 دول يعد خطوة مهمة لتحقيق وتعزيز الأمن لهذه المنطقة، بمبادرة من السعودية التي تتمتع بأكبر امتداد ساحلي محاذ للبحر الأحمر، بالإضافة إلى إطلالة اليمن على مضيق باب المندب، ما يعني الأهمية القصوى لتأمينه في وجه الاستقطابات والنيات الاستدراجية أو الاستثمارية نحو الدول الأفريقية على الضفة الأخرى للبحر الأحمر.
وأشار الحربي إلى أن «النظام الإيراني يستغل الجزر المتناثرة في البحر الأحمر وعلى ضفافه لتهريب وتمرير الأسلحة والذخائر والصواريخ لتهديد هذه الممرات الحيوية والاستراتيجية». وقال: «بات في حكم الضروري الآن أن تتكامل الدول - خاصة العربية - المشاطئة للبحر الأحمر لتأمينه من كافة منافذه، وقطع الطريق على توغل التهديدات في جزره، ومنع تمرير أجندات مزعزعة لأمن واستقرار المنطقة، خاصة أن العالم والمنطقة يموجان بأحداث وتغيرات متسارعة ومتلاحقة منذ أربعة عقود، وتحولات جذرية في النظريات الجيوسياسية خاصة ما يتعلق منها بنظرية قلب العالم التي على ضوئها أصبحت منطقتا البحر الأحمر والخليج العربي ككتلة سياسية واحدة بنهاية القرن العشرين، وأضحت قلب العالم الحديث ومحوره ومركز تأثيره».
يشدد الخبير اليمني في السلامة البحرية والأمن البحري الدكتور زين محمد زوم على الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر، سواء على صعيد الدول السبع المشاطئة أو بالنسبة للملاحة البحرية، ابتداء من باب المندب وحتى قناة السويس وخليج العقبة، لكنه يركز تحديداً على الخطر المحدق الذي تمثله السفينة اليمنية (صافر) على تدمير البيئة، والتأثير على إمدادات التجارة العالمية.
ويقول الدكتور زوم لـ«الشرق الأوسط» إن «الصراع البحري القائم مع إيران عبر ذراعها في اليمن بات يتمركز في منطقة البحر الأحمر، حيث استغلت إيران خلال السبع سنوات الماضية وجود فجوة في منظومة السلامة البحرية للدول المشاطئة، وقامت بتنفيذ مخططها عبر البوابة اليمنية».
ويضيف «أثرت التهديدات المتصاعدة لإيران على الأمن الاقتصادي لدول العالم، وذلك من خلال الوسائل التي تهدد بها إيران المنطقة بصفة خاصة والعالم بصفة عامة القنبلة المؤقتة (الناقلة صافر)، والتي تُعد الكارثة العظمى في العالم، وإن وقعت المشكلة لن يتخلص اليمن من آثارها ولو بعد 25 سنة، كما أن تأثيرها الكارثي سينعكس مباشرة على حركة الملاحة البحرية الدولية وعلى حركة مرور السفن، ومعدل مرورها في مضيق باب المندب، وهو ما سينعكس أيضا على معدل مرور السفن في قناة السويس، وكذا على عدد السفن المتجهة للدول المشاطئة بصفة خاصة ودول شرق آسيا».
ويرى الباحث اليمني زين زوم «أن الوجود الإيراني في البحر الأحمر وسعي طهران للهيمنة على باب المندب والتحكم به، وضرب مصالح الدول المشاطئة بصفة خاصة ودول العالم بصفة عامة وزراعة الألغام البحرية والتهديدات البحرية لأمن وسلامة الملاحة البحرية كل ذلك سيكون له تأثير على اقتصادات الدول وأمنها القومي والاقتصادي، وضرب تجارتها المنقولة سواء (النفطية أو الشحنات العامة للبضائع)».
ويقترح زوم «أن يقوم ممثلو الدول المطلة على البحر الأحمر، ومن ذوي المصلحة بتناول موضوع أهمية التوازن النسبي لأمن المنطقة (سياسيا واقتصاديا) من خلال تنفيذ سياسة بحرية متكاملة للعمل العربي المشترك وفق رؤية ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وأمنية مشتركة، وذلك في مواجهة الأطماع السياسية والاستراتيجية للدول الأجنبية في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، وبخاصة إيران».
كما يقترح «القيام بتأمين المنطقة على الأقل بشبكة ربط إلكترونية لتبادل المعلومات البحرية بين الدول المطلة على البحر الأحمر من أجل الحفاظ على مواردها وأمنها والسلامة البحرية فيها، مثل ما هو معمول به من خلال الدول المطلة على بحر البلطيق ودول المتوسط، وفق رؤية شاملة لجميع الأنشطة البحرية، والعمل معاً ضمن ما هو متفق عليه وفق الإطار القانوني لكل دولة، ووفق معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 التي توفر إطار العمل الرئيسي لمعظم الأنشطة البحرية والسياسية والاقتصادية للدول».
يشير الباحث اليمني ثابت الأحمدي إلى أن الأمن البحري في منطقة البحر الأحمر، مهمة الدول المطلة عليه، إضافة إلى الصومال المطلة على خليج عدن، ويرى أن من حق هذه الدول اتخاذ التدابير الكافية لقطع كل المتسللين إلى المياه الإقليمية للبحر الأحمر.
وأضاف الأحمدي في حديثه مع الشرق الأوسط «لا علاقة لإيران جيوسياسيا بالبحر الأحمر، والمجال الحيوي البحري لإيران يتوقف عند مضيق هرمز وحدوده الجغرافية فقط، وهي دخيلة على البحر الأحمر، ولا تطل على أي خليج يرتبط به، وامتدادها إلى البحر الأحمر عبر إريتريا، عن طريق ثلاث جزر إريترية استأجرتها إيران، في أرخبيل دهلك، وهي قريبة من الجزر التي تستأجرها إسرائيل هناك، ومن هذه الجزر تنطلق عمليات القرصنة والتهريب وأيضا مراقبة المياه الإقليمية للدول المطلة على البحر الأحمر، وخاصة اليمن والمملكة وجيبوتي».
وأضاف الأحمدي أن «تشكيل قوة بحرية مشتركة للدول المطلة على البحر الأحمر مسؤولية استراتيجية، تحتمها الظروف الحالية، لحفظ أمن المنطقة، من عبث الدول الدخيلة، وذلك هو المأمول من الدول الفاعلة في المنطقة وخاصة السعودية بدرجة رئيسية ثم مصر لتبني هذه الفكرة، وبصورة عاجلة، لأن التغول الإيراني بلغ مداه في البحر بعد أن بلغ كذلك في البر».
دور تكاملي مطلوب لمجابهة تهديدات جنوب البحر الأحمر
دور تكاملي مطلوب لمجابهة تهديدات جنوب البحر الأحمر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة