حماس تستنفر أجهزتها وتلاحق المحسوبين على «داعش»

بعد تفجيرات في غزة تلت مواجهات وتهديدات بين الطرفين في مخيم اليرموك

حماس تستنفر أجهزتها وتلاحق المحسوبين على «داعش»
TT

حماس تستنفر أجهزتها وتلاحق المحسوبين على «داعش»

حماس تستنفر أجهزتها وتلاحق المحسوبين على «داعش»

ذكرت مصادر فلسطينية مطلعة، أن الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس، شنت خلال اليومين الماضيين، حملة اعتقالات واسعة في صفوف متشددين في قطاع غزة، يعتقد أنهم يقفون وراء عمليات تفجير وقعت في القطاع خلال الأسابيع القليلة الماضية، ونفذت بعد خلاف كبير نشأ بين الحركة الإسلامية وتنظيم داعش، بسبب توغل الأخير في مخيم اليرموك في سوريا بداية الشهر الحالي.
وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن الحملة طالت 13 من عناصر المتشددة، على الأقل، يجري التحقيق معهم حول علاقتهم بتفجيرات غزة، فيما تم استدعاء عشرات آخرين معروفين لأجهزة حماس بمناصرتهم تنظيم داعش. وتشير الاعتقالات التي بدأتها حماس إلى تدهور كبير في العلاقات بين الحركة التي تحكم قطاع غزة، وبين المتشددين بعد فترة طويلة من الهدوء الذي تلا مواجهات «كسر عظم» بين الطرفين.
وكانت الأجهزة الأمنية التابعة لحماس، أعلنت، هذا الأسبوع، الاستنفار في غزة، وقامت بنشر حواجز ليلية في معظم مناطق القطاع، لفرض الأمن فيه ومراقبة العناصر المتشددة. واتخذ القرار في أعقاب سلسلة من التفجيرات استهدفت الجمعة والسبت مقر الحكومة الفلسطينية، ومحيط مكتب النائب العام، وبوابة المقر الرئيسي للأونروا، ومقر «السرايا» (مجمع الأجهزة الأمنية السابق).
وثمة اعتقاد واسع لدى الأجهزة الأمنية التابعة لحماس، بأن عناصر متشددة مؤيدة لتنظيم داعش هي التي تقف وراء التفجيرات، بعدما اعتقلت حماس في الأسبوع الأول من هذا الشهر، منظرين لـ«داعش» كانوا يدافعون عن اقتحام التنظيم لمخيم اليرموك. وفيما نظمت حماس مرارا، مسيرات ضد «مجازر داعش» في اليرموك، شوهدت شعارات لـ«داعش» في غزة تتحدى حماس.
وكان مسؤولون في «داعش» في سوريا دعوا إلى مواجهة الحركة الإسلامية في غزة. وكتب أبو أنس المصري، أحد المتشددين المصريين في «داعش»، على أحد المواقع الجهادية، يقول: «رسالة إلى إخواننا في الدولة الإسلامية، وخصوصا ولاية سيناء: الموحدون في غزة يتعرضون لحملة خسيسة من حماس للنيل منهم، فكونوا معهم». ومن غير المعروف ما إذا كان يوجد تنظيم بالمعنى الحرفي لـ«داعش» في غزة. وتقول حماس إنه لا يوجد مثل هذا التنظيم في القطاع.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، نظم نحو مائتين من الشبان في قطاع غزة، مسيرة منددة بالإساءة إلى الرسول الكريم، وهاجموا فيها فرنسا وتعهدوا بالانتقام منها، على خلفية مهاجمة متشددين للمجلة التي أساءت للرسول. وكان هذا أول ظهور علني لمناصرين وجهوا التحية إلى زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، وحملوا الرايات السوداء التابعة لتنظيم. آنذاك، اتهم الموقع الإعلامي الرسمي لحركة فتح، حركة حماس، لتسهيل مهمة «تنظيم داعش الإرهابي» على حد وصفه، وقال: إن منظمي المسيرة كانوا تحت حماية شرطة حماس وبإذن مسبق منها.
ورد إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة، بقوله «إن حرية الرأي والتعبير مكفولة في إطار احترام القانون والمحافظة على الأمن والنظام العام والحفاظ على الممتلكات العامة». وقبل ذلك، في ديسمبر من العام الماضي، وزعت بيانات في غزة تحمل اسم تنظيم داعش، وتدعو النساء إلى الالتزام باللباس الشرعي وإلا سَيكُنَّ عرضة وأولياء أمورهن لمحاكمة شرعية. وجاء ذلك بعد شهرين من استخدام اسم «داعش» في تفجير في المركز الثقافي الفرنسي في غزة.
أما أول ظهور لمناصري «داعش» في غزة، فكان في فبراير (شباط) من العام الماضي، عندما أعلن مسلحون في فيديو قصير مناصرة التنظيم.
وقالت مصادر قريبة من المتشددين لـ«الشرق الأوسط»، أن غالبية مناصري «داعش» الذين يؤمنون بنهجه، خرجوا من رحم المنظمات المتطرفة فعلا، وراحوا يؤمنون بـ«داعش» أكثر من جماعاتهم.
والعلاقة بين حماس والمتطرفين بشكل عام في غزة، متوترة للغاية، وشهدت على مدار السنوات الماضية مدا وجزرا وصل، في كثير من الأحيان، إلى إراقة الدم.
ومنذ تسلمت حماس قطاع غزة في 2007، بدأت حربا ضروسا ضد الجماعات المتشددة، فقتلت بعض قادتها وأبرزهم قائد الجماعة ومنظرها أبو النور المقدسي في 2009 داخل أحد المساجد، واعتقلت آخرين، بينما كانت الجماعات المتشددة ترد بإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل، متحدية حماس، وتعلن عملها المتواصل لهدم حكمها، وإقامة إمارة إسلامية بدلا منه في غزة.
وتعد حماس الجماعات المتشددة جماعات تكفيرية، وتتهمها بضرب النسيج المجتمعي، وتنفيذ أعمال قتل وحرق واستهداف لأشخاص ومؤسسات ومحال تجارية، وتصفها بـ«بذور الإرهاب»، وهو أمر نفاه المتشددون الذين لا يعترفون بحكم حماس وإسلاميته وكانوا يصفونه بالحكم «الدنيوي القائم على المصالح».
وزادت العلاقة توترا في 2012 بعدما اتهم المتشددون حماس بمساعدة أجهزة المخابرات المصرية في التحقيق مع عناصرهم في غزة حول التطورات في سيناء.
ولكن الطرفين اتفقا مع نهاية عام 2013، بشكل غير معلن، على مبادرة تهدئة برعاية رجال دين من دول عربية، وتضمنت منح المتشددين حرية العمل السياسي والعسكري والدعوي والاجتماعي وتنظيم الفعاليات المختلفة، إضافة إلى وقف عمليات الاعتقال والملاحقة كافة، وتشكيل هيئة مشتركة لمتابعة أي إشكاليات قد تقع وتتسبب في إحداث أزمات جديدة، والتزام الجماعات المتشددة بالتهدئة وقرارات حكومة حماس في هذا السياق، وما تجمع عليه الفصائل، ووقف التصريحات من جانبهم التي تقوم على التخوين والتكفير ضد حماس أو حكومتها، وعدم تنفيذ أي أعمال تخريبية داخلية في القطاع والالتزام بالحوار الدائم.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم