حرب اليمن.. الخيار الصعب من أيام المؤسس إلى «عاصفة الحزم»

الدكتور الجهيمي يرصد لـ {الشرق الأوسط} الظرف التاريخي للحرب بعد جهود سلمية ووساطات انتهت بالتفاوض وإنهاء حالة التوتر

جنود سعوديون يقومون بتجهيز آلياتهم على الحدود مع اليمن ({الشرق الأوسط})
جنود سعوديون يقومون بتجهيز آلياتهم على الحدود مع اليمن ({الشرق الأوسط})
TT

حرب اليمن.. الخيار الصعب من أيام المؤسس إلى «عاصفة الحزم»

جنود سعوديون يقومون بتجهيز آلياتهم على الحدود مع اليمن ({الشرق الأوسط})
جنود سعوديون يقومون بتجهيز آلياتهم على الحدود مع اليمن ({الشرق الأوسط})

جاء تسلسل الأحداث بخصوص «عاصفة الحزم»، التي استمرت قرابة الشهر وحققت أهدافها الاستراتيجية، وبدء عمليات «إعادة الأمل»، لتعيد ذات المشهد في الحرب السعودية - اليمنية، أيام المؤسس الملك عبد العزيز قبل ثمانية عقود ونصف العقد، عندما لجأ إلى الحرب مع اليمن لحماية بلاده، ترتب عليها احتلال مناطق سعودية، وواجه الملك المؤسس هذه المشكلة في بدايتها بأسلوب سلمي، ووساطات عربية ودولية، وعندما وجد الملك أن هذه الخيارات لم تجد لجأ إلى الحرب كخيار صعب، لكن هذه الحرب حققت أهدافها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاقيات بين البلدين لعل أهمها اتفاقية الطائف التي أنهت حالة التوتر بين البلدين ورسمت طبيعة العلاقات بينهما، ليعود المشهد ذاته اليوم في الحالة اليمنية من خلال «عاصفة الحزم» التي قادها الملك سلمان، ونجحت في تحقيق أهدافها بكل كفاءة وتقدير وفرض السيطرة الجوية لمنع اعتداء ضد السعودية ودول المنطقة.
ورصد الدكتور ناصر الجهيمي نائب الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز والباحث والمؤرخ المعروف، الظروف التي أجبرت الملك عبد العزيز على الدخول في الحرب مع اليمن، وما تمخضت عنه هذه الحرب، مشددًا على أن الملك سلمان بن عبد العزيز نجح في تحقيق «عاصفة الحزم»، حيث سعى إلى العودة القوية لمبادئ الدولة التي قامت قبل نحو قرن وعقدين، وإلى الجمع بين الحزم واللين، كما تطلب الظرف التاريخي أحدهما أو كلهما.
بدأ الدكتور الجهيمي حديثه لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «في رسالة إلى ملوك الإسلام وحكوماتهم بعد ضم مكة المكرمة عام 1925م يقول الملك عبد العزيز (إنني لست من المحبين للحرب وشرورها وليس لدي أحب من السلم والسكون والصفاء والهناء والتفرغ للإصلاح)».
ومن هذه العبارة يتضح منهج الملك عبد العزيز وموقفه من الحرب مع أنه خاض معارك كثيرة بدءًا من 1902م حين استرداد الرياض وحتى 1934م، حيث جرت أحداث الحرب مع اليمن والتي انتهت بمعاهدة الطائف 20 مايو (أيار) من العام ذاته وقد جرت خلال هذه الفترة التي امتدت لأكثر من خمسة وثلاثين عامًا تحركات عسكرية تفاوتت بين حملات وغزوات ومعارك امتد بعضها نحو سنة مثل حصار جدة.
وزاد بالقول: «لذلك لا بد من دراسة الظروف التي أجبرت الملك عبد العزيز على الدخول في كل معركة على حدة، فالقائد العربي المسلم الذي بدأ مشوار استرداد ملك آبائه كان يقدّم الدخول إلى البلدان بالسلم على الحرب ومضرّات المعركة، والدليل على ذلك أنه كان يستعين بخصومه الذين كان بعضهم قد دخل معه في معارك وحروب في العمل معه على إدارة شؤون البلاد، فالحرب في فكر الملك عبد العزيز هي وسيلة أخيرة وأسلوب إجباري لاسترداد الحكم، خصوصًا بعد أن تعالت في الأفق أصوات ورسائل من أفراد وأعيان وحاميات تدعوه لدخول بلدانهم لأسباب مختلفة ولما شاع عنه من حلم ورأفة وحكمة وخلق عال في التعامل».
ويضيف: «فسياسة الملك عبد العزيز التي وضحت معالمها وأهدافها بعد توحيده الحجاز في عام 1925م سياسة يمثل فيها الإسلام ركيزة أساسية على المستويين الإقليمي والدولي، فهي تنشد المصلحة الإسلامية على المستوى العالمي، وتهتم بالمبادئ الإسلامية اهتمامها بمصالحها الذاتية المرتبطة أساسًا بالإسلام وأهله، فالمطلع على سيرة الملك عبد العزيز، وعلى خطبه وأقواله وأفعاله يرى مدى تدينه، وتمسكه بمبادئ الدعوة الإسلامية الصحيحة».
ولفت الدكتور الجهيمي إلى أن السياسة الخارجية بالنسبة للملك عبد العزيز ثوابت تقوم على المبادئ والأخلاق، وتلتزم التزاما مطلقًا بالمنهج الإسلامي إطارًا وسلوكًا، وبالحفاظ على المقدسات الإسلامية، واعتبار عقيدة المملكة العربية السعودية ومصالحها فوق كل اعتبار، وتلتزم بالحفاظ المطلق على حقوق المسلمين والعرب - أكثريتهم وأقليتهم - فقد طالب وبإصرار بأن تحترم الدول الأوروبية التي تسيطر على بعض البلاد الإسلامية تعهداتها تجاه تلك البلاد، وأن تحافظ على حقوق الأقليات المسلمة التي تعيش بينها، مضيفًا بالقول وكل ذلك يوضح للمتأمل عمق التمازج بين الجانبين السياسي والديني في سياسة الملك عبد العزيز الخارجية فلا إفراط ولا تفريط في معادلة موزونة لا تختل فيها القيم الدينية ولا تضيع معها الحقوق السياسية.
وأوضح نائب الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز أن سياسة النفس الطويل والصبر المدعوم بالحلم تتضح في السياسة الخارجية للملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - للصالح العربي والإسلامي في الحرب السعودية - اليمنية عام 1352ه، فقد بدأت المشكلة عندما توحدت منطقة عسير مع بقية أجزاء المملكة العربية السعودية عام 1338ه، وأصبحت منطقة جازان تحت الحكم السعودي مع بقاء إمارة الإدريسي بها، وفي عام 1354ه احتلت قوات الإمام يحيى حاكم اليمن حينها مناطق سعودية حول الحديدة وجبل العرو، وواجه الملك عبد العزيز هذه المشكلة بأسلوب سلمي، وطلب من الإمام يحيى الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتباحث في موضوع العلاقات بين الطرفين. ونتج عن هذا الطلب توقيع اتفاقية جبل العرو في عام 1931م التي سلّم بموجبها الإمام يحيى المناطق السعودية، وسحب قواته منها، دون اللجوء إلى القوة، كما تضمن الاتفاق تبادل تسليم المجرمين، ثم قامت اليمن بتحركات أخرى في محاولة لدخول نجران فحاول الملك عبد العزيز حل المشكلة مع اليمن بالطرق السلمية فأرسل الكثير من الممثلين والوسطاء للتفاوض، إلا أن الإمام يحيى رفض الوسائل السلمية. كما أعطى الملك عبد العزيز فرصة الوفود العربية التي جاءت إلى الرياض للتوسط بين الطرفين، ولكن الإمام يحيى أصر على مواقفه السياسية والعسكرية، وبعد أن يئس الملك عبد العزيز من قبول الإمام يحيى للتفاوض السلمي أمر بتحريك قواته تجاه الحدود مع اليمن بغرض استرجاع الأراضي السعودية، وإنهاء المشكلة التي أزعجت الملك عبد العزيز كثيرًا، وتمكنت القوات السعودية عام 1352ه من استرداد الأراضي السعودية والتوغل داخل الأراضي اليمنية دون مقاومة تذكر، مما دعا الإمام يحيى إلى طلب التفاوض وهو الشيء الذي كان يميل إليه الملك عبد العزيز منذ بدء المشكلة، وبدأت المفاوضات بين الطرفين وانتهت بتوقيعهما معاهدة الطائف في 20 مايو 1934م، وتضمنت المعاهدة 33 مادة، من أبرزها تلك التي تتعلق بإنهاء حالة الحرب بين الجانبين، واعتراف الإمام يحيى بسيادة الأراضي السعودية التي سبق انتزاعها، وتحديد الحدود بين البلدين.
وشدد الجهيمي على أن هذه الحادثة التاريخية تعكس حقيقة مهمة وهي أن الأسلوب العسكري لم يكن الخيار المفضل للملك عبد العزيز فالتفرغ للإصلاح وإعمار بلاده، وتنمية المجتمع وتطويره هي الخيار الأول، فهو طلب الإمام يحيى إلى التفاوض وقبل وساطة الوفود العربية ثم لجأ إلى الحرب لجوء المضطر فالسيادة أولى ركائز الحكم الشجاع وخدشها أولى خطوات الانهيار، وعلى الرغم من توغل القوات السعودية في اليمن دون مقاومة تذكر إلا أن الملك عبد العزيز أمرها بالانسحاب إلى حدود الأراضي السعودية وهذا يدل دلالة كبرى على أنه لم يكن طامعًا أو راغبًا في الأراضي اليمنية إلا أن الحزم يتطلب إثباته في المواقف التاريخية الصعبة وإلا ضعف عود الدولة ووهن أسها وأساسها وترهلت تدريجيًا.
وأضاف: «الحادثة أيضا ربطت في ذهني وأنا الباحث في بحر التاريخ العميق والمتلاطم بين (عاصفة الحزم) الشجاعة بما حققته من تحالف عربي وإحقاق الشرعية للرئيس اليمني لأنه جزء لا يتجزأ من الثبات العربي وأن إعادته لنصابه يحفظ للمنطقة صمودها وعمودها، ويحافظ على سورها ضد المتسللين بأفكار بغيضة أو بأسلحة حاقدة أو بنيات مشوهة ومعوقة أو ولاءات خارجية ضد الدين والعروبة والوحدة الإسلامية القائمة على مبادئ العدل والكرامة وصد المعتدين وتأديب الخارجين عن هذا الكيان العربي المسلم، أقول ربطت بين عاصفة الحزم وبين ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في أحد لقاءاته مع العلماء والمشايخ وطلاب العلم بما معناه أن بلاده ستكون أكثر ارتباطًا بالأسس الفكرية والتاريخية للدولة السعودية الحديثة التي أسسها الملك عبد العزيز، ولا شك أن منها السياسة الخارجية للسعودية التي تفضّل السلم على الحرب، والتفاوض على السلاح، والجمع العربي والإسلامي من الفرقة والاختلاف».
وقال: «وفق الله (عاصفة الحزم) لأهدافها وسدد قائد تحالفها العربي الأشم ورائدها خادم الحرمين الشريفين إلى ما سعى إليه من العودة القوية إلى مبادئ الدولة أول ما نشأت عام 1902م وإلى الجمع بين الحزم واللين كلما تطلب الظرف التاريخي أحدهما أو كليهما، فـ(عاصفة الحزم) قائمة تلوب قلوب المرجفين ومن جانب آخر فإن المساعدات الإنسانية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين مستمرة لمن يستحقها من الشعب اليمني، وهذا دليل يعكس أن الحرب ليست هدفًا بحد ذاته بل وسيلة للحفاظ على اليمن الشقيق عنوان العرب والحكمة».



حفل استقبال في السفارة السعودية بباريس بمناسبة اليوم العالمي للتضامن الإنساني

سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)
سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)
TT

حفل استقبال في السفارة السعودية بباريس بمناسبة اليوم العالمي للتضامن الإنساني

سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)
سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)

اغتنم سفير المملكة السعودية في باريس، فهد الرويلي، مناسبة حفل الاستقبال الذي دعا إليه في دارته بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني، الذي يحل كل عام في العشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول)، ليؤكد أن المملكة العربية السعودية «تضع التضامن الإنساني والحوار في صميم عملها الوطني والدولي» بعدّهما «قيماً متجذّرة بعمق في ثقافتها ومبادئها الدينية، وتشكّل ركيزة أساسية في رؤيتها المستقبلية الجديدة، رؤية السعودية 2030». واستطرد السفير السعودي قائلاً «إن التضامن الإنساني ليس مجرد مبدأ أخلاقي، بل هو مسؤولية جماعية تقوم على الاحترام والتعاون والتكافل بين الشعوب دون تمييز»، حيث إن «إنسانيتنا مشتركة ومستقبلنا واحد».

انطلاقاً من هذه المبادئ، أشار السفير الرويلي إلى ما تقدمه المملكة من مساعدات عبر العالم «دون تمييز على أساس الأصل أو الدين»، حيث يلعب مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية «دوراً رائداً في تقديم المساعدات الغذائية، والرعاية الطبية، والتعليم، والمساعدات الطارئة في زمن الأزمات، كما يقوم الصندوق السعودي للتنمية بتمويل 741 مشروعاً في 93 دولة عبر العالم».

سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي في حفل الاستقبال (الشرق الأوسط)

ونوه السفير الرويلي بالدور الذي تقوم به المنظمات والجمعيات السعودية في مختلف مجالات العمل الإنساني، ذاكراً منها مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية أو رابطة العمل الإسلامي التي تتخذ من مكة المكرمة مقراً لها وهي تعمل بشكل خاص على «مكافحة التطرف والتشدد وخطابات الكراهية». وقد أثبتت الرابطة أهليتها، ما يعكس اعتراف الأمم المتحدة بدورها وتسميتها عضواً استشارياً ومراقباً لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. كما أشار السفير الرويلي لدور المملكة في تقديم المساعدات في مناطق عديدة للمدنيين في غزة، وسوريا، ولبنان، وصولاً إلى أوكرانيا وغيرها.

أما على صعيد الحوار، فقد شرح السفير الرويلي دور بلاده الفاعل في تعزيز ثقافة الحوار خصوصاً بين الأديان والثقافات ودعمها الدائم «للمبادرات الرامية إلى تعزيز التفاهم المتبادل، ومكافحة التطرف، وترسيخ قيم التعايش السلمي بين الشعوب»، فيما تعكس رؤية 2030 «تشجيع الانفتاح، والتعاون الدولي، والشراكات المتعددة الأطراف، من أجل بناء مجتمعات أكثر عدلاً وتسامحاً وقدرة على الصمود».

وشدد السفير على أن «التضامن الإنساني والحوار الصادق يشكّلان ركيزتين أساسيتين لتحقيق السلام والاستقرار والازدهار على مستوى العالم»، خصوصاً أن نظرة فاحصة تبين كم أن عالم اليوم يعاني من أزمات ونزاعات وإرهاب... الأمر الذي يبين الحاجة إلى التضامن البشري والإنساني لغرض «صون السلام والاستقرار والكرامة الإنسانية».

وفي السياق عينه، أبرز السفير الرويلي التزام بلاده بـ«تعزيز التنمية المستدامة، والتعاون الدولي، والحوار بين الثقافات»، وأنها «تؤمن إيماناً راسخاً بأن التضامن الإنساني ركيزة أساسية لبناء عالم أكثر عدلاً وأمناً وازدهاراً». ومن من الفعاليات التي أقامتها الرياض في هذا السياق انعقاد «المنتدى العالمي الحادي عشر لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة»، مؤخراً، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من كبار المسؤولين والشخصيات المرموقة من مختلف أنحاء العالم، الذي يهدف إلى تعزيز الاحترام والتفاهم بين الثقافات والأديان.

حضرت الحفل شخصيات دبلوماسية ودينية واجتماعية وإعلامية عربية وأجنبية مرموقة ومتعددة المشارب، ما يعكس بمعنى ما، صورة مصغرة عن التلاقي والتضامن الإنسانيين.


الرئيس الفرنسي في زيارة مزدوجة الأهداف إلى أبو ظبي

الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الفرنسي في زيارة مزدوجة الأهداف إلى أبو ظبي

الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

ما بين لبنان والإمارات العربية المتحدة، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبو ظبي للقيام بالزيارة التقليدية للقوات الفرنسية المنتشرة خارج البلاد بمناسبة أعياد نهاية السنة. كان الخياران مطروحين، ففي جنوب لبنان، تشارك وحدة فرنسية من 700 رجل في قوة «اليونيفيل» المنتشرة جنوب لبنان. وتعد فرنسا من أقدم الدول التي أسهمت في القوة الدولية بمسمياتها المختلفة منذ عام 1978.

ولفرنسا في الإمارات قاعدتان عسكريتان بحرية وجوية {الظفرة) وقوة برية من 900 رجل. وأفاد الإليزيه بأن زيارة الرئيس الفرنسي ستكون ليومين (الأحد والاثنين)، ومن شقين: الأول، زيارة رسمية مخصصة للعلاقات الثنائية بين باريس وأبو ظبي، وسيتوِّجها اجتماع مرتقب، الأحد، بين ماكرون ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد لبحث الملفات المشتركة. ويقوم بين الطرفين حوار استراتيجي ــ سياسي رفيع المستوى. والشق الثاني لتفقد القوة العسكرية الفرنسية؛ حيث من المقرر أن يتوجه بخطاب إلى العسكريين بهذه المناسبة سيعقبه عشاء تكريمي أعده تحديداً مطبخ الإليزيه. وسترافق ماكرون وزيرة الدفاع كاترين فوترين. ومن ضمن برنامج الزيارة، حضور ماكرون نشاطاً عسكرياً في إحدى القواعد الصحراوية للقوة الفرنسية، ويرجح أن تشارك فيها قوة إماراتية على غرار التمارين العسكرية المشتركة بين الطرفين لتنسيق المواقف إزاء الأزمات الإقليمية والملفات الساخنة.

جنود فرنسيون يقومون بمناورة بدبابات من طراز «لوكلير» في مدينة زايد العسكرية 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

باريس وأبو ظبي تعاون وثيق

ترتبط فرنسا والإمارات بعلاقات استراتيجية قوية ومتنوعة؛ إذ تشمل الجوانب السياسية والدفاعية والاقتصادية والتجارية والثقافية. ومنذ عام 2009 وقّعت باريس وأبو ظبي اتفاقاً دفاعياً ما زال قائماً، ويرفده تعاون وثيق في مجال التسليح، حيث وُقِّعت بين الطرفين عقود بالغة الأهمية آخرها عقد حصول الإمارات على 80 طائرة قتالية من طراز «رافال» التي تصنعها «شركة داسو». ووُقّع العقد في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021، وتبلغ قيمته الإجمالية مع الصيانة والتدريب 16.6 مليار يورو. ومن المنتظر أن تتسلم القوات الجوية الإماراتية أول النماذج بدءاً من عام 2026، بينما تنتهي عملية التسليم في عام 2031. ويشمل التعاون الدفاعي القيام بتمارين عسكرية مشتركة غرضها تسهيل التعاون بين جيشي البلدين. وما يدفع في هذا الاتجاه أن القوات الإماراتية تستخدم كثيراً من الأسلحة والمعدات التي تستخدمها القوات الفرنسية في قطاعي الطيران والعربات المصفحة والدبابات.

ليس القطاع الدفاعي والاستراتيجي وحده يستأثر بالتعاون الثنائي؛ فالطرفان يرتبطان بشراكة استراتيجية في قطاع الطاقة الذي يشمل، إلى جانب النفط، الطاقات المتجددة والنووية والهيدروجين, وبالتوازي، ثمة تعاون في قطاع الذكاء الاصطناعي.

كما طور الطرفان التعاون الأكاديمي (جامعة السوربون)، والثقافي (متحف اللوفر أبو ظبي) والصحي. ومن الجانب التجاري، تعد الإمارات الشريك الأول لفرنسا في منطقة الخليج؛ حيث بلغت قيمة المبادلات، العام الماضي، 8.5 مليار يورو. وتتركز المشتريات الإماراتية على الطائرات والتجهيزات والمكونات الكيميائية والعطور والمستحضرات الطبية والتجميلية والثياب والأقمشة. وتفيد وزارة الاقتصاد بأن ما لا يقل عن 600 شركة فرنسية تعمل في الإمارات، وتوفر فرصاً لآلاف المتخصصين والعمال.

صورة لأحد التمرينات العسكرية التي قام بها الجنود الفرنسيون المرابطون في دولة الإمارات بمناسبة المناورات التي تُجرى سنوياً (أ.ف.ب)

مهمات القوة الفرنسية في الإمارات

تؤكد مصادر الإليزيه أن اختيار أبو ظبي يعود لرغبة فرنسية في إظهار أن باريس، رغم تركيزها على الأزمة الأوكرانية التي تهم أمنها وأمن القارة الأوروبية، ما زالت «تواصل جهودها العسكرية، السياسية والدبلوماسية، على مستوى العالم بأسره، في كل مكان ترى فيه تهديداً لمصالحها وقيمها». ومن جانب آخر، ترى باريس أنها معنية بالأزمات والتحديات الأمنية القائمة في المنطقة سواء كان من بينها أمن الخليج والممرات المائية والتحديات التي يمثلها الحوثيون أو الإرهاب ممثلاً بتنظيم «داعش» الذي عاد إلى البروز في الشهر الأخيرة. وفي هذا السياق، تشير المصادر العسكرية في الإليزيه إلى أن القوات الفرنسية تشارك في «عملية شمال»، وهي جزء من التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب. كذلك، فإنها جزء من «العملية الأوروبية أسبيدس» المنخرطة في حماية حركة الملاحة البحرية من هجمات الحوثيين.

من هذه الزاوية، يمكن تفهُّم حرص ماكرون على التوجه إلى الإمارات التي تعد، وفق مصادر الأليزيه «موقعاً محورياً تتقاطع حوله الأزمات كما يعكس اهتمامنا الكبير بهذه المنطقة الجغرافية الرئيسية من أجل الاستقرار الإقليمي وحماية الحركة الملاحية وأمن العراق والعلاقة مع إيران ومكافحة الإرهاب». وتشير المصادر الفرنسية إلى الحرب مع إيران، وللدور الذي قامت به الطائرات الفرنسية في محاربة «داعش» زمن احتلالها جزءاً من العراق، فضلاً عن محاربة أنشطة المرتزقة البحرية في المنطقة. وركزت المصادر المشار إليها على وجود «هيئة أركان فرنسية مشتركة» يرأسها الأميرال هيوغ لين، قائد القوة الفرنسية في الإمارات، ولكن أيضاً القوة الفرنسية العاملة في المحيط الهندي لمحاربة عمليات القرصنة والتهريب متعدد الأنواع.


عبدالله بن زايد يشدد على وقف فوري لإطلاق النار بالسودان

الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)
الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)
TT

عبدالله بن زايد يشدد على وقف فوري لإطلاق النار بالسودان

الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)
الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)

جدّد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، التأكيد على أن الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، وضمان وصول إنساني آمن من دون عوائق إلى المدنيين، يمثلان أولوية قصوى في ظل تفاقم الاحتياجات الإنسانية واتساع دائرة المعاناة.

ورحّب الشيخ عبد الله بن زايد بتصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن السودان، التي شدد فيها على أن الهدف العاجل لواشنطن يتمثل في وقف الأعمال العدائية مع دخول العام الجديد بما يسمح للمنظمات الإنسانية بإيصال المساعدات إلى مختلف أنحاء البلاد.

وأثنى وزير الخارجية الإماراتي على ما تضمنته التصريحات الأميركية من تركيز على دفع مسار التهدئة الإنسانية والتخفيف من وطأة الأزمة، مؤكداً أن أي تقدم عملي يبدأ بوقف إطلاق النار على نحو عاجل، بما يوفر حماية للمدنيين ويؤسس لتهيئة بيئة سياسية أكثر قابلية للحل. كما رأى أن تثبيت الهدنة الإنسانية وفتح الممرات أمام الإغاثة «يمهدان الطريق» لمسار سياسي يفضي إلى انتقال مدني مستقل يحقق تطلعات السودانيين في الأمن والاستقرار والسلام.

وفي هذا السياق، أكد الشيخ عبد الله بن زايد التزام دولة الإمارات بالعمل مع المجموعة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة، ضمن جهود تستهدف دعم مسار سياسي مدني مستدام يضع مصلحة الشعب السوداني فوق كل اعتبار.

وكان روبيو قد قال في مؤتمر صحافي إن بلاده منخرطة «بشكل مكثف» مع أطراف إقليمية، لافتاً إلى محادثات أجرتها واشنطن مع مسؤولين في الإمارات والسعودية ومصر، وبالتنسيق مع المملكة المتحدة، في إطار الدفع نحو هدنة إنسانية تسمح بتوسيع عمليات الإغاثة.