«الدستور الليبي» يعود مجدداً لدائرة المماحكات السياسية

هيئته التأسيسية ترفض قرار رئيس «النواب» إعادة صياغته ثانية

صورة لبعض أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي (صفحة الهيئة التأسيسية)
صورة لبعض أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي (صفحة الهيئة التأسيسية)
TT

«الدستور الليبي» يعود مجدداً لدائرة المماحكات السياسية

صورة لبعض أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي (صفحة الهيئة التأسيسية)
صورة لبعض أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي (صفحة الهيئة التأسيسية)

بات يتحتم على الليبيين الانتظار نحو عام على الأقل لحين تجاوز عقبة المسار الدستوري، الذي أفشل إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده نهاية العام الماضي، في ظل تصاعد الجدل راهناً بين الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح حول «لجنة الخبراء»، التي أمر بتشكيلها لإعادة صياغة الدستور من جديد.
وتجاهلت غالبية الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي طوال السنوات الخمس الماضية التعاطي مع فكرة الاستفتاء الشعبي على الدستور، لكن فور تعثر إتمام الاستحقاق الرئاسي عاد الجميع للتعلل بضرورة وجود دستور للبلاد يستبق إجراء الانتخابات، وسط انقسام بين من يريد الاستفتاء على المسودة الحالية بعد تعديلها، وآخرين يؤكدون ضرورة صياغة الدستور من جديد بواسطة «لجنة خبراء»، وهو الخيار الذي تزعمه رئيس مجلس النواب.
وردّت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور على قرار صالح بأنها منتخبة من الشعب الليبي، وتتكون من 60 شخصاً، يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة بالتساوي، و«تتمتع باستقلالية، ولا تتبع أي سلطة بالبلاد».
ودافعت الهيئة عن حقها الدستوري بالقول إنها «صاحبة الاختصاص الأصيل، دون غيرها، وإنها هي التي تتولى مهمة صياغة الدستور الدائم للبلاد، وفقاً لما نص عليه الإعلان الدستوري المؤقت، وتعديلاته وأحكام القضاء الليبي».
واعتبرت الهيئة، في بيان لها، أمس، أن قرار صالح تشكيل لجنة لصياغة الدستور عوضاً عن الهيئة التـأسيسية «يعد مخالفة صارخة للإعلان الدستوري المؤقت»، و«يشكل افتئاتاً على الشعب الليبي، الذي اختار الهيئة في انتخابات حرة ونزيهة»، معتبرة أن قرار صالح يعد أيضاً «تجاوزاً متعمداً لصلاحياته»، وأنه «لا يحق له أو للمجلس مجتمعاً، أو لأي جهة أخرى، المساس بالوضع القانوني للهيئة التأسيسية، أو بالمسار الدستوري، سواء بالتعديل أو الإلغاء، وإنفاذ ذلك بأثر رجعي بغية نزع اختصاصات الهيئة التأسيسية عنها، وإعطائها لجسم آخر موازٍ لا يستند إلى أي شرعية دستورية».
وصعّدت الهيئة في البيان، الذي وقّع عليه 43 عضواً، من رفضها، داعية «الجهات الوطنية والدولية كافة إلى عدم التعاطي مع مقترحات رئيس مجلس النواب، أو الاعتراف بها، لمخالفتها الوثائق الدستورية، وما استقرت عليه أحكام القضاء الليبي»، وقالت بهذا الخصوص: «مثل هذه الأعمال تشكل منعرجاً خطيراً قد يعصف بالمسار الدستوري بالكامل، وتتسبب في ازدياد حالة الانقسام وعدم الاستقرار في البلاد، وإطالة أمد الأزمة الليبية وتعقيدها».
وعاد الجدل حول الدستور ومسودته، بعدما دعا رئيس مجلس النواب إلى تشكيل لجنة من 30 مثقفاً وكاتباً ومفكراً وأكاديمياً، مختصاً بالقانون الدستوري، يمثلون الأقاليم الثلاثة لإعادة صياغة الدستور، وقال في جلسة برلمانية عقدت منتصف الأسبوع الماضي إنه «لم يعد مقبولاً فرض مسودة دستور يرفضها الليبيون». موضحاً أن اللجنة «ستساندها خبرات عربية ودولية لصياغة دستور توافقي حديث، يلبي رغبات الليبيين كافة، وقادر على تأسيس دولة ديمقراطية، على ألا تزيد مدة عمل اللجنة على شهر منذ مباشرة مهامها». لكن سياسيين ونواباً يرون أن هذه المهمة قد تستغرق نحو عام على الأقل، حال نجاح هذه المهمة، وعرض المسودة الجديدة للاستفتاء الشعبي، دون اعتراضات.
وبالنظر إلى المناوئين لمجلس النواب وقراراته، فإن الاتجاه لإعادة صياغة الدستور مرة ثانية، وليس تعديل المسودة الحالية، أمر مختلف عليه، إذ سبق أن اتفق خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، مع أعضاء «لجنة التواصل بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور» على «ضرورة استكمال المسار الدستوري بإجراء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور من قبل الشعب الليبي»، وأرجع ذلك لكون الهيئة التأسيسية كياناً منتخباً من قبل الشعب، أُوكلَت إليها مهمة صياغة مشروع الدستور وإعداده.
وفور فشل إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عاد عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، للتمسك بوجود دستور ليبي قبل إجراء أي استحقاق، معتبراً حينها أن مشكلة ليبيا تمكن في «عدم وجود قاعدة دستورية أو دستور، وهذا ما أدى إلى عدم إجراء الانتخابات في موعدها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.