في أفغانستان «اليائسة»... الأطفال والكلى مقابل الطعام

الأفغان يلجأون الآن إلى إجراءات يائسة لإطعام أنفسهم وعائلاتهم (أرشيف - أ.ف.ب)
الأفغان يلجأون الآن إلى إجراءات يائسة لإطعام أنفسهم وعائلاتهم (أرشيف - أ.ف.ب)
TT

في أفغانستان «اليائسة»... الأطفال والكلى مقابل الطعام

الأفغان يلجأون الآن إلى إجراءات يائسة لإطعام أنفسهم وعائلاتهم (أرشيف - أ.ف.ب)
الأفغان يلجأون الآن إلى إجراءات يائسة لإطعام أنفسهم وعائلاتهم (أرشيف - أ.ف.ب)

بعد انسحاب القوات الغربية من أفغانستان العام الماضي، تولت حركة «طالبان» زمام الأمور في البلاد. بما تسبب في حدوث تدهور حاد في أوضاع البلاد الاقتصادية، حيث تحركت القوى العالمية والمؤسسات المالية الدولية، لحجب أو تجميد أصول بمليارات الدولارات ومساعدات مالية عن الحكومة الجديدة التي لا تحظى باعتراف دولي.
ويلجأ الأفغان الآن إلى إجراءات يائسة لإطعام أنفسهم وعائلاتهم، من بينها بيع الأطفال والكلى، وفقاً لما ذكرته شبكة «سكاي نيوز» البريطانية.

وتحدثت «سكاي نيوز» إلى عدد من المواطنين الأفغان الذين اضطروا للقيام بهذه الإجراءات. وفي إحدى الحالات، قال 5 أشقاء (3 أولاد وبنتان) إنهم عرضوا إحدى كليتيهم للبيع مقابل نحو 1540 دولاراً لشراء الطعام لبقية أفراد الأسرة.
وداخل قرية على مشارف مدينة هرات، اضطر عدد كبير من الرجال والنساء لبيع كليتهم أيضاً، حيث رأوا أن هذه هي الطريقة المثلى للحصول على الأموال لإطعام أطفالهم، مع قرب المنطقة من الحدود الإيرانية ووجود العديد من المشترين عبر الحدود، حيث أشار أولئك المواطنون إلى أن تجارة الكلى مربحة جداً في هذه المنطقة.
وتشكو النساء في هذه القرية من انخفاض أسعار أعضائهن مقارنة بالرجال، حيث تباع كلية النساء بنحو 1500 دولار مقارنة بـ2000 دولار للرجال.

ومن جهتها، قالت سيدة لديها 8 أطفال إنها وزوجها قاما ببيع كليتيهما وإنها بدأت مؤخراً في التفكير في بيع أحد أطفالها.
وأضافت باكية: «منذ نحو 6 أشهر، مات أحد أبنائي، الذي كان يبلغ العمر ثلاث سنوات، من الجوع. لا أستطيع أن أراهم جميعاً يفقدون حياتهم. إذا قمت ببيع أحدهم إلى أسرة غنية قد أضمن على الأقل أن شخصاً آخر سيطعمه، وسأقوم بجلب الطعام لبقية أطفالي».

وقال زوج السيدة إنه لم يقرر بعد أي طفل سيبيعه، لكنه أشار إلى أن الأمر المحبط هو أن نجله سيباع بسعر أقل من السعر الذي باع به كليته.
وتابع: «لم يبق لدينا شيء نبيعه. علينا أن نبيع أطفالنا الآن وأنا على استعداد للقيام بذلك حتى مقابل 20 ألف أفغاني (200 دولار أميركي). لا أستطيع أن أنام كل ليلة معهم وهم يبكون بسبب الجوع».

ومن جهتها، تنفي حركة «طالبان» بيع المواطنين لكليتهم وأطفالهم، قائلة إن «هذه المزاعم هي مجرد أسطورة غربية، يروج لها الإعلام الغربي غير النزيه» لتشويه سمعتها.
وبالإضافة لأزمة الجوع، يواجه الأفغان أزمة أخرى تتمثل في نقص العلاجات بالمستشفيات.
وقال الدكتور محمد عقل حليمي من مستشفى هرات الإقليمي في مدينة هرات، إن المستشفى لا تتوفر به ضمادات كافية لمرضى الحروق الذين يأتون إلى المستشفى، والذين زاد عددهم في الفترة الأخيرة بسبب النيران المكشوفة التي أصبحت العائلات تستخدمها للتدفئة في الشتاء.
وأشار حليمي إلى أن بعض هذه الحروق تكون خطيرة للغاية، ولكن نظراً لأن معظم المواطنين غير قادرين على دفع ثمن العمليات الجراحية أو الأدوية اللازمة لعلاج هذه الحروق، فإنهم غالباً ما يبقون في منازلهم دون علاج الأمر الذي يتسبب في وفاة الكثير منهم.
وأضاف: «لدي شعور سيء. لأن الأمر كله يرجع إلى نقص المواد... لدي القدرة على معالجة هذه الجروح والمشكلات الصحية الخطيرة ولكن نقص المواد والضمادات يجعلني غير قادر فعلياً على مساعدتهم».
ويواجه أكثر من نصف سكان أفغانستان، البالغ عددهم 8.‏22 مليون نسمة، الجوع الشديد، وفقاً لتحليلات الأمم المتحدة، وهناك أكثر من 7.‏8 مليون منهم على وشك التعرض لمجاعة.
ويتوقع بعض الخبراء أن ملايين الأشخاص قد يموتون جوعاً في البلاد هذا الشتاء.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟