مطالبة بإعادة دفن رفات ضحايا «مجزرة الطنطورة» حسب الشريعة

آدم راز المؤرخ الإسرائيلي الذي يعمل في أرشيف الدولة يعرض صورة قديمة لفلسطينيين من قرية الطنطورة (أ.ف.ب)
آدم راز المؤرخ الإسرائيلي الذي يعمل في أرشيف الدولة يعرض صورة قديمة لفلسطينيين من قرية الطنطورة (أ.ف.ب)
TT

مطالبة بإعادة دفن رفات ضحايا «مجزرة الطنطورة» حسب الشريعة

آدم راز المؤرخ الإسرائيلي الذي يعمل في أرشيف الدولة يعرض صورة قديمة لفلسطينيين من قرية الطنطورة (أ.ف.ب)
آدم راز المؤرخ الإسرائيلي الذي يعمل في أرشيف الدولة يعرض صورة قديمة لفلسطينيين من قرية الطنطورة (أ.ف.ب)

في أعقاب الكشف عن تفاصيل مجزرة الطنطورة، ووجود قبر جماعي لقرابة مائتي فلسطيني من ضحاياها، تقدم النائب أحمد الطيبي، رئيس الكتلة البرلمانية لـ«القائمة المشتركة» للأحزاب العربية، بطلب إلى الحكومة الإسرائيلية، لاستخراج الرفات وإعادة دفنها طبقاً للشريعة الإسلامية.
وقال الطيبي، إن أقل ما يمكن أن تفعله الحكومة الإسرائيلية إزاء هذه الجريمة الرهيبة، هو إكرام الضحايا بدفن يتناسب والشريعة، وتخليد ذكراهم لتتعلم الأجيال الجديدة درساً بعدم العودة لارتكاب المجازر.
كما تقدم النائب اليهودي في القائمة المشتركة، الدكتور عوفر كسيف، بطلب لرئاسة «الكنيست»، لعقد جلسة طارئة حول موضوع مجزرة الطنطورة، إلا أن رئاسة «الكنيست» رفضت الطلب.
وكانت قضية مجزرة الطنطورة قد انفجرت نهاية الأسبوع الماضي، بعد أكثر من 74 عاماً من التستر والإنكار، عندما اعترف عدد من الضباط والجنود الإسرائيليين بها، في فيلم وثائقي باسم «الطنطورة»، للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتس. وكشفوا عن أن القوات الإسرائيلية قتلت حوالي 200 فلسطيني من سكان القرية والمقاتلين فيها، بعد أن استسلموا من دون سلاح. وأن الضحايا دُفنوا في قبر جماعي يقع تحت موقف سيارات شاطئ الطنطورة، على بعد 24 كيلومتراً جنوبي مدينة حيفا.
ويظهر في الفيلم عدد من الجنود الذين شاركوا في المجزرة أو كانوا شهود عيان عليها، ويبلغون من الأعمار حوالي تسعين عاماً. ويقول هؤلاء الجنود إنهم قرروا الاعتراف بالمجزرة كصحوة ضمير وإزالة عبء ثقيل. وقال ميخا فيتكون، إن أحد الضباط الإسرائيليين الذي أصبح فيما بعد مسؤولاً كبيراً في وزارة الدفاع، كان يقتل العرب بمسدسه الشخصي.
أما مخرج الفيلم، شفارتس، فقد قال إن واجب أي دولة سليمة، ممارسة صحوة الضمير وإعادة البحث وكشف الحقائق ونشرها كما هي.
وقد أثارت أقواله اهتماماً خاصاً؛ لأن مؤرخاً يهودياً يدعى تدي كاتس، كان قد أعد في سنة 1988 دراسة أكاديمية لنيل شهادة الماجستير من جامعة حيفا، اكتشف خلالها هذه المجزرة، وتحدث عنها كعملية إسرائيلية استهدفت تنفيذ تطهير عرقي حتى يبقى الساحل نظيفاً من العرب.
ولم يعتمد الباحث فقط على روايات شفوية من الناجين من سكان الطنطورة؛ بل اعتمد أيضاً على شهادات عيان لجنود يهود وبعض الوثائق السرية في الجيش الإسرائيلي.
وثارت ضد كاتس موجة تحريض دموية، إذ كانت إسرائيل مشحونة بالعداء للفلسطينيين بسبب انفجار الانتفاضة الأولى، ورُفعت ضده قضية قذف وتشهير، وطولب بتعويضات كبيرة. وأجرت المخابرات معه تحقيقاً مريراً، كما بحثت إدارة الجامعة طلباً لفصله من الدراسة. تراجع كاتس وفزع من قسوة التعامل معه، ونشر اعتذاراً مكتوباً في الصحف. ولكنه بعد فترة، أعاد مراجعة بحثه، وترسخت قناعاته بأن ما كتبه صحيح، وأن من اشتكوا ضده أرادوا طمس القضية لأنها تنطوي على جرائم حرب بكل معنى الكلمة. فأعلن تراجعه عن التراجع الأول. وتوجه إلى المحكمة لتقر وجهة نظره، حتى يلغي اعتذاره رسمياً؛ لكن المحكمة رفضت ذلك وألزمته بدفع غرامة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.