«طبيب التعذيب» السوري ينفي تصفية معارضين داخل المستشفيات

TT

«طبيب التعذيب» السوري ينفي تصفية معارضين داخل المستشفيات

نفى طبيب سوري يحاكم في ألمانيا بتهم تعذيب وقتل أثناء عمله في المستشفيات العسكرية في بلاده التي تشهد حرباً، إشعال النار في الأعضاء التناسلية لمراهق أو إجراء عمليات جراحية لمحتجزين دون تخدير. ويحاكم علاء موسى (36 عاماً)، الذي وصل إلى ألمانيا في 2015 ومارس الطب فيها حتى اعتقاله بعد 5 سنوات، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وقال للقضاة بالمحكمة الإقليمية العليا في فرنكفورت إنه يشعر بـ«الأسف» للمرضى الذين تعرضوا للضرب وعصب الأعين. ونفى بشدة أن يكون سكب الكحول على الأعضاء التناسلية لمراهق قبل إشعال النار فيها، قائلاً إنه لم يفعل ذلك.
كما ذكر أنه لم يضرب المعتقلين، و«ما كان» ليُجري عملية جراحية لمريض دون تخدير؛ حسب اتهام الادعاء.
وعلى العكس؛ قال موسى للمحكمة إنه شعر بالتعاطف مع المعتقلين. وقال: «رأيت المخابرات العسكرية تضرب المعتقلين المصابين. شعرت بالحزن عليهم، لكن لم أستطع قول أي شيء؛ وإلا لكنت في مكان المريض».
ويواجه موسى 18 تهمة بتعذيب معتقلين في دمشق ومدينة حمص في 2011 و2012.
ويواجه أيضاً تهمة قتل واحدة بزعم أنه أعطى حقنة قاتلة لسجين قاوم الضرب، وفقاً لمدعين فيدراليين.
وقضيته هي ثاني محاكمة غير مسبوقة في ألمانيا بشأن الفظائع التي ارتكبها النظام السوري خلال الحرب.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، حكمت محكمة ألمانية أخرى على ضابط سوري سابق بالسجن مدى الحياة لإشرافه على قتل 27 شخصاً وتعذيب 4000 آخرين في مركز اعتقال بدمشق قبل عقد من الزمن.
وفي وصف الفترة التي قضاها بالمستشفى العسكري في حمص عام 2011 بعد أن أدت الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد إلى قمع وحشي، قال موسى إن العديد من متظاهري المعارضة أتوا إلى المستشفى مصابين بجروح، وإن الوضع كان مجرد «فوضى».
وذكر أنه ظهرت على بعض المعتقلين آثار تعرضهم للتعذيب أو الضرب. وأضاف موسى، وهو طبيب مدني، أنه لم يطرح أسئلة قط بعد أن أخبره مشرفه أن المخابرات العسكرية «تدير» المستشفى. وفي إحدى المرات، ذكر موسى أنه شاهد مريضاً معصوب العينين ويديه مقيدتين خلف ظهره يتعرض للضرب من قبل عناصر المخابرات العسكرية وبعض الطاقم الطبي العسكري العاملين في المستشفى.
وقال للمحكمة: «كنت خائفاً جداً من المخابرات العسكرية وكذلك من الطاقم الطبي الذي انضم للتو». كما أضاف أنه يعتقد أنه من «غير الإنساني» إبقاء المرضى معصوبي الأعين أثناء خياطة جروحهم أو علاجهم. ولدى سؤاله عما إذا كان يشعر بالتعاطف مع المتظاهرين، أجاب موسى بأنه لا هو ولا عائلته من النشطاء السياسيين. وأوضح: «لكنني أيضاً لم أكن من المؤيدين الشديدين للنظام».
وأشار إلى أن الاحتجاجات المناهضة للأسد بدأت بشكل سلمي، مضيفاً أنها سرعان ما أصبحت «متطرفة». وقال: «أنا ضد العنف من كلا الجانبين».
وينتظر أن يرد موسى على التهم الأخرى التي يواجهها الخميس. ويقول المدعون في فرنكفورت إن المستشفيات العسكرية السورية تلعب دوراً رئيسياً في منظومة التعذيب الذي ترعاه الدولة السورية، وإن موسى ساعد في ارتكاب «هجوم ممنهج على السكان المدنيين».
غادر موسى سوريا متوجهاً إلى ألمانيا في منتصف عام 2015 بتأشيرة دخول للعمال المهرة.
وعمل في أماكن عدة طبيب تقويم عظام، بما في ذلك في منتجع «باد فيلدونغن» المشهور بمناظره الخلابة. واعتقل في يونيو (حزيران) 2020 بعد أن قدم شهود سوريون شكوى بحقه.
وأُطلقت المحاكمات في ألمانيا من خلال مبدأ «الولاية القضائية العالمية» الذي يسمح بملاحقة الجرائم ذات الخطورة الاستثنائية حتى لو ارتكبت في بلد مختلف.
ومثلت امرأة ألمانية انتقلت إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش» حينما كانت تبلغ من العمر 15 عاماً أمام القضاء في مدينة هاله شرق البلاد، الثلاثاء، بتهمة المساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.