هل تنجح جهود إزاحة الدبيبة من رئاسة حكومة «الوحدة» الليبية؟

وسط دعوات لترشيح خصومه السياسيين وتأييد بعض التشكيلات المسلحة بقاءه في منصبه

عبدالحميد الدبيبة (رويترز)
عبدالحميد الدبيبة (رويترز)
TT

هل تنجح جهود إزاحة الدبيبة من رئاسة حكومة «الوحدة» الليبية؟

عبدالحميد الدبيبة (رويترز)
عبدالحميد الدبيبة (رويترز)

تسابق بعض الأطراف السياسية والبرلمانية في ليبيا الزمن لإزاحة عبد الحميد الدبيبة من رئاسة حكومة «الوحدة الوطنية»، والبحث عن بديل، على خلفية اتهامه بالفشل في إنجاز الاستحقاق الانتخابي، الذي كان مقرراً نهاية العام الماضي، وجاء هذا التحرك عقب إعلان المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، «انتهاء شرعية الحكومة»، وإيجاد بديل لها، والدعوة لترشيح شخصيات جديدة، مما أسهم في فتح باب الجدل مجدداً حول الفترة الانتقالية، وموعد إجراء الانتخابات.
وتداولت وسائل إعلام محلية خلال الأيام الماضية أسماء منافسين للدبيبة في السباق الرئاسي من المنتمين للمنطقة الغربية، وتحديداً ممن حضروا الاجتماع، الذي احتضنته مدينة بنغازي في 21 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من بينهم وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، ونائب رئيس المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق، ورئيس تكتل «إحياء ليبيا» عارف النايض.
وقال عضو مجلس النواب حسن الزرقاء، لـ«الشرق الأوسط»، إن المرشحين للانتخابات الرئاسية، الذين اجتمعوا مع قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر في بنغازي الشهر الماضي، طُرحت أسماؤهم بالفعل لتشكيل حكومة جديدة، خلفاً لحكومة الدبيبة، مشيراً إلى أنها «من الممكن أن ترى النور قريباً».
أما رئيس «مجموعة العمل الوطني» الليبي، خالد الترجمان، ورغم نفيه ما طُرح سابقاً بأن هدف اجتماع بنغازي في المقام الأول إزاحة الدبيبة، والمرشح سيف الإسلام القذافي من السباق الرئاسي، فإنه أعرب عن تأييده لحديث رئيس البرلمان عن «انتهاء شرعية حكومة الوحدة الوطنية».
وقال الترجمان لـ«الشرق الأوسط» إنّ «توحد الأصوات حالياً للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة، بما في ذلك الشخصيات التي اجتمعت في بنغازي أو مؤيديهم في البرلمان، لا يعني وجود مؤامرة على تلك الحكومة بقدر ما يعكس عمق الإدراك الجمعي لفشلها»، مؤكداً أن فرص الدبيبة كمرشح للرئاسة «لن تقلّ بخروجه من رئاسة الحكومة».
وتابع الترجمان موضحاً أن اجتماع بنغازي «كان للتفاهم بين مرشحين يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة على إدارة مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، والأمر لم يكن بهدف إزاحة أي شخصية، أو توزيع المناصب فيما بينهم كما يتردد».
وفي أعقاب سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الدبيبة في سبتمبر (أيلول) الماضي، طُرح اسم باشاغا لقيادة حكومة جديدة، لكونه يحظى بدعم الكثير من التشكيلات المسلحة، فضلاً عن احتفاظه بعلاقة جيدة مع القوى السياسية والعسكرية بالشرق الليبي.
كما تحدثت مصادر ليبية قبل أيام قليلة عن ترحيب عدد من الأطراف السياسية بتولي النايض رئاسة الحكومة الجديدة، بمشاركة معيتيق كممثل عن غرب البلاد، وبالتوافق مع مكونات من الشرق والجنوب الليبي.
لكنّ مراقبين يتوقعون أن ترفض الفصائل الأخرى، وبعض التشكيلات المسلحة، تحرك مجلس النواب للإطاحة بالدبيبة، الذي تولى المنصب عبر عملية سلام تدعمها الأمم المتحدة.
وتشكلت حكومة «الوحدة» منذ عام، لتحل محل حكومتين متحاربتين، إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، وهو وضع يخشى بعض الليبيين تكرره من جديد.
من جانبه، رأى الناشط السياسي أحمد أبو عرقوب أن التعويل على الشخصيات التي شاركت في اجتماع بنغازي لرئاسة الحكومة، «قد يسهم فعلاً بالإسراع في تطبيق تفاهمات هذا الاجتماع»، وفي مقدمتها احترام إرادة أكثر من مليوني ونصف مليون ليبي تسلموا بطاقاتهم الانتخابية بالذهاب للانتخابات.
وقال عرقوب لـ«الشرق الأوسط» إن تولي شخصية مثل باشاغا رئاسة الحكومة الجديدة، و«بحكم ما يملكه من خبرة في الملف الأمني، بالإضافة للتفاهم المباشر مع قيادات شرق البلاد العسكرية والسياسية، سيسرع من وتيرة العمل على ملف توحيد المؤسسة العسكرية، فضلاً عن إيجاد خطط عادلة وقابلة للتطبيق فيما يتعلق بملف التشكيلات المسلحة»، لافتاً إلى أن كل هذه العوامل «تعزز إمكانية السير نحو إجراء الانتخابات متى تم الاتفاق على الإطار الدستوري».
ورأى عرقوب أن «جميع مرشحي الرئاسة ممن شاركوا في اجتماع بنغازي، أو حتى الذين لم يشاركوا به، سيكونون رابحين من إزاحة حكومة الدبيبة، كونها تعرقل الانتخابات، وبالتالي تعرقل تطلعاتهم في الوصول لكرسي الرئاسة». في المقابل، رأى عضو مجلس النواب علي التكبالي، أن محاولات استبدال حكومة الدبيبة «لا تلقى حظوظاً كبيرة»، مشيراً إلى حديث المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز، بأن خريطة الطريق، التي أتت بالحكومة الراهنة، تمتد حتى يونيو (حزيران)، وأن الأولوية الآن «هي إجراء الانتخابات وليس تشكيل حكومة جديدة».
ولفت إلى أن هذا التوجه الأممي «هو ما تستند إليه حكومة الدبيبة لشرعنة وجودها، بالإضافة إلى ما قد تحصل عليه من دعم عسكري إذا تطلب الأمر من تركيا، التي توجد قواتها في الغرب الليبي، وتفضل التعامل مع من يتولى السلطة في البلاد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.