تداعيات عزوف الحريري تتجاوز طائفته إلى خصومه وقدامى حلفائه

تداعيات عزوف الحريري  تتجاوز طائفته إلى خصومه وقدامى حلفائه
TT

تداعيات عزوف الحريري تتجاوز طائفته إلى خصومه وقدامى حلفائه

تداعيات عزوف الحريري  تتجاوز طائفته إلى خصومه وقدامى حلفائه

قبل الدخول في تحليل من يملأ الفراغ بعد قرار زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتعليق مشاركته السياسية ومقاطعته الانتخابات النيابية، لا بد من رصد ردود الفعل في الشارع السني خصوصاً، والساحة اللبنانية عموماً، لأن من غير الجائز، كما يقول مرجع حكومي سابق لـ«الشرق الأوسط»، التعاطي مع الصدمة التي أحدثها من زاوية حصر السؤال بالوجهة السياسية التي يمكن أن يسلكها شارعه بدلاً من السؤال: إلى أين سيذهب البلد الذي يدخل في مرحلة سياسية جديدة غير تلك التي سبقت قراره؟
ويلفت المرجع الحكومي السابق الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن الصدمة التي أحدثها الحريري تتجاوز الطائفة السنية إلى السؤال عن أي لبنان نريد؟ وهل يمكن أن يبقى مستقبله بمنأى عن التداعيات التي فرضها قراره؟ ويقول إن الحريري بقراره أعاد خلط الأوراق السياسية التي أخذت تتفاعل مع الاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية في 15 مايو (أيار) المقبل.
ويؤكد أن لبنان قد يكون في حاجة إلى إحداث صدمة غير مسبوقة لعلها توقف الانهيار بعد أن تهاوت التسوية تلو الأخرى، ويرى أن رؤساء الحكومات السابقين لن يبادروا إلى حرق المراحل قبل أن تتبلور ردود الفعل في الشارع السني ومن خلاله على امتداد الوطن.
وفي هذا السياق يوضح المرجع الحكومي السابق أن رؤساء الحكومات، وإن كان لديهم تصور لمواجهة مرحلة ما بعد عزوف الحريري عن خوض الانتخابات، فإنهم يتريثون في تظهيرها لتأتي على قياس ردود الفعل في الشارع السني ليس لاستنهاضه فحسب، وإنما لرسم خريطة طريق تؤدي إلى مواجهة الفراغ المترتب على قرار الحريري. ويعتبر بأن وضع خطة لملء الفراغ يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المزاج الشعبي في الشارع السني بالتلازم مع ردود الفعل لدى القيادات المسيحية التي ما زالت تحجم عن إبداء رأيها، فيما أبدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري حزنه حيال القرار الذي اتخذه الحريري لما يمثله من اعتدال من جهة، وتوازن في الساحة السياسية من جهة ثانية، بينما ذهب رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بعيداً في إطلاق جرس الإنذار خوفاً من أن يؤدي قراره إلى إطلاق يد «حزب الله» وإيران في لبنان.
أما «حزب الله» وإن كان يتهيب ما يترتب على قرار الحريري الصادم من تداعيات لا يمكنه التقليل من أضرارها، فإنه يأخذ وقته قبل أن يقول كلمته، كما يقول مصدر سياسي بارز، برغم أنه افتقد إلى شريك أساسي في المعادلة السياسية، ولو من موقع الاختلاف معه الذي تجسد بربط النزاع وإن كان لم يحسن إدارته لأنه أطلق يد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في إسقاطه التسوية التي كانت وراء انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.
ويؤكد المصدر أن «حزب الله» بالتصاقه الشديد بالثنائي عون - باسيل أسهم في إقفال الأبواب أمام الحريري لتحقيق إنجازات ولو متواضعة لحماية نفسه أولاً، ولتوفير الغطاء السياسي للتسويات التي انخرط فيها لإنهاء التأزم الذي يحاصر البلد، خصوصاً أن المزاج الشعبي لتيار «المستقبل» ولمحازبيه لم يهضمها وقوبلت بمعارضة صامتة برغم أن بعض نوابه امتنعوا عن انتخاب عون، إضافة إلى الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام.
فـ «حزب الله»، بحسب المصدر السياسي نفسه، لم يقف بالكامل إلى جانب مع الحريري ولم يترجم أقواله بأفعال ملموسة، وما امتناعه عن تسمية الحريري لتولي رئاسة الحكومة، مع أنه اعتذر لاحقاً عن تشكيلها، إلا دليل استمراره في لعبة ازدواجية المواقف.
كما أن «حزب الله» أصر على التناغم مع باسيل من ناحية ووقوفه على خاطر عون من ناحية ثانية، ومراعاته له بدعوته النواب عشية الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة إلى تحكيم ضمائرهم، إضافة إلى أن الحزب لم يلتزم بسياسة النأي بالنفس بتحييد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة، وأقام منصة لاستهداف دول الخليج العربي بالتكافل مع باسيل الذي لعب دوراً أثناء توليه وزارة الخارجية في تهديم علاقات لبنان العربية.
لذلك، فإن الحزب لم يلتزم بالبيانات الوزارية التي تنص على النأي بلبنان عن الحروب المشتعلة في المنطقة، وهذا ما أدى إلى عزله عربياً ودولياً، وكذلك الحال بالنسبة إلى عون الذي حاول الاستعانة بالمسكنات الإعلامية لرأب الصدع الذي أصاب علاقات لبنان العربية بدلاً من أن يبادر إلى ضبط إيقاع حليفه.
وعليه لا يمكن السؤال عن موقف عون، كما يقول المرجع الحكومي السابق، من الصدمة التي أحدثها الحريري، لأنه وحده المسؤول عن ضرب الشراكة بدفعه الحريري إلى الاعتذار، ومن ثم وقوفه في وجه قرار الطائفة السنية ترشيح الشخصية الأقوى لتولي رئاسة الحكومة، فيما يتولى الأقوى مارونياً رئاسة الجمهورية والأقوى شيعياً رئاسة البرلمان، مع أنه أقحم نفسه في خلاف مع بري لا مبرر له، وكذلك الحال مع جنبلاط والقيادات المسيحية في محاولة لإلغائها.
وإلى أن يكتمل المشهد السياسي بمعرفة ردود الفعل في الشارع السني وفي الساحات السياسية الأخرى، فإن معالم المواجهة لمشروع «حزب الله»، كما يقول المصدر السياسي، في محاولة لتغيير هويته، تفرض على خصومه الإعداد لمواجهته سياسيا وعدم الاستكانة لئلا يؤخذ لبنان إلى مكان آخر.
ويبقى السؤال: كيف ستتصرف القيادات المسيحية، وتحديداً المرجعيات الروحية والسياسية، وأبرزها حزبا «الكتائب» و«القوات اللبنانية» في ظل انعدام تواصلهما مع تيار «المستقبل» بسبب الخلاف الذي سبق قرار الحريري الذي سينعكس حكماً على المسار العام للانتخابات؟ وهذا ما يُقلق قيادات 14 آذار سابقاً ومعظمهم من قدامى حلفائه ويضطرهم إلى مراجعة حساباتهم، إلا إذا راهنوا على إيجاد البدائل التي قد لا تغير كثيراً من واقع الحال السياسية الناجمة عن عزوف الحريري خوض الانتخابات الذي تلازم مع مكاشفة نقدية للحقبة السياسية التي سبقت قراره، وبالتالي فإن إصلاح ذات البين بين «القوات» و«المستقبل» يواجه صعوبة قد تكون مستحيلة في المدى المنظور، ومع أن رئيس حزب «القوات» سمير جعجع أبدى تعاطفه الشخصي مع الحريري ورغبته بالتنسيق مع «المستقبل»، وهذا ما يستدعي التريث للوقوف على رد فعل حليفه السابق وما إذا كان سيدفع موقف جعجع باتجاه فتح كوة في جدار الأزمة القائمة بينهما للتأسيس عليها للانطلاق في مرحلة جديدة تطوي صفحة الخلاف.



ما حدود الدعم العسكري المصري للصومال؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

ما حدود الدعم العسكري المصري للصومال؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)

طرح الإعلان الصومالي المتكرر بشأن تلقي دعم عسكري من مصر، تساؤلات حول حدود هذا الدعم المقدم إلى حكومة مقديشو، التي تتنازع مع أديس أبابا، ومساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي.

وكشف وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، عن تلقي بلاده «مساعدات عسكرية وذخائر من مصر»، مضيفاً في تصريحات صحافية السبت، أن «القاهرة تلعب دوراً داعماً للصومال، ودائماً ما دافعت عن مقديشو تاريخياً».

وعدّد خبراء وعسكريون صور الدعم العسكري المصري إلى الصومال، وقالوا إنه يتضمن «الدفاع المشترك وتبادل المعلومات، مع المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية»، في ضوء التحديات الأمنية التي يواجهها الصومال في الفترة الحالية.

وعارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) الماضي مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية، مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال دولة مستقلة، وعدّت القاهرة الاتفاق «اعتداء على السيادة الصومالية».

تبع ذلك توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، في القاهرة أغسطس (أب) الماضي، على «بروتوكول تعاون عسكري»، كما أعلن السيسي مشاركة بلاده في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية من يناير 2025.

ووفق مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية، اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، فإن الدعم العسكري المصري للصومال يأتي بناء على «طلب رسمي من الجانب الصومالي، قدّمه الرئيس الصومالي (السلطة الشرعية)».

وأضاف الحلبي لـ«الشرق الأوسط» أن «المساعدات الأمنية والعسكرية المقدمة من القاهرة لمقديشو، تأتي في مسارين، الأول في إطار قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بمشاركة قوات مصرية بتسليح خفيف، لضمان حفظ الأمن وإنفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية»، بينما المسار الثاني «يأتي في إطار التعاون الثنائي بين القوات المسلحة في البلدين، ويتضمن برامج تدريبية لرفع كفاءة وقدرات الجيش الصومالي».

ويرى الحلبي أن «الدعم العسكري المصري ليس موجهاً ضد أحد، ولا يستهدف الحرب مع أطراف إقليمية أخرى»، مشيراً إلى أن «مصر تستهدف دعم الصومال في ضوء تحديات أمنية، تتعلق بخطر التنظيمات الإرهابية، وتأمين منطقة البحر الأحمر»، وهو «ما يتفق مع محددات السياسة الخارجية المصرية، القائمة على دعم المؤسسات الوطنية للدول التي تواجه نزاعات، حفاظاً على وحدتها وسيادتها، وهي السياسية المصرية ذاتها تجاه ليبيا والسودان واليمن وسوريا»، على حد قوله.

وأعلن الصومال، نهاية أغسطس الماضي، وصول معدات ووفود عسكرية مصرية للعاصمة مقديشو، في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام. أعقبه بيان إثيوبي انتقد «تدخلات خارجية» لدول لم يسمّها عدّها «تشكل مخاطر على المنطقة»، كما أشارت إثيوبيا إلى أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي».

وفي المقابل، انتقد مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية التحرك الإثيوبي في الصومال، للحصول على ميناء بحري على البحر الأحمر، مؤكداً أنه «يخالف قواعد القانون الدولي، وأن قلق الصومال مشروع، لأن التحرك الإثيوبي يمهد لانفصال الإقليم رسمياً».

فيما عدّد خبير الشؤون الأفريقية المصري، رامي زهدي، حدود وصور الدعم العسكري المصري للصومال، مشيراً إلى أنه يتضمن «اتفاقية دفاع مشترك، بجانب تبادل المعلومات، وبرامج تدريبية للقوات المسلحة الصومالية، والمشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية»، وقال إن «القوات المصرية في بعثة حفظ السلام قد تصل إلى 10 ألف فرد، سيتولى منهم 7 آلاف المشاركة في حماية الحدود، و3 آلاف يشاركون في حماية الوضع الأمني بالمدن».

وعدّ زهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «رغبة مصر في تحقيق الاستقرار والحفاظ على الصومال قد تجعل مستوى التعاون العسكري لا حدود له، ليصل لأقصى مدى ممكن، في ضوء اتفاقية الدفاع المشترك، وقواعد القانون الدولي».

وأوضح أن «القاهرة دائماً ما كانت مساندة لمقديشو منذ استقلال الصومال»، مشيراً إلى أن «هذا الدعم يزداد في فترات الأزمات، وتتعدد صوره»، واستشهد على ذلك «بزيارة الرئيس الصومالي الحالي للقاهرة 3 مرات منذ توليه المسئولية في مايو (أيار) 2022».

ويواجه الصومال تحدياً أمنياً، بسبب استمرار وجود قوات إثيوبية على أراضيه، وأشار زهدي إلى أن الوضع قد يتأزم حال تمسك أديس أبابا باستمرار قواتها، بعد انتهاء تفويضها بنهاية العام الحالي، ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية.

وكان وزير الخارجية الصومالي قد طالب في تصريحات إعلامية مؤخراً، بضرورة «مغادرة القوات الإثيوبية المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية الأراضي الصومالية، بنهاية تفويضها هذا العام»، وعدّ بقاءها «احتلالاً عسكرياً، ستتعامل معه بلاده بكل الإمكانات المتاحة»، مشيراً إلى أن «أديس أبابا لا تسعى للحصول على موانئ بحرية فقط، ولكن السيطرة على الأراضي الصومالية وضمّها لسيادتها».