«القاهرة للكتاب» يبدأ دورته الجديدة غداً... بعد «عراقيل» الجائحة

بمشاركة 50 دولة عربية وأجنبية و250 ناشراً...ً واليونان «ضيف الشرف»

عبد التواب يوسف - هيثم الحاج علي - يحيى حقي
عبد التواب يوسف - هيثم الحاج علي - يحيى حقي
TT

«القاهرة للكتاب» يبدأ دورته الجديدة غداً... بعد «عراقيل» الجائحة

عبد التواب يوسف - هيثم الحاج علي - يحيى حقي
عبد التواب يوسف - هيثم الحاج علي - يحيى حقي

تحت شعار «هوية مصر - الثقافة وسؤال المستقبل» تنطلق فعاليات الدورة (53) لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ابتداء من غدٍ الأربعاء حتى 7 فبراير (شباط) المقبل، بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بمنطقة التجمع الخامس. ويصل عدد الناشرين المشاركين في هذه الدورة إلى 250 ناشراً ما يشكل زيادة كبيرة في عدد دور النشر، مقارنة بالدورة الماضية وتحديداً ثلاثة أضعاف بحسب د. هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الجهة المنظمة للمعرض، والذي أشار إلى أن تلك الزيادة تعد إنجازاً كبيراً تم تحقيقه في فترة زمنية محدودة. أضاف الحاج في مؤتمر صحافي بمناسبة انطلاق فعاليات المعرض أن الدورة الحالية شهدت العديد من التحديات والعراقيل أبرزها صعوبة التواصل مع الناشرين بالخارج في ظل جائحة «كورونا» وما استتبعه من غلق للخطوط الجوية في كثير من البلدان، مما أدى إلى عدم مشاركة كثيرين مما كان يرغبون في الحضور إلى القاهرة.
وبلغ عدد الدول المشاركة في هذه الدورة 50 دولة منها 13 دولة أفريقية بينها غانا ونيجيريا وموزمبيق، و18 دولة آسيوية منها الهند وماليزيا وقطر وأذربيجان بينما بلغ عدد الدول الأوروبية 15 دولة منها بلجيكا والسويد وألمانيا وبريطانيا فيما اقتصر حضور الأميركيتين على ثلاث دول هي الولايات المتحدة والإكوادور والأرجنتين.
واختير الأديب الراحل يحيى حقي ليكون شخصية المعرض هذا العام، «تقديراً لدوره الرائد في مسيرة الأدب المصري المعاصر، وتميز صاحب رواية (قنديل أم هاشم) التي تحولت لأيقونة في الأدب والسينما على حد سواء، بعمق رؤاه وحداثة لغته السردية وسلاستها»، كما اختير أحد رواد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي الكاتب الراحل عبد التواب يوسف ليكون الشخصية الثانية للمعرض في مجال الكتابة للأطفال والناشئة. ويعد عبد التواب يوسف أول من أقام مؤتمر لثقافة الطفل عام 1970 وبلغ عدد مؤلفاته 595 كتاباً للأطفال، تم طباعتها في مصر؛ فضلاً عن 125 كتاباً آخر تم طباعتها في البلاد العربية؛ و40 كتاباً للكبار؛ إضافة إلى كتابين عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين قصة، طُبع منهما 7 ملايين نسخة؛ وكذلك كتاب «خيال الحقل» الذي طُبع منه 3 ملايين نسخة، بحسب نجله الكاتب الروائي عصام يوسف. وستعيد هذه الدورة العديد من السمات المميزة لمعرض القاهرة للكتاب أبرزها الأنشطة الثقافية التي تقام على هامش بيع الكتب والتي تعد بمثابة كرنفال ثقافي ينتظره المثقفون كل عام عبر الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية والمناقشات الفكرية والأنشطة الموسيقية والمسرحية والغنائية. وكان قد تم إيقاف هذه الأنشطة الدورة الماضية ضمن خطة الإجراءات الاحترازية لمجابهة جائحة فيروس كورونا المستجد والتي جعلت البعض يصف الدورة الماضية بأنها «منزوعة الدسم».
أيضاً يستعيد المعرض موعده التاريخي المعروف، بداية من نهايات شهر يناير (كانون الثاني) وبدايات شهر فبراير من كل عام، وهو الموعد الذي يتوافق مع إجازة منتصف العام لطلبة المدارس والجامعات الذين يشكلون قوة شرائية كبيرة، بعد أن أقيمت الدورة الماضية في موعد صيفي استثنائي بشهر يونيو (حزيران)، مما أثر على المعرض الذي يعد الحدث الأبرز على الساحة الثقافية المصرية، إذ يستقطب شرائح واسعة من الجمهور خارج نطاق أوساط النخبة والمثقفين وقد وصل عدد رواده في اليوم الواحد إلى نصف مليون زائر في بعض الدورات قبل جائحة «كورونا».
وتحسباً لجائحة «كوفيد - 19» ومتحوراتها، فإن هذه الدورة هي الأولى في تاريخ المعرض التي يشترط فيها على الزائر إبراز شهادة صحية تثبت تلقيه لقاح ضد الفيروس، فضلاً عن التشديد على الالتزام بارتداء الكمامة، وقد حذرت الهيئة المصرية العامة للكتاب من إحداث ضوضاء أو استخدام أجهزة سمعية أو بصرية لعرض أنشطة دور النشر بشكل يجاوز المسموح به وفق النظام الداخلي للمعرض، وفي حال وقوع المخالفة يتم تغريم الدار المخالفة بمبلغ مالي ثم يتم إغلاق جناح الدار بالكامل حال تكرار المخالفة.
وأوضح رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن النسخة الجديدة لمعرض الكتاب تشهد لأول مرة جائزة لأفضل ناشر عربي بالتعاون مع اتحاد الناشرين العرب، وبجوائز مالية قيمتها 40 ألف جنيه، ويستقبل اتحاد الناشرين المصريين طلبات الناشرين المصريين، فيما يستقبل اتحاد الناشرين العرب طلبات العرب، ويتم تحديد الفائزين عن طريق لجان مشتركة وفق معايير معينة يتم وضعها للناشرين. وحول شروط «جائزة أفضل كتاب»، التي يعلن قبيل نهاية فعاليات المعرض، أوضح د. هيثم الحاج علي أنها تتمثل في كون المؤلف مصري الجنسية وأن يكون الكتاب منشوراً خلال عام 2021 كما يقوم المتقدم بتوقيع إقرار بأن العمل المتقدم هو طبعة أولى ولم يحصل على جائزة أخرى، ولم يفز بجائزة المعرض في السنوات الثلاث الأخيرة. ويبلغ عدد فروع الجائزة هذه الدورة 11 فرعاً منها 9 للكبار في «الرواية، القصة القصيرة، شعر الفصحى، شعر العامية، المسرح، النقد الأدبي، الدراسات الإنسانية، الطفل، الكتاب العلمي»، بالإضافة إلى مجالين للشباب تحت 35 سنة، هما الإبداع الأدبي والعلوم الإنسانية.
ووقع الاختيار على دولة اليونان لتكون ضيف شرف هذه الدورة نظراً للعلاقات التاريخية والثقافية التي تجمع بينها وبين مصر بحسب د. شوكت المصري، عضو اللجنة العليا للمعرض، «حيث تعود تلك العلاقات إلى ما حقبة قبل الميلاد لتجمع بين محيط بحر إيجة وجزيرة كريت، وبين عصر الأسرة السادسة والعشرين بمصر خلال القرنين 7 - 6 قبل الميلاد وتلتها مرحلة الازدهار بدخول الإسكندر الأكبر مصر وتأسيسه لمدينة الإسكندرية، ثم اتخذت تلك العلاقات دفعة كبرى مع إنشاء مكتبة الإسكندرية لتكون منارة المعرفة في العالم القديم خلال العصر البطلمي بما تضمنته من آلاف المجلدات والمخطوطات وعلمائها البارزين أمثال أريستارخوس وإقليدس وأرخميديس وأمينها الشهير كاليماخوس، واتبع البطالمة سياسة الاحترام الكامل تجاه الديانة المصرية القديمة».



العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.