بايدن و«ناتو» يتجهان إلى خيارات عسكرية لـ «ردع» روسيا عن غزو أوكرانيا

تخطيط لنشر قوات ومقاتلات وسفن... وموسكو تتهم كييف بالتحضير لهجوم على الانفصاليين

أسلحة وذخائر أميركية في قاعدة دوفر الجوية (ديلاوير) قبل نقلها إلى أوكرانيا يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
أسلحة وذخائر أميركية في قاعدة دوفر الجوية (ديلاوير) قبل نقلها إلى أوكرانيا يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
TT

بايدن و«ناتو» يتجهان إلى خيارات عسكرية لـ «ردع» روسيا عن غزو أوكرانيا

أسلحة وذخائر أميركية في قاعدة دوفر الجوية (ديلاوير) قبل نقلها إلى أوكرانيا يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
أسلحة وذخائر أميركية في قاعدة دوفر الجوية (ديلاوير) قبل نقلها إلى أوكرانيا يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

اتجه الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة حلف شمال الأطلسي «ناتو» أمس (الاثنين)، إلى اتخاذ إجراءات أشد حزماً لردع روسيا عن غزو أوكرانيا، بما في ذلك عبر التخطيط لنشر آلاف من الجنود والمقاتلات والسفن الحربية في دول البلطيق وأوروبا الشرقية، ما يشير إلى احتمال انهيار الجهود الدبلوماسية للجم التصعيد، وينذر في الوقت ذاته باستفزاز كبير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يطالب بعكس ذلك تماماً.
وجهدت الدبلوماسية الأميركية خلال كثير من الأسابيع الماضية من أجل قيادة موقف موحد مع حلفاء الولايات المتحدة في دول الناتو ومنظمة التعاون في أوروبا وغيرها، بغية احتواء الوضع المتردي بعدما حشدت روسيا أكثر من مائة ألف من جنودها قرب الحدود الأوكرانية، فضلاً عن نشر قوات روسية في بيلاروسيا المجاورة. وطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة والحلف الغربي بضمانات أمنية مكتوبة وملزمة قانوناً تحول دون انضمام أوكرانيا إلى الناتو، فضلاً عن تقليص تمركز قوات التحالف في دول الكتلة السوفياتية السابقة. ورفض الرئيس الأميركي هذه المطالب الروسية.
وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الرئيس بايدن يفكّر في اتخاذ سلسلة إجراءات لتشديد الضغط لردع بوتين عن اتخاذ قرار بالغزو، ما ينذر بتحوّل رئيسي في إدارته، التي كانت حتى الآونة الأخير تتخذ موقفاً منضبطاً، عازية ذلك إلى استمرار تهديدات بوتين لأوكرانيا. وأوضحت أن بايدن ترأس اجتماعاً السبت الماضي، في منتجع كامب ديفيد الرئاسي بولاية ميريلاند، حيث قدم له كبار القادة في وزارة الدفاع (البنتاغون)، خيارات تتضمن إرسال تعزيزات عسكرية إلى بلدان قريبة من روسيا، ومنها إرسال ما بين ألف وخمسة آلاف من الجنود الأميركيين إلى دول أوروبا الشرقية، مع احتمال زيادة هذا العدد عشرة أضعاف إذا تدهورت الأمور. وأكدت بعض الدول الأعضاء الأقرب إلى روسيا، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، أنها تخطط لإرسال صواريخ أميركية مضادة للدبابات والطائرات إلى أوكرانيا، في خطوة أقرتها الولايات المتحدة.
وخلال الاجتماع في كامب ديفيد، ظهر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي عبر الفيديو من البنتاغون ومن مقر الجنرال ميلي، الذي يخضع للحجر الصحي منذ أن ثبتت إصابته بفيروس «كورونا». ولم يوضح المسؤولون الأميركيون تفاصيل تعزيزات القوات البرية قيد المراجعة، لكن القادة الحاليين والسابقين يعتقدون أنها يجب أن تشمل مزيداً من قوات الدفاع الجوي والهندسة واللوجيستيات والمدفعية. وإلى القوات، يمكن أن يوافق بايدن أيضاً على إرسال طائرات إضافية إلى المنطقة.
وتحلق الولايات المتحدة بانتظام طائرات تنصت إلكتروني تابعة لسلاح الجو «آر سي 135 ريفين جوينت» فوق أوكرانيا منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتسمح هذه الطائرات التابعة لعملاء الاستخبارات الأميركية بالاستماع إلى اتصالات القادة الميدانيين الروس. ويقوم سلاح الجو الأميركي أيضاً بقيادة طائرات الاستطلاع الأرضي «اي 8 جاي ستارز» لتتبع زيادة القوات الروسية وتحركاتها. وبينما لا تزال إدارة بايدن تقيّم التعزيزات العسكرية المنشودة، يتوقع أن يتخذ بايدن قراراً في شأن هذه الخطط خلال الأسبوع الجاري.
وحتى الآن، لا تتضمن أي من الخيارات العسكرية قيد الدرس نشر أي قوات أميركية إضافية في أوكرانيا نفسها. ولفت مسؤولون أميركيون إلى أن نشر آلاف القوات الإضافية في الجناح الشرقي لحلف الناتو، الذي يضم إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، هو السيناريو الذي يريد بوتين تجنبه.

بلينكن: دبلوماسية وردع
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه «حتى ونحن منخرطون في الدبلوماسية، نركز بشكل كبير على بناء الدفاع وبناء الردع»، مضيفاً أن «الناتو نفسه سيستمر في التعزيز بشكل كبير إذا ارتكبت روسيا أعمالاً عدوانية متجددة. كل ذلك مطروح على الطاولة». وجاءت هذه التصريحات لكبير الدبلوماسيين الأميركيين في الوقت الذي أمر فيه جميع أفراد عائلات موظفي السفارة الأميركية في كييف بمغادرة أوكرانيا، والسماح لبعض موظفي السفارة بالمغادرة أيضاً، وفقاً لما أكده مسؤولون كبار بوزارة الخارجية خلال إحاطة مغلقة مع الصحافيين حول هذه الخطوة. ورفضوا كشف عدد أفراد السفارة وذويهم في أوكرانيا، لكنهم ذكروا بأن تقليل عدد الموظفين في البعثات الأميركية في الخارج يعد إجراء احترازياً شائعاً في أوقات الأزمات.

تعزيزات «ناتو»
وبالفعل، لم تمضِ ساعات قليلة على هذا التحوّل في واشنطن، حتى حدد حلف الناتو عبر بيان أصدره في بروكسل سلسلة من العمليات المحتملة لنشر قوات وسفن حربية، معلناً أنه سيعزز «ردعه» بمنطقة بحر البلطيق. وتمثلت طلائع هذه الخطوات بإرسال الدنمارك فرقاطة ونشر طائرات حربية من طراز «إف 16» إلى ليتوانيا، وإرسال إسبانيا ثلاث سفن للانضمام إلى القوات البحرية للناتو وأربع طائرات مقاتلة إلى بلغاريا، واستعداد فرنسا لإرسال قوات إلى رومانيا، وتخطيط هولندا لإرسال طائرتين مقاتلتين من طراز «إف 35» إلى بلغاريا، بدءاً من أبريل (نيسان) المقبل.
وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ إن «كل التدابير اللازمة ستتخذ لحماية جميع الحلفاء والدفاع عنهم»، مضيفاً: «سنرد دائماً على أي تدهور في بيئتنا الأمنية، بما في ذلك من خلال تعزيز دفاعنا الجماعي».
ويراقب الغرب تحركات القوات الروسية والمناورات الحربية في بيلاروسيا لالتقاط أي مؤشرات على اقتراب غزو جديد لأوكرانيا، في تكرار لوقائع تشبه ما حصل عام 2014 عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم ودعمت الانفصاليين الأوكرانيين الموالين لها في منطقة دونباس.

وحدة الأوروبيين
وجاء إعلان «ناتو» فيما يسعى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى إظهار عرض جديد للوحدة في دعم أوكرانيا، وتبديد المخاوف في شأن الانقسامات حول أفضل طريقة لمواجهة أي عدوان روسي. وقال الوزراء في بيان إن الاتحاد الأوروبي كثف الاستعدادات للعقوبات، محذرين من أن «أي عدوان عسكري آخر من روسيا ضد أوكرانيا ستكون له عواقب وخيمة وتكاليف باهظة».
وبشكل منفصل، تعهد الاتحاد الأوروبي أيضاً بزيادة الدعم المالي لكييف، مع التعهد بالمضي في حزمة خاصة قيمتها 1.2 مليار يورو (1.4 مليار دولار) على شكل قروض ومنح في أسرع وقت ممكن.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتبع الخطوة الأميركية ويأمر عائلات موظفي السفارة الأوروبية في أوكرانيا بالمغادرة، قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل: «لن نفعل الشيء نفسه»، مضيفاً أنه يريد سماع وزير الخارجية الأميركي في شأن هذا القرار.
كذلك أعلنت بريطانيا سحب بعض الدبلوماسيين وأفراد عائلاتهم من سفارتها في كييف «رداً على التهديد المتزايد من روسيا». ولم تصدر ألمانيا أي أمر، لكنها أعلنت أنه يجوز لعائلات موظفي السفارة المغادرة إذا رغبوا في ذلك. وشددت وزيرة الخارجية أنالينا بايربوك على أنه «يجب ألا نسهم في زيادة زعزعة الاستقرار. نحن بحاجة إلى مواصلة دعم الحكومة الأوكرانية بشكل واضح للغاية».

موسكو تنتقد «الهستيريا» الغربية وتتحسب بـ«إجراءات»
بدوره، اتّهم الكرملين أمس، الولايات المتحدة وحلف «ناتو» بتصعيد التوتر، وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن واشنطن وحلف شمال الأطلسي يصعّدان التوتر عبر «هستيريا الإعلانات» و«الخطوات الملموسة»، مشيراً إلى أن خطر شن قوات أوكرانية هجوماً ضد الانفصاليين الموالين لروسيا «مرتفع للغاية». وقال بيسكوف لصحافيين: «نحن نعيش في بيئة عدوانية»، مضيفاً أن الرئيس فلاديمير بوتين يقوم «بالإجراءات اللازمة» لحماية بلاده. وقال بيسكوف أيضاً إن أوكرانيا تحضّر لهجوم في شرق البلاد، حيث يتواجه جنود أوكرانيون مع انفصاليين موالين لروسيا منذ عام 2014. وتابع أن «طبيعة هذا التركيز تشير إلى استعدادات لهجوم»، مضيفاً أن مخاطر مثل هذه العملية الآن «عالية جداً، أعلى من ذي قبل».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».