«يوميات الحرب القائمة».. قصائد لخلف الخلف تعيد لأرقام الضحايا نبض البشر

الشاعر السوري اختزن آخر صور الوطن في ذاكرته واستعادها في بلد الصقيع

«يوميات الحرب القائمة».. قصائد لخلف الخلف تعيد لأرقام الضحايا نبض البشر
TT

«يوميات الحرب القائمة».. قصائد لخلف الخلف تعيد لأرقام الضحايا نبض البشر

«يوميات الحرب القائمة».. قصائد لخلف الخلف تعيد لأرقام الضحايا نبض البشر

لا أعرف لماذا فرزت الذاكرة العميقة من ملفاتها القديمة بيت أمير الشعراء الذي حفظته عن ظهر قلب في مدرستي الدمشقية، يوم كنت غرا، وقبل أن أُهَجّر من وطني غرا أيضا:
سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق
هل لأني ذرفت دمعا ساخنا من خلائطه ألم وشجن ما بعدهما، ولا قبلهما ألم وشجن ألمّا بي، بعد أن قرأت ديوان الشاعر السوري خلف الخلف «يوميات الحرب القائمة» الصادر مؤخرا في إصدار خاص.
لا أعرف إذا كانت كلماته الحادة هي التي حزت بلحم ذاكرتي كشفرة حلاقة، أم أنها الصور السريالية، العبثية، الكفاكاوية لوطني الذي كان جميلا، ومتسامحا، وآمنا، وبات مقبرة جماعية للبشر، والشجر، والحجر، هي التي دفعتني لأذرف دمعا ساخنا، سلك أخاديد خدي المتغضنين، على وطن لم يعد يوصف إلا بكلمات قاطعة كالسكاكين المجلوة تحز باللحم الحي.
«يا ابنتي
إخوتك سيذهبون للتظاهر من أجل الحرية
ضعي لهم زغاريد قوية في صرر سميكة
قد يقتلون، ولا يتعرف عليهم أحد
قد يدفنون في مقابر جماعية
ولا بد من زغاريد ترافق أرواحهم للسماء
وتؤنس وحشتهم في الطريق».
شعر - نثر تمرد على الفراهيدي، وعلى رنين القوافي، ولم يعد لنبض الإيقاع ضرورة، فهنا نعتمد على نبض القلب، ولا للوزن الذي يخلق في الذهن حالة من الغيبوبة، فهنا نعتمد يقظة الضمير. فلتذهب البحور إلى الجحيم، فالكلمات مطروحة في الطريق والخير للمعاني المتوغلة في النفس كمخارز تبحث عن موطن الوجع فيك. آلام الآلام التي لا علاج لها، ولا وصف لها، ولا كلمات تجدها في القواميس، أو في القوافي. كلمات تنبع من معاناة شعب اطمأن إلى حاكم مستبد، نام على وسادة الاستبداد نصف قرن، واستفاق على براميله المتفجرة تقتل أبناءه، وبناته، وتهدم بيوته وتدفنهم جميعا مع الذكريات، ومن تبقى يحمل نعش ابنه، وأبيه، وأمه، وأخيه وينطلق صارخا حرية فيأتيه الرصاص، هل من مصدق؟
«أمي لم تصدقني عندما قلت لها إنهم في كل جنازة يطلقون رصاصا على المشيعين ويرتمي النعش بجوار القتلى الذين كانوا يحملونه.. قالت أمي إنك تقرأ من الكتب، هذه الأشياء تحدث في الكتب، ولو بلعت ورق المصحف لن أصدقك..
أمي لا تصدق أن هذا يحدث الآن».
حدث، ولم يحدث إلا في سوريا، في بلد أُشربَ عنوة شعاره، الذي تتوسطه كلمة حرية، لشعب بأكمله، كما يُشربون عنوة المؤمنَ خمرا معتقا نكاية في إيمانه. زيفها، وزينها، ووضعها على لافتات كبيرة في كل مكان مخادعا، مفخخا الثقة بالشعارات، وعندما نادى الشعب المُغرر بالحرية لم يلق سوى الرصاص. جر الطاغية شعبه إلى معسكره، إلى مخططه الخبيث ليوقعه في أتون حرب تدرب عليها نصف قرن، وتفنن بها، وتحضر لها عن وعي بأن لا شيء يدوم إلى الأبد، وإن فصل لنفسه شعارا آخر أنهاه بكلمة «أبد»، ليهدد شعبه بأن لا فائدة من الاحتجاج، لأنه سيدجنهم كما يدجنون الدجاج، فبات المطالبون بالحرية إرهابيين بامتياز، ويحل قتلهم حتى بغاز الخردل، وأية وسيلة أخرى، فالمطالبة بالحرية هي خيانة عظمى في قوانين النظام، وعقابها الإعدام.
«أصبح الموت يأتي في أي وقت
يأخذ الناس بنزهات جماعية لزيارة الأبد الذي لن يعودوا منه
يأخذه بوسائل نقل مختلفة،
الرصاص، المدافع، الصواريخ، البراميل المتفجرة، السيارات المفخخة، الهاون
الساطور، السيف، السكين، الخنق باليدين».
بات الأخ يقتل أخاه ورصاصه يرتد إليه، في لعبة الموت الجمعي الذي أتقنها طاغية قاسيون.
قومي هم قتلوا أميم أخي
فإذا رميت أصابني سهمي
هكذا صور الشاعر الجاهلي قتال الأخوة.
يصور خلف الخلف مأساة من يقتل نفسه برصاصه إذا رمى به أخاه، أعاد الصورة القديمة للأذهان.
«هيييه
أيتها الحرب انتظرينا
نحن ذاهبون لدفن إخوتنا الذين قتلهم أعداؤنا
وسنعود إلى القتال
وأعداؤنا ذهبوا لدفن إخوتنا الذين قتلناهم وسيعودون إلى القتال
حتى نفرغ لك
يمكنك أن تتسلي بكتابة قصص عن الشهداء».
وما أكثرها من قصص، وما أغربها من قصص، لكل ذبيح قصة، لكل مفجوعة قصة، لكل مكلوم قصة، لكل لاجئ قصة، لكل من صعدت روحه أدراج السماء قصة. سماء كثرت فيها قبور أرواح السوريين الجماعية، فللسماء قبورها للأرواح الجماعية أيضا. تماما كالمقابر الجماعية التي ارتكبها شبيحة النظام على الأرض. روح، روحان، مائة ألف روح، مئات آلاف الأرواح، حركة صعود دائبة إلى مقابر الأرواح. قتيل واحد جريمة. «مليون قتيل هو إحصاء»، كما قال ستالين يوما. مجرد أرقام. وخلف الخلف لم ير في يومياته لحربنا القائمة سوى أرقام، إحصاء لوكالات غوث اللاجئين، والصليب والهلال الأحمرين، ولجان حقوق الإنسان. حتى الأمم المتحدة أوقفت عداد الأرواح الصاعدة إلى المقابر السماوية، وحتى هذه المقابر ملت التعداد.
«الحرب تترك خلفها أرقاما: قبورا كثيرة بشواهد كتب عليها أعمار قصيرة
القتلى يصبحون أرقاما، المصابون يصبحون أرقاما
البيوت المهدمة تصبح أرقاما، اللاجئون يصبحون أرقاما
المعاقون يصبحون أرقاما..
الأرقام ذاكرة الحرب الجماعية، الذاكرة التي لا تفنى».
«أيها الشاعر
أنت تكتب من ذاكرة قديمة
فلم يعد هناك جبهات قتال
ولم يعد أحد يذهب إلى الحرب
الحرب أصبحت تتجول في شوارع المدن
تأتي إلى الناس في بيوتهم
الطغاة أنشأوا شركات قتل سريع
توصل الموت مجانا».
قتل مجاني، وتدمير مجاني، وتهجير مجاني، فقط كي لا تسمع آذان النظام الذي كان يصيخ السمع على كل نفس بأجهزة مخابراتية مبثوثة كجراد صحراوي نهم، كلمة «حرية» من شعب كلّ وملّ من تقيؤ خطابات خلبية، سرابية المياه، غيوم تعد بالخير لم تمطر ولم تسر. حمل السوري متاعه، لا شيء في زوادة الرحيل سوى آخر الصور لبيته المحطم، وفي رئتيه يختزن آخر شهيق مختلط برائحة البارود، ودمعة ساخنة.
«على الحدود، وأنت تغادر سوريا
لا تستعجل:
قف والتفت إليها دقيقة لا أكثر
انظر إليها بهدوء لمرة أخيرة، والتقط بعينيك آخر الصور
تنفس هواءها بعمق عدة مرات حتى يتعبأ جوفك برائحتها
أذرف دمعة واحدة
ربما لن تعود
وتحتاج لهذه الزوادة في غربتك الطويلة».
الشاعر ملأ رئتيه، كغيره من المهجرين، اختزن آخر صور الوطن في محفظة ذاكرته وأقفل عليها، ذرف دمعة ومشى إلى بلد الصقيع، وهناك كتب يومياته لحربنا القائمة التي أبكتني كما بكى.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.