مجلة «قطوف الهند»... جسر للتواصل بين الثقافة الهندية والعالم العربي

مجلة «قطوف الهند»... جسر للتواصل بين الثقافة الهندية والعالم العربي
TT

مجلة «قطوف الهند»... جسر للتواصل بين الثقافة الهندية والعالم العربي

مجلة «قطوف الهند»... جسر للتواصل بين الثقافة الهندية والعالم العربي

صدر مؤخراً العدد الأول من المجلة الفصلية الإلكترونية «قطوف الهند» والتي يترأس تحريرها الأكاديمي الهندي د. مجيب الرحمن الندوي أستاذ الأدب العربي بجامعة «جواهرلال نهرو» بنيودلهي لـ«تكون بمثابة جسر للتواصل بين أبناء الثقافة الهندية والعالم العربي». وتصدر المجلة باللغة العربية وتهتم بنشر الإبداع العربي في الشعر والقصة القصيرة والنقد والرواية مع نشر نظيره من الأدب الهندي مترجماً إلى اللغة العربية. وتضم الهيئة الاستشارية للمجلة عدداً من النقاد والأكاديميين العرب والهنود منهم د. نبيل المحيش، ود. طارق النعمان، وزبير الفاروقي.
وحول فكرة المجلة وتوجهها، يشير د. مجيب الرحمن الندوي إلى أنها دورية «عربية دولية محكمة» تطمح إلى بناء جسر جديد بين أمتين عظيمتين هما أمتا العرب والهنود واللتان تربطهما أواصر قديمة، حيث إن لعلماء الهند دوراً بارزاً قديماً في خدمة اللغة العربية والإسهام في آدابها، فقد آن الأوان أن يستكمل الجيل الحالي من الأكاديميين الهنود ما فعله أسلافهم في هذا الإطار».
وبمناسبة إطلاق هذه الدورية، أقيمت ندوة افتراضية عبر منصة «زووم» ضمت عدداً من المتحدثين منهم واسيني الأعرج، الذي شدد على دور الهند في الثقافة العربية عبر التاريخ كما في «كليلة ودمنة» لابن المقفع و«ألف ليلة وليلة» وغيرها من الإسهامات الكبرى لرواد الهند الأوائل «مما يجعلنا نتوقع من الإصدار الجديد أن يكون على قدر المسؤولية كجسر حقيقي يستأنف أواصر التفاعل الثقافي بين العرب والهند».
ويأمل د. مجيب الرحمن أن تكون المجلة خطوة جديدة على درب جهود الترجمة من الأدب الهندي إلى العربية، لا سيما أنه سبق له أن ترجم كتاب سونيل خيلناني The Idea of India إلى العربية تحت عنوان «فكرة الهند»، وكتاب ديبيش شاكرابورتيHabitations of Modernity: Essays in the wake of Subaltern Studies وذلك تحت عنوان «مواطن الحداثة: مقالات في دراسة صحوة التابع»، حيث قامت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بنشرهما في الإمارات ضمن مشروع ترجمة الكتب الهندية إلى العربية بالتعاون مع المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية في نيو دلهي.
ويقول د. مجيب إن «التحديات التي يواجهها المترجم في مجال نقل الأدب الهندي إلى العربية أو العكس، كثيرة ومتشعبة، فالترجمة هنا عملية شاقة ودقيقة وتقتضي اكتساب مهارات عديدة كما يجب على المترجم أن يكون خبيراً بخفايا ثقافة اللغتين، وينقل الرسالة بلغة سليمة ومفهومة من دون إخلال بالمعنى، وكلما كان المترجم قديراً وبارعاً في اللغة كانت الترجمة أبلغ في التأثير، وخير مثال أمامنا كتاب عبد الله ابن المقفع (كليلة ودمنة)، الذي نقله ابن المقفع من الترجمة البهلوية لكتاب (بانش تاترا) بالنسكريتية إلى اللغة العربية، وقد عُد الكتاب آية في البلاغة بل قد فاق الأصل في الروعة والتأثير».
ورغم أن مجال تخصص د. مجيب الرحمن هو الرواية العربية، حيث تتمحور رسالته للدكتوراه في المواضيع الاجتماعية المشتركة بين الرواية العربية والأردية في الفترة ما بين 1900 - 1950 دراسة مقارنة، إلا أن الترجمة استحوذت على القسط الأكبر من اهتماماته العلمية على حد تعبيره، وقد صدر له كتاب بعنوان «الصحافة العربية العصرية في ضوء تأثرها بالأساليب الإنجليزية» إلى جانب 40 بحثاً منشوراً في المجلات العربية في الهند وخارجها، ويعكف حالياً على تأليف كتاب حول «الترجمة العربية - الإنجليزية: تطبيقات ونماذج».
وتضمن العدد الأول من المجلة خمسة وعشرين نصاً تتنوع ما بين الشعر والمسرحية والقصة لعدد من الأدباء العرب منهم: واسيني الأعرج، وربيعة جلطي، وشيرين العدوي، وحياة الرايس، ووفاء عبد الرزاق.



مجسّمان جنائزيان من مقبرة «سار» الأثرية

مجسّمان من مقبرة «سار» محفوظان في متحف البحرين الوطني بالمنامة
مجسّمان من مقبرة «سار» محفوظان في متحف البحرين الوطني بالمنامة
TT

مجسّمان جنائزيان من مقبرة «سار» الأثرية

مجسّمان من مقبرة «سار» محفوظان في متحف البحرين الوطني بالمنامة
مجسّمان من مقبرة «سار» محفوظان في متحف البحرين الوطني بالمنامة

خرجت من مقبرة «سار» الأثرية في البحرين مجموعة كبيرة من القطع الفنية النحتية تعود إلى الحقبة التي عُرفت فيها الجزيرة باسم تايلوس، بين القرن الأول قبل الميلاد، والقرن الثاني للميلاد تحديداً. تشهد هذه المجموعة لثراء هذا الموقع الاستثنائي في ميدان الفنون الجنائزية، وتتميّز بتعددية الطُّرُز الفنية المتّبَعَة في النقش والنحت، كما يتّضح عند دراسة نماذجها المختلفة. وفيما يتبنّى جزء كبير من هذه القطع قوالب جامعة، يتفرّد بعض القطع في المقابل بأساليب تبدو غير شائعة، ومنها قطعة عُرضت في باريس ضمن معرض مخصّص للبحرين، أُقيم في معهد العالم العربي في صيف 1999.

عُثر على هذه القطعة خلال أعمال التنقيب التي أجرتها بعثة محلية بين عامي 1995 و1996 في مساحة محدّدة من مقبرة «سار» التي تقع في المحافظة الشمالية، وتبعد نحو 10 كيلومترات غرب العاصمة المنامة. وكُشف عن هذا الأثر الفني للمرة الأولى في المعرض الذي أُقيم في العاصمة الفرنسية على مدى 4 أشهر، وهو على شكل مجسّم آدمي صُنع من الحجر الجيري، يبلغ طوله 27 سنتيمتراً، وعرضه 10 سنتيمترات، وسُمْكه 7 سنتيمترات. نُحت هذا النصب الصغير في كتلة واحدة تتكون من مساحة مستطيلة تعلوها مساحة دائرية. تمثّل المساحة المستطيلة بدن هذا المجسّم الآدمي، وتمثّل المساحة الدائرية رأس هذا البدن.

تحاكي بنية هذا التكوين بشكل عام طرازاً معروفاً باسم «نفيش»، وهو تعبير آرامي مرادف لتعبير «نفس» في العربية. وهذا الطراز معروف في البحرين، كما تشهد مجموعة من القطع خرجت من مقابر أثرية تقع في المحافظة الشمالية، منها مقبرة الشاخورة، ومقبرة الحجر، ومقبرة أبو صيبع. كما أنه معروف خارج البحرين، كما تشهد قطع مماثلة عُثر عليها في جزيرة تاروت، في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. يتميّز هذا الطراز بأسلوبه التجريدي الصرف، إذ تخلو مساحته المسطّحة من أي ملامح آدمية، وتمثّل القطع التي تتبنى هذا الطراز شواهد قبور تُغرز في الأرض، وذلك لتحديد موقع الدفن، وتخليد ذكرى من دُفن فيه.

يحاكي المجسّم الذي خرج من مقبرة «سار» هذا الطراز في الظاهر، غير أنه لا يتبنّاه كما يبدو. تتكوّن مساحة هذا المجسّم من كتلة عمودية أسطوانية، وتتميّز بحضور الملامح الآدمية بشكل جليٍّ. الوجه بيضاوي يغلب عليه الشكل الدائري، وملامحه مختزلة غير أنها واضحة، وتتمثل بعينين لوزيّتين صغيرتين نُقشتا بشكل غائر، يتوسّطهما أنف مستطيل طويل نُقش بشكل ناتئ. يحضر الثغر بشكل بسيط، ويتمثّل في كتلة بيضاوية ناتئة بشكل طفيف، يخرقها في الوسط شق غائر يفصل بين الشفتين المجرّدتين. وتحضر الأذنان بشكل مشابه، وتتمثّل كل منهما بكتلة نصف دائرية تستقرّ عند حدود العين.

تحمل مساحة البدن شبكة من النقوش المتوازية تشير إلى ثنايا رداء يتلفع به صاحب المجسّم، ومن طرف هذا الرداء المنسدل، تخرج راحة كف اليد اليمنى المنبسطة، مع خمسة خطوط متوازية غائرة ترسم حدود أصابعها الخمس. كذلك، تظهر اليد اليسرى في الطرف المقابل، وتأخذ شكل كتلة بيضاوية مجرّدة تحتجب تحت ثنية الرداء التي تُمسك بها كما يبدو. يصعب تحديد وظيفة هذا المجسّم، والأرجح أنه صُنع ليرافق المتوفى الراقد في القبر كما يرى أهل الاختصاص. يشابه هذا المجسّم شواهد القبور التي تصنّف تحت خانة «نفيش»، ويختلف عنها بكتلته الأسطوانية وبملامحه الواضحة. في المقابل، تشير كف اليد اليمنى المنبسطة عند أعلى الصدر إلى نسق فني شائع، يحضر بشكل واسع في شواهد القبور التي تتبنى نسقاً تصويرياً يخرج بشكل كامل عن هذا النسق التجريدي. ويشير هذا العنصر تحديداً إلى وضعية المبتهل التي تكوّنت في العالم الإيراني القديم، في ظل الإمبراطورية الفرثية، وبلغت نواحي عديدة من الشرق القديم، واتّخذت في هذه البقاع أشكالاً متفرّعة جديدة.

تتميّز هذه القطعة بهذا الأسلوب المبتكر، غير أنها لا تتفرّد به، إذ نقع على قطعة مماثلة خرجت كذلك من مقبرة «سار»، وحضرت ضمن معرض آخر خاص بالبحرين أُقيم في المتحف الوطني للفن الشرقي في موسكو في خريف 2012 وحمل عنوان «تايلوس... رحلة ما بعد الحياة»، وضمّ مجموعة مختارة من القطع الأثرية الجنائزية، تختزل «شعائر وطقوس الدفن في البحرين» بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثالث للميلاد. تماثل هذه القطعة في تكوينها كما في حجمها القطعة التي عُرضت في معهد العالم العربي، مع اختلاف بسيط في بعض التفاصيل. ملامح الوجه واحدة، غير أنها تبدو أقل رهافة، كما يظهر بشكل خاص في نقش العينين اللوزيتين. الأنف الناتئ مهشّم للأسف، والأذنان المنمنمتان تحدان مساحة الوجه عند حدود العينين، والثغر شبه ذائب في الكتلة الحجرية.

تغيب ثنايا الرداء عن هذه الكتلة كلياً، وتحضر اليد اليسرى في المقابل، وتظهر أصابعها الخمس بشكل كامل. يتكرّر حضور راحة اليد اليمنى المنبسطة في وضعية الابتهال التقليدية، وتشير إلى ظهور نسق اختمر واكتمل في مرحلة لاحقة، كما تشهد عشرات شواهد القبور التي خرجت من عدة مقابر أثرية في العقود الأخيرة.

في الخلاصة، تمثّل هاتان القطعتان الفريدتان اللتان خرجتا من مقبرة «سار» طرازاً وسيطاً يحمل السمات الأولى لأسلوبٍ محليٍّ يجمع بين أساليب متعدّدة خرجت من العالمين اليوناني والإيراني، وذلك فقاً لمسار حضاري طبع مواقع متعدّدة في الشرق القديم، أشهرها عربياً تدمر في سوريا، والبتراء في الأردن، والحضر في العراق.