عزوف الحريري يضع لبنان أمام مشهد انتخابي جديد

إعداد خطة لملء الفراغ وميقاتي يميل لعدم الترشُّح

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مستقبلاً الرئيس الحريري بعد عودته إلى بيروت (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مستقبلاً الرئيس الحريري بعد عودته إلى بيروت (دالاتي ونهرا)
TT

عزوف الحريري يضع لبنان أمام مشهد انتخابي جديد

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مستقبلاً الرئيس الحريري بعد عودته إلى بيروت (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مستقبلاً الرئيس الحريري بعد عودته إلى بيروت (دالاتي ونهرا)

يكتمل المشهد السياسي في الشارع السني مع استعداد الرئيس سعد الحريري للإعلان غداً الاثنين عن موقفه بعدم خوض الانتخابات النيابية المقررة في 15 مايو (أيار) المقبل، وينسحب ذلك على كتلته النيابية من دون أن يقطع الطريق على من يود من نوابه الترشح إنما على مسؤولياتهم الشخصية، وبذلك يفتقدون للغطاء السياسي من تيار «المستقبل».
ومع خلو المعركة الانتخابية للمرة الأولى منذ عام 1996 من مرشحي «المستقبل»، فإن المنافسة في الشارع السني مفتوحة على كل الاحتمالات، إذا أُضيف عزوف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن الترشح في ضوء ما يتردد على لسان مصدر مسؤول في نادي رؤساء الحكومات السابقين لـ«الشرق الأوسط» بأنه على الأغلب لن يترشح، وإن كان هو الذي يتخذ القرار النهائي بهذا الشأن.
ويقول المصدر نفسه إن رصد رد الفعل في الشارع السني يبقى ناقصاً قبل أن يقول الحريري كلمة الفصل للتأكد مما إذا كانت المعركة الانتخابية ستدخل في مرحلة جديدة غير تلك التي كانت قائمة قبل إعلان عزوفه عن خوضها، وإن كان الشعور بإحداثه فراغاً بدأ يتكون ولا يقتصر على جمهور التيار الأزرق بل ينسحب على سواه، وبعضهم ممن اندفعوا في تأييد الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ويكشف أن رؤساء الحكومات السابقين ومعهم ميقاتي التقوا مساء أول من أمس في إطار اجتماعات مفتوحة فور عودة الحريري إلى بيروت للبحث في الوضع السياسي المستجد في ضوء قراره النأي عن خوض الانتخابات ترشحاً أو من خلال كتلته النيابية.
ويؤكد المصدر نفسه أن محاولة إقناع الحريري بالعدول عن موقفه اصطدمت بإصراره على قراره، ويُنقل عنه قوله إنه اتخذ قراره ولا مجال للعودة عنه، وسيعلنه غداً الاثنين بعد أن يستكمل مشاوراته التي بدأها بلقاءاته بأعضاء المكتب السياسي لـ«المستقبل» وهيئته التنفيذية التي تتشكل من المنسقيات في المناطق، ويرى أن هناك استعداداً لوضع ورقة عمل مشتركة لرؤساء الحكومات السابقين بالتفاهم مع ميقاتي لمواجهة مرحلة ما بعد عزوف الحريري لملء الفراغ السياسي الناجم عن غياب «المستقبل» عن البرلمان.
ويقول إن لديهم إصراراً على وضع خطة عمل مشتركة، وإنما بعد أن يعلن الحريري قراره بصورة رسمية من دون انكفائهم عن الاستمرار في محاولاتهم لإقناعه بسحب عزوفه من التداول، وتحديداً من خلال تواصلهم المفتوح معه الذي يُفترض أن يستمر قبل الموعد المحدد الذي يطل فيه على اللبنانيين ومحازبيه للإدلاء بما لديه من معطيات أملت عليه الخروج من المنافسة الانتخابية.
وينقل المصدر عن الحريري أن المشاورات التي بدأها تحضيراً للموقف الذي سيعلنه غداً تزامنت مع استقباله لعدد من السفراء بناءً لرغبتهم للوقوف منه على الأسباب الكامنة وراء تمسكه بموقفه، إضافة إلى الاتصالات التي تلقاها من الخارج، ويؤكد أنه التقى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لهذه الغاية، على أن يلتقي لاحقاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ويؤكد أن اجتماعه ببري يأتي في ختام المشاورات التي بدأها، ويسبق الإعلان الرسمي لموقفه بعدم خوض الانتخابات الذي لن يخلو من مراجعة لأبرز المحطات السياسية التي كانت وراء اتخاذه موقفه، ويكشف أن الحريري في مداخلته التي أدلى بها أثناء ترؤسه كتلة «المستقبل» النيابية، أو خلال اجتماعه برؤساء الحكومات، حرص على تمرير لفتة إيجابية باتجاه رئيس البرلمان، واصفاً إياه بأنه الصديق الصادق الذي وقف إلى جانبه، لكنه لم يتمكن من أن يفعل شيئاً وحده.
ومع أن الحريري سيعود ثانية للقاء كتلته النيابية في اجتماع يسبق إعلانه عن قراره الذي لن يغيب عنه ما لديه من خيارات سياسية يصارح بها تياره ومن خلاله اللبنانيين وبالتنسيق مع نادي رؤساء الحكومات، فإنه استبق مطالعته بقوله أمام نوابه بأنه لم يلمس من بعض شركائه في الوطن أي تجاوب لإخراج البلد من التأزم والسير به نحو الإنقاذ.
وينقل أحد النواب عن الحريري قوله: «إن البعض يريد أن يتحالف معي في الانتخابات النيابية ليبادر لاحقاً إلى مساواتي بمن يعطل البلد وينضم إلى من يتهمونني بالتحالف مع هذا الطرف أو ذاك على حساب إنقاذه».
كما ينقل عنه قوله: «إننا خضنا الانتخابات النيابية في دورات سابقة وفزنا فيها، لكن أين يصير هذا الفوز طالما أن بعض شركائنا في الوطن ليسوا في وارد الانضمام إلى جهودنا لإنقاذ البلد بإعطائهم الأولوية لمشروع الدولة وتعزيز حضورها وتفعيل دورها بتحقيق الإصلاحات السياسية والإدارية، لحساب المشاريع الأخرى التي تعوق عملية الإنقاذ؟».
ومع أن الحريري لم يوفر هؤلاء من انتقاداته من دون أن يسميهم، فإنه في المقابل توقف، كما يقول النائب الذي فضل عدم ذكر اسمه، أمام تعطيل مفاعيل مؤتمر «سيدر» للنهوض بلبنان من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية، وأمام الأسباب التي أملت عليه الاعتذار عن تشكيل الحكومة وأبرزها رفض بعض الأطراف تشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين ومستقلين ومن غير المحازبين انسجاماً مع المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويؤكد أن الحريري استفاض في مداخلته بالحديث عن عدم الإفادة من الفرص التي أتيحت لإنقاذ لبنان، وكيف أن بعض الأطراف أهدرتها، ويقول إنه تطرق أيضاً إلى ربط النزاع مع «حزب الله»، وكيف انقلب عليه بخرقه وآخرين لسياسة النأي بالنفس بتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، ما شكل خرقاً للبيانات الوزارية التي كانت التزمت بها.
وعليه، فإن رؤساء الحكومات السابقين ومعهم ميقاتي سيتفرغون لعقد اجتماعات مفتوحة فور انتهاء الحريري من تلاوة بيانه لوضع خطة لمواجهة المرحلة السياسية بعد عزوفه عن خوض الانتخابات لملء الفراغ السياسي لغياب «المستقبل» عن البرلمان، مع أن غيابه سيؤدي إلى إعادة خلط الأوراق، وهذا ما يمكن أن تأتي به الانتخابات النيابية في ضوء انصراف القوى المحلية إلى مراجعة حساباتها اقتراعاً وترشحاً وصولاً إلى التحالفات التي تسبق تركيب اللوائح.



​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
TT

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كان الصياد اليمني محمد يحصل بسهولة على رزقه اليومي، وتوفير احتياجات أسرته الغذائية، حيث يذهب إلى البحر في سواحل محافظة شبوة الواقعة إلى الشرق من مدينة عدن، لكن هذا الأمر أصبح صعباً بعد أن اضطر للجلوس بجوار طفله الذي أصيب بالكوليرا.

تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه، ويُكافح لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، حيث تقع قرية حورة التي يسكنها على بُعد 50 كيلومتراً من أقرب مركز طبي، وكانت هذه الرحلة تمثل سفراً مرعباً لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج. ويقول الرجل إنه عندما يمرض أحد من السكان، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئاً ثقيلاً.

اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

وتؤكد الأمم المتحدة أن عودة انتشار الكوليرا تسبب في تسجيل عشرات الآلاف من حالات الاشتباه، منها أكثر من 30 ألف حالة منذ بداية العام، ورصدت ازدياد عدد الحالات في محافظة شبوة بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفاً ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلاً.

وفي حين أن الأمطار الغزيرة والفيضانات زادت من انتشار الكوليرا، يذكر الصياد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي بسبب توقف الحركة بفعل الفيضانات الأخيرة، ولهذا ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنها استجابت لهذه الأزمة وقامت بإعادة فتح مركز «حورة» الطبي الذي صُمم لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.

تطوع مجتمعي

بينت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث أنه وفي سبيل تمكين المجتمعات أسهمت جهودها في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية، حيث حشدت فريقها من متطوعي المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والالتزام بمساعدة المجتمعات في إدارة مواجهة تفشيه.

وتقول المتطوعة جميلة إنها تأثرت بشدة بمعاناة المجتمع، لذا قررت أن تصبح عاملة صحية لمساعدتهم. وذكرت أنه وطوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويج لممارسات الصحة العامة، من خلال المتطوعين الذين ساعدوا بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.

متطوعون يمنيون يتولون توعية السكان بطرق الوقاية من الكوليرا (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الأممي، فإن تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كانت مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية، وإنه ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم، ابتداء من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.

وبحسب الهجرة الدولية بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز «حورة» الطبي، ولكن تفشي الكوليرا تعدى سكان القرية، حيث أثر أيضاً على المهاجرين من القرن الأفريقي الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة الموجودة على طرق الهجرة الرئيسية.

تعاون وثيق

طبقاً لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإنها وبالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وتضمنت استراتيجية المنظمة إيجاد خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. وتقديم أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا للمجتمعات الضعيفة.

وزير الصحة اليمني يتفقد مركز عزل الكوليرا في محافظة أبين (إعلام حكومي)

وتبين «الهجرة الدولية» أن المتطوعين في مركز «حورة» الطبي تعاملوا مع المشاكل الصحية الفورية بخاصة الكوليرا، ولم يقتصر دورهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن ومنذ بدء التفشي، كان المتطوعون يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين لطالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق.

وتواصل الحكومة اليمنية الكفاح بالتعاون مع المنظمات الدولية لمواجهة هذا الوباء، خاصة مع بدء موسم الأمطار الحالي، إذ سارعت إلى افتتاح مراكز لعلاج حالات الإصابة بالكوليرا في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الحوثيين يواصلون التكتم على أرقام الإصابات ويرفضون تخصيص مراكز لعلاج هذا الوباء.

وتظهر أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات في مناطق سيطرة الحوثيين بلغت أكثر من 93 ألف حالة، حتى مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، فيما تم تسجيل بقية الحالات وتمثل نسبة 17 في المائة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.