يساريون من دون يسار في تونس

صراع محتدم بين تياريهم «الاجتماعي» و«الآيديولوجي»

يساريون من دون يسار في تونس
TT

يساريون من دون يسار في تونس

يساريون من دون يسار في تونس

تابع الرئيس التونسي قيس سعيّد تعيين شخصيات يحسبها البعض على «اليسار الراديكالي» أو «اليسار الآيديولوجي» في مواقع استراتيجية في الدولة، رغم انتقادات خصومه ومعارضيه الذي يتهمونه بـ«الانقلاب على الدستور» و«احتكار كل السلطات التنفيذية التشريعية» و«محاولة السيطرة على القضاء والمجتمع المدني» منذ 25 يوليو (تموز) الماضي. وأشرف الرئيس أخيراً في قصر قرطاج على موكب رسمي لتنصيب محافظ العاصمة التونسية الجديد كمال الفقي، الذي اتهمته أوساط من المعارضة بالانتماء إلى «اليسار الآيديولوجي المتطرف» (مجموعة الـ«وطد»)، على غرار زوجته الناشطة اليسارية سنية الشربطي التي تزعمت الحملة الانتخابية لسعيّد عام 2019 مع شخصيات شيوعية معروفة بينها رضا شهاب المكي. وفي المقابل، يوجه تيار من رموز «اليسار الاجتماعي الديمقراطي» انتقادات حادة للرئيس سعّيد وانخرطوا بدورهم في جبهة معارضي قرارات 25 يوليو و22 سبتمبر (أيلول) الماضيين، التي أدت إلى تعليق الدستور وحل البرلمان والحكومة التي نالت ثقته العام الماضي.
فما حقيقة وضع اليسار التونسي في ظل المتغيرات التي تشهدها البلاد وتعمق التناقضات بين «اليسار الاجتماعي» و«اليسار الآيديولوجي»؟ وهل ينجح النشطاء اليساريون في تعديل المشهد السياسي مجدداً، تفاعلاً مع دعاة تشكيل «كتلة تاريخية» بمفهوم أنطونيو غرامشي -الزعيم اليساري الإيطالي مطلع القرن الماضي- الذي دعا إلى «تحالف قيادات اليسار من شمال البلاد مع قيادات الكنيسة في الجنوب»... أم تُستنزف طاقاتهم بسبب حدة صراعات قياداتهم على المواقع ومأزق «الزعاماتية»؟
رأى الزعيم الحقوقي واليساري عز الدين الحزقي، أحد مؤسسي حركات اليسار ومنظمات حقوق الإنسان في تونس منذ 50 سنة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن أولوية الأولويات بالنسبة لليسار يجب أن تكون دعم الحريات وحقوق الإنسان. وأورد أنه «لا بد من التمييز بين صنفين من اليساريين في تونس وفي كامل المنطقة: اليسار الحقوقي الديمقراطي والاجتماعي من جهة، واليسار الآيديولوجي المتطرف من جهة أخرى».
واعتبر الحزقي، الذي كان من مؤسسي «رابطة حقوق الإنسان» التونسية أواخر السبعينات من القرن الماضي، أن «اليساريين في تونس والعرب لعبوا دوراً كبيراً خلال السنوات الخمسين الماضية في النضال من أجل الحريات العامة والفردية والحوار مع كل التيارات والشخصيات الوطنية والقومية والإسلامية». واستدل الحزقي بأسماء شخصيات ديمقراطية من رفاقه السابقين مثل نور الدين بن خذر وجلبار النقاش وخميس الشماري وأحمد كرعود والهاشمي الطرودي... وقد انفتحوا جميعاً على كل التيارات اليسارية والوطنية والإسلامية المعتدلة. إلا أنه تابع فاتَّهم بعض قيادات اليسار التونسي الجديد بـ«الانحراف» وبـ«الابتعاد عن القيم الديمقراطية الكونية والتحالف مع حكومات الاستبداد» خلال العقود الماضية ثم مع حكومة «الانقلاب» الحالية -حسب تعبيره- «لأسباب آيديولوجية حيناً، وخدمةً لمصالح شخصية ضيقة حيناً آخر».
- انقسامات خطيرة...
في السياق نفسه توقف المحامي الحقوقي والزعيم اليساري عبد الرؤوف العيادي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عند تعقيدات «العلاقة بين أزمة اليسار التونسي والعربي وانخراط قيادات يسارية في معارك آيديولوجية عقيمة تسببت في تحالفهم مع خصومهم، أي مع حكومات الاستبداد منذ 40 سنة، وتناسوأ السنوات التي أمضوها بدورهم في السجون وزنزانات التعذيب، بمجرد أن تلك الحكومات قمعت خصومهم السياسيين والآيديولوجيين، خصوصاً منهم بعض المحسوبين على «التيار الإسلامي» أو «تيارات الهوية».
وأورد العيادي، الذي كان من أبرز مؤسسي حركتي «العامل التونسي» و«اليسار الماركسي التونسي» في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، أن اليساريين التونسيين منقسمون اليوم مجدداً بين مجموعتين «لأسباب آيديولوجية». إذ تساند المجموعة الأولى قرارات قيس سعيّد يومي 25 يوليو و22 سبتمبر الماضيين وتعدّها «حركة تصحيحية» وتطالب الرئيس بـ«عدم التراجع عنها» وبحل الأحزاب والمجموعات السياسية المعارضة لها، ومنها حزب حركة «النهضة الإسلامية»، وحزب «حراك تونس الإرادة» الذي يتزعمه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وأحزاب «المبادرة الديمقراطية» اليسارية بزعامة أحمد نجيب الشابي، وحركة «مواطنون ضد الانقلاب» بزعامة الجامعي اليساري جوهر بن مبارك والأكاديميين الحبيب بوعجيلة وزهير إسماعيل. أما المجموعة الأخرى فلا تتورط في «المعارك الآيديولوجية» وترى أن أولوية الأولويات بالنسبة إلى اليسار الاجتماعي - الديمقراطي هو الانحياز للطبقات الشعبية وللعمال ولضحايا القمع والاستبداد، ولكن في الوقت نفسه لا بد أن يعارض «الانقلاب على الدستور باستخدام القوة العامة»، على حد قوله.
في ظل هذه «الانقسامات الخطيرة» رأى الرئيس المؤسس لحزب التيار الديمقراطي الوزير السابق محمد عبو، أن «من بين غلطات الرئيس قيس سعيد، وبعض الأحزاب والمنظمات المحسوبة على اليسار منذ منعرج 25 يوليو ما كان لها مفعول عكسي، وأجهضت خطة محاسبة الفاسدين وأحزاب المنظومة التي حكمت البلاد منذ مطلع 2011 –حسب عبو- وبينها قيادات أحزاب (النهضة، وقلب تونس، ونداء تونس، وتحيا تونس)».
كذلك، اتّهم قياديون متشددون من اليسار الماركسي والقومي زعيم حزب العمال الشيوعي حمة الهمامي ورفاقه بالتحالف مع «حركة النهضة» ومع «الأحزاب البرجوازية» بسبب تصريحاته التي عارض فيها قرارات 25 يوليو و22 سبتمبر الماضيين واتهم خلالها رئيس الجمهورية بـ«الانقلاب على الدستور وعلى الديمقراطية اعتماداً على قوات الأمن والجيش».
- يساريون من دون يسار
في سياق متصل، يرى زعيم اليسار الطلابي السابق علي بالمبروك المهذبي أن «من بين معضلات البلاد تشرذم اليساريين منذ أكثر من خمسين سنة بين مجموعات سياسية وحزبية ومنظمات قانونية وغير قانونية بالجملة متنافرة، إلى جانب تورط بعض زعمائهم ورموزهم في توظيف النقابات العمالية والطلابية والمنظمات الحقوقية خدمةً لمصالح شخصية»... ويضيف: «هذا أفقد معظمهم الكثير من مصداقيتهم» رغم نجاح بعضهم في تسلم حقائب وزارية ومسؤوليات عليا في الحكومة وفي قصر الرئاسة وعلى رأس المؤسسات الإعلامية والثقافية والسياسية والدبلوماسية إبان عهدي بورقيبة وبن علي»... وكان –وفق المهذبي- من بينهم ماركسيون وماويون (نسبة إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ) ممن أسسوا الحركات اليسارية «آفاق» و«العامل التونسي» و«الشعلة» و«حزب الوطنيين الديمقراطيين».
وما يجدر ذكره هنا أن بين «الزعماء اليساريين» الذين تقلدوا مسؤوليات حكومية عليا في عهد زين العابدين بن علي الخبير القانوني محمد الشرفي، وعالم الاجتماع المنصر الرويسي، والخبير الاقتصادي أحمد السماوي، والأمين العام السابق لاتحاد الطلبة سمير العبيدي.
في المقابل، عدّ الإعلامي والكاتب اليساري منجي الخضراوي في سلسلة من المقالات نشرها في الصحف التونسية أنه رغم «احتلال اليساريين بعد ثورة 2011 مواقع مهمة» في الدولة وعلى رأس النقابات ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية فإنهم ظلوا «يساريين من دون يسار». وقال الخضراوي إن اليساريين بقوا مشتتين بين مجموعات من الشخصيات والنشطاء السياسيين «التقدميين» المنشقين عن عدة حركات وأحزاب من دون أن ينجحوا في تشكيل هيكل يساري كبير يوحّد بين تحركاتهم... ونقطة ضعف هؤلاء أنهم ليسوا مؤهلين لتحريك الشارع خارج سياق النقابات. وكانت التجربة اليسارية الموحدة القوية الوحيدة بعد «ثورة 2011» هي «الجبهة الشعبية» التي وحّدت أكثر من 10 أحزاب يسارية وبعثية وقومية وتزعمها حمة الهمامي وشكري بلعيد في 2013، إلا أن نقطة ضعف تلك «الجبهة»، حسب تصريح الزعيم اليساري السابق أبو السعود الحميدي لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تتفق على «بديل للحكومات والنظام السياسي الحاكم» بل وضعت على رأس أولوياتها «محاربة الآخر»، وبخاصة قوى «الإسلام السياسي».
وهنا لا بد من الإشارة إلى تزايد تأثير هذه «الجبهة» السياسية بعد اغتيال زعيميها شكري بلعيد ومحمد البراهمي وفوزها في انتخابات 2014 بـ15 مقعداً في البرلمان. أيضاً فاز مقربون منها بعضوية البرلمان وبمواقع حكومية بعد انخراطهم في حزب «نداء تونس» بزعامة الباجي قائد السبسي وتحالفهم معه ومع «المنظومة القديمة» في الانتخابات الرئاسية ضد منافسه المنصف المرزوقي. لكن كلفة ذلك التحالف كانت باهظة، إذ مُني مرشحو اليسار و«الجبهة الشعبية» و«حزب نداء تونس» بخسارة جسيمة في انتخابات 2019 أدت لخروجهم من البرلمان.
كذلك، أسفرت الانتخابات الرئاسية عن هزيمة مدوية لرموز «اليسار» الذين تقدموا إليها متنافرين بينهم حمة الهمامي وعبيد البريكي ومحسن مرزوق وناجي جلول ومنجي الرحوي وإلياس الفخفاخ ومحمد عبو وزهير المغزاوي. وكانت تلك الهزيمة مدخلاً لتحالف بعضهم بعد ذلك مع أنصار الرئيس قيس سعيّد الذي عيّن «الديمقراطي الاشتراكي» إلياس الفخفاخ رئيساً للحكومة الأولى مطلع 2020، ولقد عيّن أيضاً شخصيات يسارية وحقوقية ونقابية بارزة في حكومته أو في فريق مستشاري قصر الرئاسة في قرطاج كان من بينهم الطبيب فتحي التوزري والمحاميان العياشي الهمامي ومحمد عبو والإعلامية رشيدة النيفر وشخصيات قومية ناصرية وبعثية ولم يكن غريباً أن يتصدر المشهد الحكومي والبرلماني والسياسي قوميون ويساريون سابقون انخرط بعضهم منذ 2020 في حملات وتحركات للمطالبة بحل البرلمان والأحزاب. ونظم يساريون آخرون حملات في نفس الاتجاه من خارج الحكومة بينهم الوزيران والنقابيان اليساريان السابقان ناجي جلول وعبيد البريكي. ثم مهّدت تلك التحركات لتحالف قطاع من «اليسار الآيديولوجي» مع الرئيس سعيّد وأنصاره بعد «حركة التصحيح في 25 يوليو».
ومقابل ذلك، انحاز عدد من رموز «اليسار الاجتماعي والديمقراطي» ضدهم، وأسسوا جبهات سياسية وصفت نفسها بأنها «معارضة للانقلاب»، انفتحت على شخصيات من مرجعيات فكرية وسياسية مختلفة... بين هؤلاء عبد الرؤوف بالطبيب السفير والمستشار السابق للرئيس قيس سعيّد، ورضا بالحاج المحامي اليساري والوزير المستشار السابق في رئاسة الجمهورية في عهد الباجي قائد السبسي، وعصام الشابي وعبد اللطيف الهرماسي ورفاقهما في «الحزب الجمهوري»، وشخصيات معتدلة من حزب «حركة النهضة» بينهم أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية العجمي الوريمي والبرلمانية فائزة بوهلال.
- ورقة اليسار النقابي
إلا أن الورقة الأهم اليوم بالنسبة إلى اليسار «الاجتماعي الديمقراطي» هي ورقة اتحاد نقابات العمال، حسب الأكاديمي والقيادي السابق في الحزب الديمقراطي التقدمي اليساري الحبيب بوعجيلة. فقد أورد بوعجيلة -الذي يتصدر هيئة حركة «مواطنون ضد الانقلاب» مع شخصيات يسارية وليبرالية وحزبية متعددة الألوان- في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة تعد أمين عام نقابات العمال نور الدين الطبوبي، وغالبية قيادات اتحاد الشغل، مستقلين عن كل الأحزاب أو من بين المساندين لليسار المعتدل والاجتماعي. وأردف أن الطبوبي وغالبية رفاقه يتمسكون بالعودة إلى المسارين الديمقراطي والبرلماني، وأنهم يعارضون «الانقلاب على الدستور وعلى البرلمان المنتخب وعلى الحكومة التي منحها ثقته بأغلبية الثلثين أكثر من مرة» رغم انتقاداتهم لحزب «حركة النهضة» وللمنظومة السياسية السابقة.
- «حركة تصحيح»
لكن ماذا عن مواقف قياديين بارزين في اتحاد الشغل ممن ساندوا قرارات 25 يوليو ووصفوها بـ«حركة تصحيح» مثل سامي الطاهري وسمير الشفي والأسعد اليعقوبي ورفاقهم «القوميين والبعثيين والتروتسكيين والماركسيين»؟
الحبيب بوعجيلة يرى أن الديمقراطيين الذين تجمعوا حول حراك «مواطنون ضد الانقلاب» و«المبادرة الديمقراطية» يعدّون الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي «الناطق الرسمي القانوني الوحيد» للنقابات. وهم يثمنون مواقفه الديمقراطية ويتعاملون مع معارضيه داخل النقابات بصفتهم الحزبية والآيديولوجية سواء كانوا من أقصى اليسار «الشيوعي» أو «الماركسي اللينيني» أو من بين البعثيين والقوميين «العروبيين» أو من بين الإسلاميين...
لكن من بين المعضلات التي يعاني منها اليسار التونسي منذ عقود -حسب عبد الرزاق الهمامي ومحمد العربي عزوز ونعيمة الهمامي ونخبة من مؤسسي «حركة الشعلة» اليسارية ومجموعات «الوطنيين الديمقراطيين»- أن بعض رموز «اليسار الراديكالي» لم يتصالحوا مع ثقافة مجتمعهم... بل دخلوا في صراعات آيديولوجية لها علاقة بـ«المتغيرات الدولية في الأحزاب الشيوعية والاشتراكية العالمية» وانفجار الخلافات بينها حول تقييمها لسياسات قيادات الاتحاد السوفياتي والصين وألبانيا وكوبا وبقية الدول المحسوبة على الاشتراكية والشيوعية و«القوى التقدمية». لكن بعض رموز اليسار النقابي الراديكالي السابقين، مثل أحمد الكحلاوي، قاموا بمراجعات منذ تسعينات القرن الماضي وأصبحوا يتهمون اليسار التونسي والعربي «التقليدي» بـ«الانحياز للاستعمار ضد الحركات الوطنية» خلال مرحلة الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي والبريطاني. كما اتهموهم بالوقوف ضد حركات التحرر الوطني الفلسطينية «لأسباب آيديولوجية».
في هذه الأثناء، يتهم خصوم الرئيس التونسي بأنه يسعى وأنصاره إلى كسب ود «اليسار الآيديولوجي» وتوظيفه في معركته ضد معارضي «حراك 25 يوليو» لا سيما «حركة النهضة» وحزب «قلب تونس». وهذا في حين دخل مئات من المثقفين من تيارات مختلفة في سلسلة تحركات وإضرابات الجوع والاعتصامات لتوسيع الجبهة المعارضة لمسار 25 يوليو وتشكيل «جبهات توافق حول المشترك الاجتماعي والديمقراطي والوطني». وهو ما يفتح باب التساؤلات عمن ستكون له الكلمة الفصل؟ ومن سيكسب ورقة التحالف مع «اليسار الاجتماعي» وكوادر الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعد لعقد مؤتمره الوطني الدوري الشهر المقبل؟
- عز الدين الحزقي... يساري عارض حكم بورقيبة وبن علي ويتزعم معارضي سعيّد
> برز أخيراً على الساحة الإعلامية والسياسية التونسية المناضل الحقوقي اليساري عز الدين الحزقي (78 سنة) الذي كان قد سُجن في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي بسبب أنشطته المعارضة منذ أواخر الستينات من القرن الماضي.
الحزقي، الذي أصبح يتصدر المؤتمرات الصحافية وإضرابات الجوع والمسيرات، من أبناء محافظة صفاقس وسط البلاد (270 كلم جنوبي العاصمة تونس) ونشأ في منطقة جبنيانة التي خرج منها طوال العقود الماضية عشرات المعارضين والنقابيين. ولقد سُجن الحزقي أواخر الستينات ثم في السبعينات من القرن الماضي بسبب أنشطته السياسية المعارضة ضمن حركتي «آفاق» و«العامل التونسي» اليساريتين.
وفي عهد زين العابدين بن علي قدم ترشحه للانتخابات الرئاسية في 1989 لكنّ طلبه رُفض، فتابع التعبير عن مواقفه المعارضة بحدة مما تسبب في إيقافه وسجنه مراراً.
لقد كان الحزقي من بين مؤسسي «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» أواخر السبعينات ثم بقي عضواً في مجلسها الوطني. وبعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 أسّس جمعية «دستورنا» التي ترأسها بعده نجله أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية جوهر بن مبارك. وطوال العشرية الماضية شارك الحزقي في اعتصامات ومسيرات ضد كل الحكومات. وبعد قرارات 25 يوليو الماضي الرئاسية أصبح يتزعم حراك «مواطنون ضد الانقلاب» الذي يضم شخصيات من عدة تيارات سياسية ومستقلين. وأخيراً نشير إلى أن عز الدين الحزقي دوّن مذكراته السجنية في كتاب قدم فيه شهادات طريفة اختار له عنواناً «نظارات أمي»...



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».