كيف يمكننا التغلب على مخاوفنا من الطاقة النووية؟

محطة للطاقة النووية في غرب فرنسا (أ.ف.ب)
محطة للطاقة النووية في غرب فرنسا (أ.ف.ب)
TT

كيف يمكننا التغلب على مخاوفنا من الطاقة النووية؟

محطة للطاقة النووية في غرب فرنسا (أ.ف.ب)
محطة للطاقة النووية في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

مر بالفعل ما يقرب من سبعة عقود منذ افتتاح أول محطة للطاقة النووية في أوبنينسك، روسيا، ولكن الطاقة النووية لا تزال مثيرة للجدل كما كانت دائماً - حتى بالنسبة للأشخاص الذين يعتقدون أن منع تغير المناخ من تدمير الكوكب يعني أنه يجب علينا اللجوء إلى مصادر بديلة للطاقة ما وراء الوقود الأحفوري.
قال مايكل مان، أستاذ علوم الغلاف الجوي في ولاية بنسلفانيا الأميركية، لصحيفة «ديلي بيست» إن هناك عنصراً محيراً في النقاش، حيث يبدو أن العديد من المؤيدين بشدة للطاقة النووية يريدون فصل أنفسهم عن «دعاة حماية البيئة اليساريين» الذين قد يكونون أكثر ميلاً إلى خيارات الدعم مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وأشار إلى أن هذا النهج غالباً ما يتعلق بالهوية أكثر من إيجاد الحلول.
وقال تود ألين، أستاذ الهندسة ورئيس قسم العلوم النووية والأشعة في جامعة ميشيغان، لصحيفة «ديلي بيست»: «أعتقد أن الناس يميلون إلى الانضمام إلى فريق والعمل على تعزيز الفريق: أرى وفرة غير منطقية من بعض زملائي النوويين، لكني أراها أيضاً مع مصادر الطاقة المتجددة... أنا فقط أعتقد أن هذه طبيعة بشرية».
وتكون هذه مشكلة إذا اتفقنا جميعاً على أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستنقذ العالم، ولكن هناك بعض المخاوف بشأن تعليق كل آمالنا على هذه الحلول. في بعض الأحيان لا تشرق الشمس ولا تهب الرياح. يُطلق على ذلك مصطلح «مشكلة التقطع»، ومن المحتمل أن تترك الأشخاص محاصرين من دون كهرباء لساعات أو حتى أيام في كل مرة إذا لم تكن هناك طاقة احتياطية.
يتمثل أحد الحلول لذلك في استخدام بطاريات على نطاق الشبكة لتخزين فائض طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية عندما تكون الظروف مثالية بحيث يمكن توزيعها عندما تكون الظروف أقل من مثالية. ومع ذلك، ما زلنا نعمل على تحسين تكنولوجيا البطاريات للتأكد من قدرتنا على تلبية احتياجات الطاقة لفترات طويلة إذا لزم الأمر، لذلك سيستغرق ذلك بعض الوقت.
ويمكن للطاقة النووية أن تحل مشكلة التقطع. في الواقع، يمكن استخدامها لتلبية طلب ثابت على الطاقة - نظرياً، يمكننا استخدامها لتشغيل كل شيء، طوال الوقت، دون أي قيود صارمة، وفقاً لتقرير «ديلي بيست».

لكن الجانب الآخر من إمكانات الطاقة النووية هو تاريخها. أدى انهيار فوكوشيما دايتشي عام 2011 إلى إجلاء ما يقرب من 150 ألف شخص وانتشار الإشعاع على طول الطريق إلى كاليفورنيا. حصلت كارثة تشيرنوبيل قبل 36 عاماً، وما زلنا نعيش مع تداعياتها على صحة الإنسان والبيئة. وغالباً ما يثير المتشككون مخاوف بشأن التعامل مع النفايات المشعة التي تنتجها المفاعلات النووية.
ومع ذلك، يرى معظم الخبراء أن المفاعلات الحديثة آمنة (تم تشغيل مفاعلات فوكوشيما وتشرنوبيل في السبعينات)، ومصممة خصيصاً للتأكد من وجود فرصة ضئيلة للانصهار عند تشغيلها بشكل صحيح. بالنسبة للنفايات، يعتقد ألين أن هذه مشكلة غالباً ما تكون مبالغاً فيها. قال: «الطاقة النووية لا تسبب الكثير من النفايات... المشكلة هي أن النفايات الناتجة عنها يجب معالجتها بعناية فائقة».
في الواقع، قد لا تكون العقبة الكبرى أمام الطاقة النووية هي الأمان - ولكن الوقت والمال. كانت مشاريع الطاقة النووية الجارية في الولايات المتحدة تسير بخطى بطيئة. كلف مفاعلان كانا قيد الإنشاء في جورجيا منذ 2013 مليارات الدولارات - أكثر مما كان متوقعاً - ولم يكتملا بعد. يمكن الانتهاء من المفاعل الأول في غضون عام تقريباً.

قال ألين: «لقد أصبحت عملية بناء محطات الطاقة النووية سيئة للغاية... المصانع التي نبنيها في جورجيا الآن تتخطى حدود الوقت والميزانية».
عندما يتعلق الأمر بمستقبل الطاقة النووية، فإن أحد أنواع المفاعلات النووية التي حظيت باهتمام كبير في السنوات الأخيرة يسمى «مفاعل نووي معياري صغير» (SMR). كما يوحي الاسم، تم تصميم هذه المفاعلات لتكون جزءاً صغيراً من حجم المفاعلات النووية التقليدية - بنسبة تصل إلى 90 في المائة أصغر. سيكون لها أجزاء ميكانيكية أقل من المفاعل التقليدي، وتعمل على مواد مشعة أقل، وتنتج حرارة أقل، ويمكن أن تعمل تحت الأرض بأنظمة تبريد سلبية.
وكل هذه السمات لا تجعل بناءها أسهل وأرخص تكلفة فحسب، بل تتيح أيضاً أن تكون المفاعلات أكثر أماناً من محطات الطاقة النووية العادية — على الأقل من الناحية النظرية. وفكرة حدوث كارثة بحجم تشيرنوبيل مع المفاعل النووي المعياري الصغير هي في الأساس مستحيلة مادياً. يمكن للنظم الصغيرة والمتوسطة الحجم، في الواقع، تهدئة العديد من مخاوف السلامة التي يتحدث عنها المشككون بشأن الطاقة النووية.
وكان أثر هذه الفكرة كبيراً لدرجة أنه حتى شخصية ثرية مثل بيل غيتس بدأ في تأسيس شركة المفاعلات النووية «تيرا باوور» عام 2006، تعمل الشركة حالياً على بناء منشأة مفاعل نووي صغير في وايومنغ يمكن أن تقوم بإنتاج يبلغ 500 ميغاوات.

أصبحت «نيو سكيل باوور» ومقرها ولاية أوريغون أول شركة في الولايات المتحدة تحصل على موافقة السلامة من هيئة التنظيم النووي (NRC) لتصميمها مفاعلاً نووياً معيارياً صغيراً في عام 2020، وتخطط الشركة لتشغيل مفاعلاتها الأولى بشكل كامل بحلول عام 2030. وستنتج المفاعلات 720 ميغاوات من الكهرباء في إيداهو. وتعتقد الشركة أن المحطة يمكن أن توفر الطاقة في نهاية المطاف لمئات الآلاف من المنازل في المنطقة.
وحددت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هدفاً يتمثل في جعل الولايات المتحدة تعمل بكهرباء نظيفة بنسبة 100 في المائة بحلول عام 2035، من الصعب رؤية المفاعلات النووية الصغيرة أو الطاقة النووية بشكل عام تلعب دوراً كبيراً ضمن هذه الخطة في تلك المرحلة. لكن قضية تغير المناخ تعني أنه ليس لدينا خيار سوى المضي قدماً بالوسائل الأفضل.


مقالات ذات صلة

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

قال ضابط روسي هارب إنه في اليوم الذي تم فيه شن الغزو في فبراير 2022 كانت قاعدة الأسلحة النووية التي كان يخدم فيها «في حالة تأهب قتالي كامل».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

تسعى روسيا إلى تصعيد التهديد النووي، في محاولة لتثبيط الدعم الغربي لأوكرانيا بانتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض، آملة التوصل إلى اتفاق سلام بشروطها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري «أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

تحليل إخباري تحليل: صواريخ أتاكمز التي تطلقها أوكرانيا على روسيا ستنفجر في وجه أميركا

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة بالغة الخطورة من بعد استخدام كييف للصواريخ بعيدة المدى التي حصلت عليها من أميركا وبريطانيا لضرب أهداف في العمق الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا أعمال تنفيذ محطة الضبعة النووية (هيئة المحطات النووية المصرية)

مصر وروسيا لتسريع العمل بمحطة «الضبعة» النووية

بحث مسؤولون من مصر وروسيا، الثلاثاء، في القاهرة، سبل تسريع إجراءات تنفيذ مشروع محطة «الضبعة» النووية، الذي تقيمه الحكومة المصرية بالتعاون مع روسيا.

أحمد إمبابي (القاهرة)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
TT

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، في مقابلة تلفزيونية، الأحد، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا، مبدياً قلقه بشأن «التصعيد» الراهن.

ومنذ فوز الملياردير الجمهوري في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، يخشى الأوروبيون أن تقلّص الولايات المتّحدة دعمها لأوكرانيا في هذا النزاع، أو حتى أن تضغط عليها لتقبل باتفاق مع روسيا يكون على حسابها.

واختار الرئيس المنتخب الذي سيتولّى مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، كل أعضاء حكومته المقبلة الذين لا يزال يتعيّن عليهم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ.

وفي مقابلة أجرتها معه، الأحد، شبكة «فوكس نيوز»، قال والتز إنّ «الرئيس ترمب كان واضحاً جداً بشأن ضرورة إنهاء هذا النزاع. ما نحتاج إلى مناقشته هو مَن سيجلس إلى الطاولة، وما إذا كان ما سيتمّ التوصل إليه هو اتفاق أم هدنة، وكيفية إحضار الطرفين إلى الطاولة، وما الذي سيكون عليه الإطار للتوصل إلى ترتيب».

وأضاف، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ «هذا ما سنعمل عليه مع هذه الإدارة حتى يناير، وما سنواصل العمل عليه بعد ذلك».

وأوضح والتز أنّه «بالنسبة إلى خصومنا الذين يعتقدون أنّ هذه فرصة لتأليب إدارة ضد أخرى، فهم مخطئون»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن فريق الإدارة المقبلة «قلق» بشأن «التصعيد» الراهن للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.

وفي الأيام الأخيرة، صدر عن مقرّبين من الرئيس المنتخب تنديد شديد بقرار بايدن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع.

وخلال حملته الانتخابية، طرح ترمب أسئلة كثيرة حول جدوى المبالغ الهائلة التي أنفقتها إدارة بايدن على دعم أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي لهذا البلد في 2022.

ووعد الملياردير الجمهوري مراراً بإنهاء هذه الحرب بسرعة، لكن من دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك.

وبشأن ما يتعلق بالشرق الأوسط، دعا المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي للتوصّل أيضاً إلى «ترتيب يجلب الاستقرار».

وسيشكّل والتز مع ماركو روبيو، الذي عيّنه ترمب وزيراً للخارجية، ثنائياً من الصقور في الإدارة المقبلة، بحسب ما يقول مراقبون.

وكان ترمب وصف والتز، النائب عن ولاية فلوريدا والعسكري السابق في قوات النخبة، بأنه «خبير في التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وإيران والإرهاب العالمي».