محاربون إسرائيليون قدامى يعترفون بارتكاب «مذبحة الطنطورة»

بعد سنوات طويلة من الإنكار يتحدثون عن صحوة ضمير

صورة من الأرشيف الفلسطيني لتهجير إسرائيل سكان الطنطورة جنوب حيفا بعد مجزرة 1948
صورة من الأرشيف الفلسطيني لتهجير إسرائيل سكان الطنطورة جنوب حيفا بعد مجزرة 1948
TT

محاربون إسرائيليون قدامى يعترفون بارتكاب «مذبحة الطنطورة»

صورة من الأرشيف الفلسطيني لتهجير إسرائيل سكان الطنطورة جنوب حيفا بعد مجزرة 1948
صورة من الأرشيف الفلسطيني لتهجير إسرائيل سكان الطنطورة جنوب حيفا بعد مجزرة 1948

بعد 74 عاماً من التستر والإنكار، اعترف عدد من الضباط والجنود الإسرائيليين بارتكاب مذبحة بحق حوالي 200 شخص من أسرى الحرب الفلسطينيين في بلدة الطنطورة الساحلية 1948، وروى هؤلاء التسعينيون في اعترافات صحافية، أمس، كيف قتلوا هؤلاء الأسرى وأقاموا لهم قبراً جماعياً دفنوهم فيه.
والطنطورة بلدة فلسطينية تقع على بعد 24 كيلومتراً جنوبي مدينة حيفا. كانت ذات أهمية خاصة، بسبب مينائها البحري الذي بناه ظاهر العمر، في القرن التاسع عشر، واحتلها نابليون واتخذها مقراً مؤقتاً له. وفي عام 1948، بلغ عدد سكانها حوالي الألفين. حسب قرار تقسيم فلسطين، الصادر في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 فوقعت الطنطورة ضمن المناطق المخصصة للدولة اليهودية. وبعد الإعلان عن قيام إسرائيل بأسبوع، هاجمتها كتيبة رقم 33 في لواء «الكسندروني»، واحتلتها وشردت سكانها.
وذكرت مصادر فلسطينية، أنها تعرضت لمذبحة رهيبة خلال احتلالها، كما حصل لثمانين قرية فلسطينية في ذلك الوقت. لكن الجيش الإسرائيلي رفض هذا الادعاء، وقال إن ما جرى كان قتالاً حربياً بين جنود مسلحين من الطرفين، سقط فيه 13 محارباً يهودياً. لكن مؤرخاً يهودياً، يدعى تدي كاتس، أعد في عام 1988، دراسة أكاديمية لنيل شهادة الماجستير من جامعة حيفا، اكتشف خلالها، أن الجنود الإسرائيليين هاجموا الطنطورة، «بهدف التطهير العرقي، حتى يبقى الساحل نظيفاً من العرب»، وأنه خلال ذلك تم نهب ممتلكات الفلسطينيين وطردهم بالقوة، وقتل حوالي 200 رجل من سكانها، الذين استسلموا وأصبحوا في العرف والمواثيق «أسرى حرب».
ولم يعتمد الباحث فقط على روايات شفوية من سكان الطنطورة، الذين لجأ قسم منهم إلى قرية الفريديس القريبة، بل اعتمد أيضاً إلى شهادات عيان من بعض الجنود اليهود وبعض الوثائق السرية في الجيش الإسرائيلي. بعد نشر الدراسة، ثارت ضد كاتس موجة تحريض دموية، إذ كانت إسرائيل مشحونة بالعداء للفلسطينيين بسبب انفجار الانتفاضة الأولى. وتقدم عدد من جنود «الكسندروني» القدماء، بدعوى إلى المحكمة المركزية ضد كاتس، بتهمة القذف والتشهير، وطالبوه بتعويضات كبيرة. وأجرت المخابرات معه تحقيقاً مريراً. وبحثت إدارة الجامعة طلباً لفصله من الدراسة.
ارتدع كاتس في حينها فزعاً من قسوة التعامل معه، خصوصاً أن العديد من الدراسات نشرت عن مذابح إسرائيلية ولم يتعرض أصحابها لهجمة كهذه. فبدأ يشك في روايته ودراسته، وتراجع عما كتب، ونشر اعتذاراً مكتوباً في الصحف. ولكنه بعد فترة، أعاد مراجعة بحثه وترسخت قناعاته بأن ما كتبه كان صحيحاً، وأن من اشتكوا ضده أرادوا طمس القضية «لأنها تنطوي على جرائم حرب بكل معنى الكلمة». فأعلن تراجعه عن التراجع الأول. وتوجه إلى المحكمة لتقر وجهة نظره، حتى يلغي اعتذاره رسمياً، لكن المحكمة رفضت وألزمته بدفع غرامة. وخرج جنود الكسندروني منتصرين.
وفي أمس، نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية تقريراً يضم إفادات جديدة لقسم من هؤلاء الجنود، يعترفون فيها بتنفيذ المجزرة. فقال موشيه ديامنت، إن هناك من فرض كم الأفواه في هذه القضية. ويقول التقرير إن هؤلاء الجنود، الذين يقتربون من التسعين في العمر، قرروا الاعتراف. فقال ديامنت: «كان بيننا متوحشون. وجميعنا لم نقل الحقيقة». وقال حايم لفين: «أحد جنودنا اقترب من مجموعة من الأسرى المستسلمين، تضم 15 – 20 شخصاً، وقتلهم جميعاً. فتوجهت للزملاء اسأل لماذا نفعل هذا؟ فأجابوا: أنت لا تعرف كم قتل هؤلاء من جنودنا». وقال ميخا فيتكون، إن «أحد الضباط الإسرائيليين الذي أصبح فيما بعد مسؤولاً كبيراً في وزارة الدفاع، كان يقتل العرب بمسدسه الشخصي. يتقدم منهم وهم مستسلمون ويضع فوهة المسدس على رأس كل منهم ويضغط على الزناد وينتقل للآخر. نوع من الهوس».
وقال جندي آخر: «ليس جميلاً أن نقول هذا. لكنه حدث. لقد أدخلوا العرب في حاوية وقتلوهم بداخلها. لا زلت أتذكر الدماء في الحاوية حتى الآن». وقال الجندي عمتسور كوهن: «أنا كنت قاتلاً. لم آخذ أسرى. كنت أوقف المقاتلين العرب وهم رافعو الأيدي وأطلق عليهم الرصاص. لم أحصِ عددهم. كان معي رشاش فيه باغة من 250 رصاصة».
وقال المخرج السينمائي ألون شفارتس، الذي أعد فيلماً وثائقياً جديداً حول المجزرة، إن دولة سليمة، ترى واجباً في صحوة الضمير وإعادة البحث وكشف كل الحقائق ونشرها كما هي. فالحقيقة أهم من أي شيء آخر.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.