الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم

تشتت الميليشيات على ساحات القتال.. والمتطرفون ينفذون عمليات انتقامية

الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم
TT

الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم

الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم

رغم نقص السلاح والذخيرة فإن الجيش الليبي تمكن من أخذ زمام المبادرة في حربه ضد المتطرفين، وتحول من الدفاع إلى الهجوم، مما أدى إلى تشتت الميليشيات، وقيام المتطرفين بتنفيذ عمليات انتقامية. وبعيدا عن طاولة الحوار الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، وما يكتنفه من غموض وعراقيل، يكثف الجيش الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر من عملياته على الأرض في سباق مع الزمن، وذلك في محاولة لإنقاذ البلاد من شبح التقسيم والانهيار.
وفي المقابل، بدا أن قوات المتطرفين، المنتشرة في عدة مدن، بدأت تفقد التحكم في زمام الأمور وتتجه إلى الضرب العشوائي، بعد أن تمكن الجيش من دخول مناطق كانت تسيطر عليها الميليشيات المسلحة، والسيطرة على خطوط إمداد وعدة طرق، والدخول إلى «ضواح ملغمة» في بنغازي وطرابلس.

حتى وقت قريب، كانت قوات المتطرفين تعمل تحت قيادة موحدة، ممثلة في شخصيات متشددة من جماعة الإخوان المسلمين التي يعود أصول أغلبها إلى مدينة مصراتة، الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وفي هذا الصدد يقول مصدر عسكري ليبي إن «الوضع تغير بشكل لافت بعد حملات الجيش التي بدأت ضد الميليشيات منذ الصيف الماضي حتى الآن.. وبشكل متزايد ومنضبط ومدروس. وهذا أدى إلى ظهور خلافات وانقسامات بين قادة المتشددين.. وهذه نقاط إيجابية لصالح القوات المسلحة».
ويسود اعتقاد بين عدد من القادة العسكريين الليبيين بأن تقدم الجيش على عدة جبهات أسفر عن إرباك المتطرفين، وذلك وفقا لأحد المستشارين المقربين من حفتر، والذي أضاف موضحا «التفجيرات والذبح وتسهيل الهجرة غير الشرعية، أعمال يقف وراءها المتطرفون لكي يبعثوا برسالة للعالم من أجل مساندتهم ضد قوات الجيش. إنهم يقدمون أنفسهم تحت مزاعم تقول إنهم قادرون على محاربة تنظيم داعش، ووقف الهجرة غير الشرعية. ونحن نعلم أن بعض هؤلاء القادة تحدثوا مع ممثلين للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقالوا لهم أوقفوا عمليات الجيش ضدنا وساندونا لكي نحارب (داعش) ونؤمِّن السواحل».
ويبدو أنه كلما أحرزت القوات المسلحة تقدما على الأرض في حربها ضد المتشددين، ظهرت مشكلة كبرى مثيرة للاهتمام المحلي والدولي في هذا البلد الغارق في الفوضى. فبعد أيام من اقتراب الجيش من محاور مهمة في العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها قوات ما يعرف باسم «فجر ليبيا»، والتي يقودها الإخوان، استيقظ العالم على حدثين مفجعين.. الأول إعلان «داعش ليبيا» عن ذبح 28 إثيوبيا مسيحيا، والثاني غرق نحو 800 مهاجر غير شرعي في البحر المتوسط بعد انطلاقهم من الساحل الليبي.
وفي هذا الصدد قال ضابط سابق في الجيش، يقدم في الوقت الراهن استشارات عسكرية للسلطات الجديدة، إن «من يقف وراء التفجير الذي وقع قبل يوم أمام مقر السفارة الإسبانية في طرابلس، هي تلك الجماعات التي تشعر بالخسارة، وهي قوات المتطرفين المدعومة من (فجر ليبيا)، والإخوان في الأساس. ومثل هذا الأمر حدث عدة مرات من قبل. وكلما سددت القوات المسلحة ضربات لمعاقل المتشددين، ردوا بذبح الناس وتفجير السيارات المفخخة، كما جرى في مدن القبة والبيضاء وبنغازي في الشهور الماضية. والآن بدأ العنف في طرابلس، وأيضا في الجنوب لأن الجيش يتقدم بقوة على هذين المحورين.. وهذه جرائم يتحمل مسؤوليتها قادة فجر ليبيا، وفقا للمستشار العسكري».
ومنذ أن بدأت الأمم المتحدة، عن طريق ممثلها في ليبيا برناردينو ليون، الحوار بين الليبيين أواخر العام الماضي، والجيش ينظر بتشكك لجدوى هذه اللقاءات التي جرت في جنيف والجزائر والصخيرات بالمغرب. ولذلك توجد علامات استفهام كبيرة بشأن إصرار ليون على ضم قيادات يعرف بأن لها تاريخا من الإرهاب والعنف، إلى طاولة الحوار.
ويشكو القادة العسكريون من تعسف المجتمع الدولي ضد الجيش بسبب الاستمرار في فرض الحظر المطبق من الأمم المتحدة على تسليحه، بينما المطلوب منه، من جانب، بناء قدراته التي تضررت بشدة أثناء الحرب ضد قوات معمر القذافي في 2011، ومن جانب آخر، العمل على بسط الأمن والاستقرار في عموم البلاد. وبهذا الخصوص يقول المستشار العسكري ذاته «يمر الجيش بمنعطف خطير يتعلق بنقص في الأسلحة والذخيرة. وأنا لا أقول إن هذا الأمر قد يؤدي إلى انتكاسة في العمليات العسكرية لكنه يقيد الجيش، ويؤخر الحسم ضد قوات الميليشيات، بينما نحن نستعد لمعركة طرابلس من أجل طرد المتطرفين منها».
وفيما يتعلق بتطور العمليات في بنغازي، تشير المصادر إلى أن مجموعات من المتطرفين ممن يسمون «مجلس شورى ثوار بنغازي» ما زالوا يتحصنون في بعض جيوب المدينة بمنطقتي الليثي والصابري، وأن الجيش مصمم على طردهم خارجها، ولهذا خاض خلال اليومين الماضيين معارك ضارية رغم نقص الذخيرة، أسفرت عن تصفية 5 من قادة الإرهابيين، بينما خسر الجيش 7 من جنوده.
ولم يسلم سكان العاصمة الليبية نفسها من هجمات المتطرفين، حيث أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين المؤيدين للسلطات الشرعية في عدة مواجهات، جرت في ضواحي طرابلس خلال الأيام الماضية. وفي يوم الاثنين الماضي أعلنت مجموعات من الشبان في ضاحية فشلوم، وسط العاصمة، رفضها لحكم الميليشيات، وأعلنت تأييدها للجيش الوطني والبرلمان الشرعي الذي يدير جلساته من بلدة طبرق في شرق البلاد، فما كان من الميليشيات إلا أن أطلقت النار على هؤلاء المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل أكثر من 20 شخصا وإصابة عشرات آخرين، واعتقال أعداد غير معروفة في ضواح مجاورة.
ويسيطر المتطرفون المدعومون من قوات «فجر ليبيا» على عدة مناطق في طرابلس، منها سوق الجمعة، وحي أبو سليم. وقد تكونت «فجر ليبيا» في بداية الأمر من مجموعات من المسلحين خلال النصف الأول من العام الماضي، بإيعاز من «ثوار مصراتة» الذين احتفظوا بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة عقب مقتل القذافي، وقاموا منذ ذلك الوقت بالتمركز في المناطق الشرقية من العاصمة. وقد كان الهدف من تشكيل «فجر ليبيا» طرد منافسين لمقاتلي مصراتة وشركاء سابقين لهم في الثورة ضد القذافي من العاصمة، وهم «ثوار الزنتان»، الذين كانوا يحرسون الجانب الغربي من العاصمة. وقد بدأ القتال الشهير بين الجانبين، وجرى خلاله تدمير مطار طرابلس الدولي في مشهد مأساوي الصيف الماضي. لكن في ذلك الوقت لم تكن قوات الجيش قد دخلت على خط المعارك في المناطق الغربية بعد. وهنا استغل القادة المتطرفون من جماعة الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة» ومتشددون آخرون هذا الانتصار، وبدأوا في تشكيل حكومة موازية في العاصمة، والإعلان عن رفض البرلمان الشرعي والحكومة المنبثقة عنه، والجيش الذي يقوده الفريق حفتر.
وهكذا تحولت «فجر ليبيا» من قوة تريد إعادة التوازن بين الميليشيات في العاصمة، إلى قوة تسعى للسيطرة على حكم ليبيا. وفي هذا الصدد يقول أحد نواب البرلمان الليبي إنه في هذا التوقيت، أي في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، بدأ مبعوث الأمم المتحدة الدعوة للحوار بين الليبيين، بينما كان ينبغي عليه الضغط من أجل رفع الحظر عن تسليح الجيش. وهذا الطريق ثبت أنه يصب في صالح خطط المتطرفين. ويمكن القول إن هؤلاء القادة المسؤولين عن الفوضى يحتمون بالأمم المتحدة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومن المقرر أن تستأنف اللقاءات بين أطراف الأزمة الليبية في الصخيرات برعاية السيد ليون خلال الأيام المقبلة، وفي هذا الشأن قال أحد القادة العسكريين إن «الحوار الذي كان يتجاهل مكونات رئيسة في ليبيا، وعلى رأسها الجيش والقبائل الكبرى، أصبح يتحدث في الفترة الأخيرة عن ضرورة إشراك هذه المكونات في الحوار، والتشاور معها عن مستقبل إدارة البلاد. وهذا تحول مهم يرجع الفضل فيه إلى تحالف أبناء القبائل مع الجيش، وهو تحالف بدا أنه يؤدي إلى إضعاف موقف المتطرفين التفاوضي».
ومعلوم أن البرلمان الشرعي يشارك في المفاوضات الأممية بشأن ليبيا، منذ البداية، عن طريق بعض النواب، وتمكن من إحراز تقدم أحرج الطرف الآخر الذي يمثل قوات الميليشيات. وقد رفض البرلمان التنازل عن صلاحياته كما كان يريد المتطرفون، وأصر على أن أي حكومة توافقية لا بد أن تحظى بمباركته أولا. وبينما يتمسك بشرعيته، باعتباره برلمانا منتخبا في انتخابات نزيهة من الشعب الليبي، ومعترف به دوليا، يقوم أيضا بالضغط من أجل حصول الجيش على السلاح.
لكن على الطرف الآخر، أي على جبهة ميليشيات المتطرفين، فإن الأمور أصبحت تسير بطريقة يشوبها الارتباك واختلاط الأوراق، و«الترنح» وفقا لما قاله لـ«الشرق الأوسط»: «مستشار للجيش الليبي خلال زيارته للقاهرة أخيرا. فقد كان تحالف المتطرفين يضم كل أنواع المتشددين، بمن فيهم من أصبحوا فيما بعد قادة في تنظيم (داعش ليبيا) في مدن درنة وصبراتة وسرت. وقد أشرفت فجر ليبيا والميليشيات التابعة لها طوال الشهور الأخيرة من عام 2014 على تدريب عناصر خطرة، شكلت منها ما أصبح يعرف باسم مجالس شورى ثوار المدن».
وعلى سبيل المثال يواجه الجيش في مدينة بنغازي خليطا من المتطرفين، ممن يعملون تحت مظلة مجلس شورى ثوار المدينة، ومن بين هؤلاء قادة من يوالون تنظيم داعش، ويتلقون في نفس الوقت الدعم من «فجر ليبيا». وكذلك «مجلس ثوار درنة» معقل تنظيم داعش، ويحظى هو الآخر بدعم من قادة طرابلس. إلى جانب ما يعرف بـ«القوة الثالثة»، التي تتمركز في سبها جنوب البلاد، وتحظى برعاية وحماية من قادة «فجر ليبيا» أيضا، وينخرط فيها أحمد الأنصاري، زعيم جماعة «أنصار الحق» المتطرفة، التي كانت تقاتل في شمال مالي. وكذا القيادي في تنظيم القاعدة مختار بلمختار وغيرهم.
ومع هذا تعلن «فجر ليبيا» والحكومة التي تساندها في طرابلس عن إدانتها لأعمال العنف، وفي الوقت نفسه تتعامل مع الجيش الوطني، باعتباره «عدوا» و«انقلابيا»، و«يسعى للسيطرة على الدولة لتكرار تجربة حكم القذافي».
وفي هذا السياق يكشف أحد أعضاء البرلمان، له صلة بالحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة، على أن قادة من «فجر ليبيا» يقومون، رغم ذلك، باتصالات مع أطراف غربية، وبث مزاعم عن أنها تقف ضد تنظيم داعش في ليبيا، وهذا أمر مضحك.. كلما حقق الجيش انتصارات ظهرت عملية لـ«داعش». مضيفا أنه «حينما وجه الجيش ضربات قوية لفجر ليبيا وأنصارها في بنغازي ودرنة مطلع العام الحالي، فوجئنا بعملية ذبح المصريين الـ21 في سرت.. وحين اقترب الجيش من طرابلس، وبعد أن ضيق الخناق على المتطرفين في الجنوب قبل أيام، فوجئنا بعملية أخرى، وهي ذبح الإثيوبيين الـ28». وقد أدت هذه الواقعة لإدانات واسعة، خاصة من الدول المعنية بالملف الليبي، ومنها الولايات المتحدة الأميركية ومصر. وتساند القاهرة السلطات الشرعية الليبية والجيش الوطني الليبي، وقد سبق أن وجهت ضربة عسكرية لقواعد تنظيم داعش قرب مدينة درنة، لكنها لم تتمكن حتى الآن من إقناع المجتمع الدولي برفع حظر السلاح عن الجيش الليبي، إلا أنه توجد ضغوط في اتجاه تشكيل حلف مساند لليبيا حتى لو كان يعمل بشكل غير ظاهر على السطح.
وتتعامل مصر مع ليبيا باعتبارها امتدادا لأمنها القومي، لكنها تنظر بتشكك إلى قادة الميليشيات في طرابلس، والحكومة الإخوانية المنبثقة عنها. وفي هذا الشأن قال مسؤول مصري بخصوص محاولات إشراك المتطرفين في حكومة توافق وطني ليبية، إن بلاده لن تضع يدها في أيدي «الإرهابيين». لكن مندوبين مصريين يراقبون الحوار الجاري في الصخيرات عن قرب.
وتؤكد الرئاسة المصرية على دعم القاهرة للجهود السياسية التي يقوم بها ليون، لكنها تقول إنه يتعين استكمال هذه الجهود بالتوازي مع تحقيق هدف استراتيجي واضح، يتمثل في عودة الدولة الليبية، ودعم الحكومة والجيش الوطني، وهو الأمر الذي سيساعد على عودة الاستقرار سريعًا لهذا البلد، جنبًا إلى جنب مع المضي قدمًا على المسار السياسي.
ويعتقد مسؤولون مصريون أن شبكة الإرهابيين في ليبيا تتعاون مع بعضها من «فجر ليبيا» إلى «داعش». وفي هذا الإطار كشف أحد المصادر الأمنية الليبية عن عملية تصفية لـ9 جنود ليبيين، كانوا يرابطون في بوابة قرب بلدة أوباري في الجنوب، وأن عملية القتل رميا بالرصاص، مشابهة لما يقوم به تنظيم داعش ليبيا، رغم عدم تبنيه لهذه العملية. وقد جرت هذه الواقعة البشعة قبل شهرين على بعد خطوات من تمركز لما يعرف بـ«القوة الثالثة» المدعومة من «فجر ليبيا». ورغم أنه لم يتم الكشف عمن يقف وراء تلك المذبحة، فإن السكان المحليين من أبناء القبائل يتهمون المتطرفين. كما جرى قتل الإثيوبيين قبل يومين في منطقة مجاورة.
وتقول معلومات أخرى إنه تم رصد رسائل متبادلة بين أمير درنة، المدعو سفيان بن جومة، وأحمد الأنصاري، قائد جماعة أنصار الحق الذي يعمل ضمن القوة الثالثة التابعة لـ«فجر ليبيا». ويوضح يوسف غالي، الناشط الليبي في إقليم فزان، أن هذه الرسالة دليل قاطع من الإرهابيين أنفسهم، ولأول مرة، على وجود تنظيم أنصار الحق في مدينة أوباري، مشيرا إلى أن هذا التنظيم يحاول السيطرة على المدينة لما لها من أهمية، وموقع استراتيجي في الجنوب الليبي، وهو يعد اليوم من أكبر التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل قوات «فجر ليبيا» ماديا وعسكريا، وتحديدا من قبل القوة المتمركزة في قواعد تمنهنت وسبها، ومنطقة جرمة، وحقل الشرارة.
كما يعتقد غالي أن محاولة المتطرفين السيطرة على مدينة أوباري تأتي بسبب وجود مطار مدني في المدينة، وقال إن «السيطرة عليه تسهل للمتطرفين تعزيز نفوذهم أمام ضربات الجيش المتلاحقة.. فهم يسعون لإنشاء جسر جوي مع قوات فجر ليبيا وفي حقل الشرارة النفطي، الذي يبعد نحو 60 كيلومترا غرب أوباري».
وبالتزامن مع أعمال المتطرفين في الجنوب، تنشط العمليات الإرهابية في الشمال أيضا. لكن الأمر لا يقتصر على الذبح الذي يتبناه «داعش ليبيا»، بل يمتد إلى استهداف السفارات الأجنبية. ويقول أحد المستشارين العسكريين إن «هذه رسائل فجر ليبيا، وهي موجهة إلى الغرب. وهي تريد من المجتمع الدولي الضغط على الجيش.. وفي نفس الوقت تصدر البيانات المنددة بعمليات تنظيم داعش، وتقول إنها مستعدة للدخول في تحالف دولي لتوجيه ضربات ضد هذا التنظيم. إنها هي من صنعته، والآن تسعى لجلب قوات دولية لليبيا لتعقيد الموقف، وتحقيق مكاسب للخروج من أزمتها».
واستهدفت التفجيرات التي وقعت في طرابلس خلال الفترة الأخيرة، وتبناها تنظيم داعش، مقار عدة سفارات، منها إسبانيا وكوريا الجنوبية والمغرب وغيرها. وقد تسبب الرعب من تفجير السفارات، واستهداف البعثات الأجنبية في إغلاق الكثير من مقار هذه البعثات، بل خروجها من ليبيا. ورغم كل هذه التطورات يقول المبعوث ليون إنه سيواصل الحوار الليبي حتى نجاحه. لكن لغة هذا الرجل لا تبدو مرضية للكثير من الأطراف المنحازة للشرعية؛ لأنه في كثير من الأحيان يساوي في حديثه بين الميليشيات والجيش الوطني. فالميليشيات مجموعات إرهابية، بينما الجيش يحظى بتأييد البرلمان ويلتف حوله غالبية الليبيين، وليست له أهداف سياسية، ويسعى فقط لفرض الأمن في ليبيا، وهو أمر يفترض أن يكون على رأس أولويات المجتمع الدولي. ونجاح الجيش يعني حماية الدولة الليبية من السقوط وحماية المنطقة من الإرهاب.
وقد أثار ليون الكثير من اللغط في الأوساط الليبية حين وصف أطرافا بأنها «تعادي السلام.. وتمقت الحل السياسي»، وذلك في إشارة فسرها البعض على أنها معادية لعمليات الجيش، رغم أنه سبق وأدان هجوم الميليشيات في طرابلس على المتظاهرين الداعمين للبرلمان الشرعي في طبرق.
ويقول قائد عسكري ليبي إن «الجيش قادر على حسم المعارك في بنغازي وطرابلس لو حصل على الأسلحة والذخيرة المطلوبة»، مشيرا إلى أن اتفاقات التعاون ومذكرات التفاهم، التي جرى توقيعها مع مصر في الشهور الأخيرة لدعم وتدريب الجيش الليبي مفيدة، لكنها وحدها لا تكفي.. فنحن نضغط من أجل رفع الحظر الدولي عن شراء السلاح، لكن في نفس الوقت نعمل أيضا للحصول على الأسلحة من مصادرنا الخاصة. لن نقف مكتوفي الأيدي.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.