«الاتحادية» تمنح سياسيي العراق فرصة جديدة للتفاهم

أرجأت مرافعات الطعن في شرعية الجلسة الأولى للبرلمان وأربكت التوقيت الدستوري لـ«الرئاسية»

المحكمة الاتحادية خلال جلستها أمس (أ.ف.ب)
المحكمة الاتحادية خلال جلستها أمس (أ.ف.ب)
TT

«الاتحادية» تمنح سياسيي العراق فرصة جديدة للتفاهم

المحكمة الاتحادية خلال جلستها أمس (أ.ف.ب)
المحكمة الاتحادية خلال جلستها أمس (أ.ف.ب)

في الوقت الذي منحت المحكمة الاتحادية العليا في العراق فرصة جديدة أمام القوى السياسية العراقية للتفاهم بشأن الخلاف الحاد بين مؤيدي حكومة الأغلبية الوطنية مقابل مؤيدي الحكومة التوافقية، فإنها أربكت التوقيتات الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق أعلنت، أمس (الأربعاء)، عن تأجيل المرافعات الخاصة بالطعون المقدمة من النائبين محمود المشهداني (رئيس السن في الجلسة الأولى)، وباسم خشان، بشأن جلسة البرلمان الأولى إلى الثلاثاء المقبل المصادف 25 يناير (كانون الثاني) الحالي. وكانت الاتحادية حددت الأسبوع الماضي، أمس (الأربعاء)، موعداً للبت بالطعون، لكنها اكتفت بأخذ إفادة المدعين. وجاء ذلك بعد قرار الاتحادية الولائي الذي تم بموجبه إيقاف عمل هيئة رئاسة البرلمان المنتخبة بشكل مؤقت، إلى حين البت بالطعون التي تتحدث عن مخالفات دستورية شابت الجلسة الأولى، فضلاً عن مخالفتها النظام الداخلي للمجلس.
وفيما أربك قرار المحكمة الاتحادية التوقيتات الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، فإنه منح القوى السياسية فرصة جيدة للتفاهم بشأن الخلافات الحادة بين «التيار الصدري»، بزعامة مقتدى الصدر، الذي يصرّ على تشكيل حكومة أغلبية وطنية والإطار التنسيقي الذي يريد حكومة توافقية. وعلى صعيد التوقيتات الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، التي تبلغ شهراً كأقصى مدة، بعد استكمال الإجراءات الخاصة من قبل البرلمان، وذلك لجهة فتح باب الترشيح لهذا المنصب، وإعلان أسماء المرشحين، فإن المركز الإعلامي للمحكمة الاتحادية كان أعلن، بتاريخ 13/ 1/ 2022 في بيان له أن «القرار الولائي الخاص بإيقاف عمل رئاسة البرلمان مؤقتاً لا يؤثر على سريان المدد الدستورية بخصوص إكمال بقية الاستحقاقات الدستورية، المتمثلة بالموعد الأقصى لانتخاب رئيس الجمهورية، وما يليها من إجراءات بخصوص تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة. وفي الوقت الذي يرى فيه بعض خبراء القانون أن هذه المدد الدستورية والاستحقاقات الدستورية تتأثر في حالة واحدة فقط، فيما إذا صدر قرار نهائي بإلغاء إجراءات جلسة مجلس النواب يوم 9/ 1/ 2022، وهذا الأمر لم يحصل إلى الآن، يرى آخرون أن تأجيل البت بالطعون إلى 25 من الشهر الحالي أثر على التوقيتات الدستورية الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، لأن المدة هنا حاكمة ولا يمكن تأجيلها إلى ما بعد يوم 8/ 2/ 2022.
ومع أن قرار الاتحادية يصب في مصلحة البيت الشيعي المنقسم بين الإطار والتيار، فإنه لا يصب في مصلحة البيت الكردي، الذي يواجه صعوبة بالغة في التوافق على مرشح متفق عليه لمنصب رئيس الجمهورية. فالحزب الديمقراطي الكردستاني طرح وزير الخارجية الأسبق، هوشيار زيباري، لمنصب رئيس الجمهورية، بينما طرح الاتحاد الوطني الكردستاني الرئيس الحالي برهم صالح للمنصب لولاية ثانية. وبينما يتمسك الاتحاد الوطني بصالح مرشحاً وحيداً، فإن «الديمقراطي الكردستاني» لا يزال يفاوض الاتحاد بِشأن ترشيح شخصية أخرى للمنصب، لكي يسحب ترشيح زيباري. وطبقاً لسياسي كردي مستقل، أبلغ «الشرق الأوسط»، طالباً عدم الإشارة إلى اسمه، فإن «موقف (الحزب الديمقراطي الكردستاني) ليس التمسُّك بالمنصب، لأنه يعلم أن حصوله على منصب رئاسة الجمهورية ومنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان الاتحادي بينما هو يتمسك بمنصب رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة يعني أن (الاتحاد الوطني)، وهو الحزب الرئيسي الثاني بالإقليم، والحاصل على 19 مقعداً برلمانياً في البرلمان الاتحادي لن يكون له أي منصب في بغداد ولا في الإقليم». وأضاف السياسي الكردي أن «لذلك تداعيات سوف تكون خطيرة على مستوى الشراكة بين الحزبين، وكذلك على مستوى التوازن داخل إقليم كردستان، إلى الحد الذي قد يحيي النزعات الخاصة بانفصال السليمانية، وإعلانها إقليماً مستقلاً».
وبشأن ما إذا كان الحزبان سيبقيان متمسكَيْن بموقفهما، يقول السياسي الكردي إن «الأيام المتبقية قليلة لحسم الأمر، لا سيما مع تأجيل البت بالطعون من قبل الاتحادية، وبالتالي لا بد من حسم هذا الأمر قريباً عن طريق التسوية، لكي لا يذهب الحزبان إلى سيناريو 2018، على الرغم من أن كفّة (الديمقراطي) قد تكون هي الراجحة الآن، بسبب التحالف الجديد بين الصدر والحلبوسي و(الديمقراطي)، لكن في حال فاز زيباري بالمنصب، فإن المشكلة لن تكون في بغداد، بل تتفاقم في كردستان، ولن تكون سهلة أبداً»



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.