«تغوّل الفساد» يهدد المال العام في ليبيا

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور
TT

«تغوّل الفساد» يهدد المال العام في ليبيا

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور

لم يندهش الليبيون من أن عديد المرشحين للانتخابات الرئاسية والنيابية متورطون في جرائم «سرقة وتزوير وفساد»، فهذه التهمة، بحسب تقارير رسمية صدرت على مدار الأعوام السابقة باتت الأشهر، وربما الأسهل، في لوائح الاتهام الصادرة عن مكتب النائب العام، والتي يرجع الكثير منها «لانعدام المساءلة القانونية» خلال فترات زمنية سابقة، لكنهم تخوفوا من حجم قضايا الفساد التي أعلنت النيابة عنها خلال الأسابيع الماضية.
وأعلن النائب العام المستشار الصديق الصور، خلال الأشهر الماضية، جملة من القضايا تورط فيها وزراء ومسؤولون حكوميون وموظفون، تنوعت ما بين تسهيل نهب المال العام، والتربح بطرق غير مشروعة، وضياع مئات الملايين على الدولة.
في هذا السياق، تحدث رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، عن توغل الفساد في غالبية المصالح والهيئات الحكومية، لكنه كشف في تصريحات إعلامية، عن أن قطاع الصحة يعد «الأكثر فساداً» من بين القطاعات العامة في الدولة الليبية، وقال «لدى الديوان تسجيلات لمسؤولين بوزارة الصحة يطلبون رشى من شركات القطاع الخاص بنسبة محددة».
ولاحظ أكاديميون ليبيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن «البلاد تشهد منذ فترة وجيزة تصاعد وتيرة الفساد والسطو على المال العام، أكثر مما مضى، لكنهم أرجعوا ذلك إلى نشاط النيابة العامة التي تتعقب الفاسدين وتفحص البلاغات المقدمة إليها من مواطنين».
وبجانب حبس كبار الموظفين في الشركات والمصارف الليبي، أمرت النيابة بحبس وزيري التربية والتعليم موسى المقريف، والثقافة مبروكة توغي بحكومة «الوحدة الوطنية»؛ لاتهامها في وقائع فساد والحصول على منافع وتزوير مستندات تتعلق بأوجه صرف المال العام، لكنها أفرجت عن مبروكة على ذمة القضية.
ونهاية الأسبوع الماضي، أمرت النيابة العامة بحبس 7 شخصيات، هم مدير فرع مصرف الجمهورية بمدينة زوارة، وسلفه، ورئيس قسم الخزينة، وثلاثة موظفين بالمصرف؛ لاتهامهم باختلاس 600 ألف يورو تم إيداعها في خزينة البنك.
ورأى سليمان البيوضي، المرشح للانتخابات الليبية، «الذهاب إلى صناديق الاقتراع وإعادة تجديد السلطة والشرعية حول الحل لكثير من مشاكل ليبيا»، متحدثاً عن أن «أبرز المرشحين في الاستحقاق الليبي متورطون في نهب المال العام».
ومنذ عام 2012 تراجع ترتيب ليبيا إلى الأسوأ، وصولاً إلى تصنيفها من بين الدول العشر الأكثر فساداً وفقاً لـ«مؤشر مدركات الفساد»، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية هذا العام.
واشتكت نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، من تفشي الفساد بالبلاد بشكل كبير، في وقت تشير فيه التقارير الرسمية إلى تبديد واسع للمال العام في قطاعات الدولة الليبية المختلفة.
وقالت المنقوش، إن «الفساد آفة فتاكة تنهش جسد دولتنا»، مضيفة، أنه «على الرغم مما تمر به البلاد، فإننا نؤكد التزامنا بالعمل محلياً، بالتعاون مع شركائنا الدوليين في مكافحة هذه الظاهرة».
وليس شكشك والمنقوش فقط من المسؤولين الذين يتحدثون عن تغول الفساد في ليبيا، بل إن رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، نفسه، قال، إن حكومته عندما تسلمت مهامها اكتشفت أن «الفساد يستشري في الملفات كافة بشكل لافت».
وأضاف الدبيبة في تصريحات إعلامية سابقة، أن «الحكومات السابقة ورّطت الدولة الليبية في مشكلات لا حصر لها في الداخل والخارج»، وأنه طالب الأجهزة الرقابية بـ«فتح كل الملفات، وأنه لا حصانة لأحد»، غير أنه لفت إلى أن ملف العلاج بالخارج «من أكثر الملفات التي تعج بالفساد ويستنزف من قدرات الشعب الليبي بلا هوادة».
لكن الدبيبة أعاد الحديث عن الفساد خلال كلمته أمام مسؤولي جهاز الإمداد الطبي نهاية الأسبوع الماضي، وقال، إن «وزارة الصحة بشكل أو بآخر في فوضى عارمة، وإداراتها ترفض التغيير»، كما لفت إلى أن القطاع «يعاني من تردٍ في مستوى الخدمات ويئن من الفساد».
ومضى الدبيبة يقول، إن هناك أدوية يجري استيرادها دون داعٍ، وأخرى يجري إعدامها بالمستشفيات بعد انتهاء صلاحياتها، وأخرى تتكدس لدى المستشفيات دون استخدام أو إعادة التوزيع لمناطق أخرى تحتاج إليها، متابعاً «هناك إسراف وعبث بالأدوية التي يجري استيرادها عبر تهريبها وبيعها في السوق السوداء».
وبجانب وقف التعدي على أملاك الدولة في عديد المناطق، أسهمت جهود النيابة في استعادة أموال نهبها موظفون حكوميون بعد التحقيق معهم بالأمر بحبسهم، ووجّه النائب العام وكلاءه بالمواظبة على الاهتمام اللازم بـ«سرعة التحقيق في الجرائم الموصوفة بالفساد»، مع «استعجال الملاحقة القضائية للموظفين العموميين الذين مسّت أفعالهم حرمة الأموال العامة، واتخاذ الإجراءات الاحتياطية في مواجهتهم حال استيفاء إجراءات التحقيق التي كشفت عن تملكهم لها بالمخالفة للتشريعات».


مقالات ذات صلة

كيف أطال نتنياهو حرب غزة للهروب من فضائح الفساد؟

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

كيف أطال نتنياهو حرب غزة للهروب من فضائح الفساد؟

يربط فيلم «ملفات بيبي» بين فضائح الفساد التي تطارد نتنياهو واستراتيجياته للبقاء في السلطة، حتى لو كان الثمن استمرار الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شرطيان إيطاليان (رويترز - أرشيفية)

توقيفات ومصادرة 520 مليون يورو في تحقيق أوروبي بشأن المافيا والتهرب الضريبي

ألقت الشرطة في أنحاء أوروبا القبض على 43 شخصاً وصادرت 520 مليون يورو، في تحقيق أوروبي بمؤامرة إجرامية للتهرب من ضريبة القيمة المضافة.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)
رياضة عالمية داني جوردان (رويترز)

اعتقال رئيس اتحاد جنوب أفريقيا لكرة القدم بسبب مزاعم فساد

ذكرت وسائل إعلام محلية أن السلطات في جنوب أفريقيا ألقت القبض على داني جوردان، رئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم، الأربعاء؛ بسبب مزاعم بشأن استخدام أموال الاتحاد.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
الخليج «نزاهة» أكدت مضيها في تطبيق النظام بحقّ المتجاوزين دون تهاون (الشرق الأوسط)

السعودية: «نزاهة» تشهر بمواطن استخرج تمويلاً «مليونياً» بطريقة غير نظامية

شهّرت هيئة الرقابة السعودية بمواطنين ومقيمين تورطوا بعدة قضايا جنائية باشرتها خلال الفترة الماضية، والعمل جارٍ لاستكمال الإجراءات النظامية بحقهم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي جلسة مجلس الشعب السوري الأربعاء (سانا)

مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة عن اثنين من نوابه

رفع الحصانة عن النائبين في مجلس الشعب السوري جاء بعد يوم من إسقاط عضوية النائب أنس محمد الخطيب بسبب حصوله على الجنسية الأردنية إلى جانب السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)
TT

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)

قرر مصرف الإمارات المركزي تعليق نشاط تحويل الأموال لشركة «الرازوقي» للصرافة العاملة في الدولة، لمدة 3 سنوات، وذلك بسبب انتهاك قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

وبحسب بيان للمصرف المركزي، أرسل نسخة منه لـ«الشرق الأوسط» قال إنه تم إغلاق فرعين للشركة في منطقتي المرر وديرة بدبي، حيث اتُّخذت هذه الإجراءات الإدارية بموجب المادة 14 من قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

ووفقاً للبيان، فإن المصرف المركزي يعمل من خلال مهامه الرقابية والإشرافية، على ضمان التزام جميع شركات الصرافة ومالكيها وموظفيها، بالقوانين السارية في البلاد، والأنظمة والمعايير المعتمَدة من المصرف المركزي، مشيراً إلى أنه يهدف للحفاظ على شفافية ونزاهة النظام المالي للدولة.

وتنص المادة 14 من قانون غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الإمارات أنه يجب على جميع المرخص لهم الامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية الحالية الخاصة بمواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب المحددة من قِبل المصرف المركزي، والتصدي لمخاطر غسل الأموال، وتمويل الإرهاب من خلال التدابير الوقائية المناسبة لردع إساءة استخدام القطاع قناةً للأموال غير المشروعة، والكشف عن غسل الأموال، وأنشطة تمويل الإرهاب، وإبلاغ وحدة المعلومات المالية في المصرف المركزي عن أي معاملات مشبوهة.