تراجع في سعر الدولار في لبنان نتيجة تدخل «المركزي»

خبير اقتصادي يحذر: هذا قرار سياسي ولن يكون دائماً

تراجع الكتلة النقدية بالليرة في السوق اللبنانية أدى إلى تحسن سعرها مقابل الدولار (رويترز)
تراجع الكتلة النقدية بالليرة في السوق اللبنانية أدى إلى تحسن سعرها مقابل الدولار (رويترز)
TT

تراجع في سعر الدولار في لبنان نتيجة تدخل «المركزي»

تراجع الكتلة النقدية بالليرة في السوق اللبنانية أدى إلى تحسن سعرها مقابل الدولار (رويترز)
تراجع الكتلة النقدية بالليرة في السوق اللبنانية أدى إلى تحسن سعرها مقابل الدولار (رويترز)

اضطر الصرافون لتخفيض سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، أمس، إلى ما دون سقف الأسعار التي كان وضعتها منصة «مصرف لبنان» المركزي للمرة الأولى منذ عامين، وذلك إثر تراجع مخزونهم من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية جراء تدخل «المركزي» في تحوُّل أساسي يطال سوق القطع النقدية منذ بداية الأزمة.
وسجل سعر صرف الدولار على المنصات الافتراضية التي يعتمد عليها الصرافون والمواطنون على حد سواء، 23 ألف ليرة للدولار الواحد، بينما سجل التداول على منصة «صيرفة» التابعة للمصرف المركزي، 23300 ليرة للدولار، وذلك للمرة الأولى منذ إطلاق المنصة في عام 2020. وعزا خبراء هذا الأمر إلى تراجع الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية لدى الصرافين الناتجة عن العرض والطلب.
وأعلن البنك المركزي الأسبوع الماضي أن بإمكان البنوك شراء الدولارات منه دون حد أقصى بالسعر الذي تحدده منصة «صيرفة» التابعة له، التي دأبت على تحديد أسعار أفضل لليرة من أسعار السوق الموازية.
ولطالما سجل سعر الصرف في السوق الموازية سعراً للدولار أعلى من منصة «مصرف لبنان» (صيرفة)، ما دفع المواطنين للجوء إلى الصرافين لمبادلة دولاراتهم الورقية بأوراق نقدية محلية. لكن هذه العملية انقلبت، أمس (الأربعاء)، مستفيدة من الإجراءات النقدية التي اتخذها «المركزي» في الأسبوع الماضي، التي تتيح للمواطنين مبادلة العملة المحلية لديهم بأوراق دولار نقدي في المصارف، من دون سقف، وبأسعار أفضل من الصرافين، وهو ما حوّل اتجاهات المبادلة باتجاه المصارف.
وقالت مصادر مصرفية إن انخفاض سعر الدولار لدى الصرافين «ناتج عن شح الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة لديهم»، بفعل «تزايد الطلب على الأوراق النقدية المحلية، وتراجعه على الأوراق النقدية بالدولار التي توفرها المصارف بسعر أعلى». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن إجراءات «(المصرف المركزي) أدت إلى سحب الكتلة الكبيرة من الليرة اللبنانية التي كانت تتم مبادلتها بين الصرافين والناس وتؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف»، ويُطلق عليها اسم «الكتلة الحارة»، بينما بقيت الأوراق النقدية التي يستعملها المواطنون يومياً لشراء حاجياتهم في أيديهم.
وسعى «المصرف المركزي» منذ إطلاق الإجراء الأخير في الأسبوع الماضي، إلى امتصاص الكتلة النقدية بالليرة التي أدت إلى التضخم، وبالتالي ارتفاع سعر صرف الدولار، وإثر سحبها عبر توفير الأوراق النقدية بالدولار في المصارف، هبط سعر الصرف من 34 ألف ليرة للدولار الواحد، إلى 27 ألف ليرة خلال يومين، وواصل تراجعه إلى حدود 24 ألف ليرة يوم الثلاثاء، وصولاً إلى 23 ألف ليرة أمس.
ورغم هذا التحسن لا تزال قيمة الليرة أقل بأكثر من 90 في المائة من مستواها في 2019 قبل انزلاق لبنان إلى أزمة مالية دفعت بأغلبية اللبنانيين إلى صفوف الفقراء.
وأعاد مايك عازار الخبير في الأزمة ومدرس الاقتصاد الدولي السابق في كلية الدراسات المتقدمة بجامعة «جون هوبكينز» هذا الانخفاض إلى «قرار سياسي»، لكنه قال إنه «ليس مستداماً». وأوضح أن تدخل المصرف المركزي «يأتي بثمن كبير للغاية إذ يحرق ما لديك من احتياطيات، التي هي بالطبع مقترضة من المودعين».
وتقول الحكومة التي تولت السلطة في سبتمبر (أيلول) الماضي إنها تهدف إلى الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي بما يفتح الباب أمام دعم المانحين. لكنها لم تنفذ حتى الآن الإصلاحات التي طلبها المانحون لمعالجة أسباب الانهيار مثل الهدر والفساد.
وقال نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس: «إذا واصل المصرف المركزي هذا (التدخل) من دون إجراءات على جبهتي الإصلاح الهيكلي والمالي فسينتهي بنا الحال إلى استنفاد الاحتياطيات». وأضاف: «لا بد أن تصاحبه إجراءات هيكلية وتقدم المفاوضات مع (صندوق النقد الدولي)».
وتسعى الحكومة اللبنانية إلى تخفيض العجز والتضخم، على أعتاب مفاوضات مع «صندوق النقد»، للشروع بحل أزمتيها المالية والاقتصادية. وكان النظام المالي انهار في 2019 تحت وطأة الدين العام اللبناني الضخم وتمويله بالاقتراض من البنوك التجارية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.