اللبنانيون يحبسون أنفاسهم قبل إقرار الموازنة العامة

لا ضرائب جديدة... ومخاوف من زيادة أسعار السلع

TT

اللبنانيون يحبسون أنفاسهم قبل إقرار الموازنة العامة

يحبس اللبنانيون أنفاسهم بانتظار الانتهاء من تحضير موازنة المالية العامة للعام 2022 التي تنكب الحكومة على إعدادها، وسط شائعات عن زيادة في الضرائب ورفع قيمة الدولار الجمركي، وهو ما نفته مصادر وزارية مواكبة لمناقشات إعدادها، مؤكدة أن «لا ضرائب جديدة فيها».
ومنذ الخريف الماضي، سارع الكثير من اللبنانيين إلى استيراد السيارات، استباقاً لأي قرار متصل بزيادة الدولار الجمركي أو فرض رسوم جديدة، كما استبق كثيرون الموازنة الجديدة بدفع رسوم الإنشاءات في البلديات والدوائر العقارية، كذلك سارع التجار إلى تخزين بضائع قبل ارتفاع أسعارها. ويتوجس اللبنانيون من إقرار رسوم وضرائب جديدة كونها ستضيف أثقالاً مالية عليهم، تفاقم أزماتهم المعيشية، بالنظر إلى أنها سترفع أسعار السلع المتوافرة في السوق.
وتنكب وزارة المال في لبنان على إعداد موازنة المالية العامة للعام 2022 لإحالتها إلى الحكومة تمهيداً لمناقشتها وإقرارها. ويعد ذلك أبرز شروط المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي للانطلاق في خطة التعافي واستدراج المساعدات لوضع لبنان على سكة حلول أزماته، وتفعل العمل بها بعد إعلان حركة «أمل» و«حزب الله» عن عودة وزرائهما إلى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء لإقرار الموازنة وخطة التعافي. وبعد إقرار الموازنة، ستُحال إلى اللجان البرلمانية المختصة التي ستدرسها وتحيلها بدورها إلى الهيئة العامة للبرلمان لإقرارها.
وتمثل الضرائب أبرز هواجس اللبنانيين قبل إقرار الموازنة، لكن مصادر مطلعة في وزارة المال أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن لا ضرائب جديدة في موازنة العام 2022 من غير أن تنفي احتمال زيادات في الرسوم المالية لتسجيل العقارات وغيرها، وذلك «إذا تم اعتماد التخمين الفعلي لأسعارها»، فعندئذ «من الطبيعي أن تزيد الرسوم»، لكنها جزمت بأن لا شيء أقر حتى الآن، و«كل ما يُقال ينطوي على تكهنات». وشددت المصادر على أن آلية زيادة الدولار الجمركي «لا تكون، حسب القانون، في الموازنة، بل هذه الآلية يتخذها مجلس الوزراء»، وذلك في رد على معلومات حول زيادة الدولار الجمركي ضمن مشروع الموازنة الجديدة.
ويعتمد لبنان تحصيل واردات الجمارك الآن على أساس سعر صرف بقيمة 1515 ليرة للدولار الواحد، وهو سعر الصرف الرسمي، وتحدثت معلومات عن اتجاه لزيادة سعر صرف الدولار الجمركي إلى مستويات أعلى. وقالت مصادر مصرفية إن المعلومات المستقاة من سياسيين تتحدث عن تقديرات بأن يكون سعر صرف الدولار الجمركي بين 6 و8 آلاف ليرة كسعر مرجعي للدولار، وأنه ليست هناك أي اتجاهات لرفع سعر الدولار الجمركي للسلع الحيوية مثل المواد الغذائية وغيرها، بينما قد يرتفع إلى حدود سعر منصة المصرف المركزي (24 ألف ليرة) على الكماليات من السلع المستوردة.
ويظلل التكتم مناقشات البنود المالية المرتبطة بالموازنة الجديدة، وقالت مصادر وزارة المال لـ«الشرق الأوسط» إن لا شيء محسوماً بعد، وتجري مناقشة كل البنود في دراسة الموازنة وإعداد مشروعها، نافية الجزم بأي تقديرات حول القرارات والبنود الواردة فيها.
وتسعى الحكومة اللبنانية لإيجاد «توازن دقيق بين النفقات والإيرادات، مع تحديد فائض أولي بالموازنة قابل للنمو، يوضع في خدمة الدين العام»، كما قالت المصادر المواكبة، شارحة لـ«الشرق الأوسط» الأسس التي يجب أن تقوم عليها الموازنة في ظل الوضعين المالي والمعيشي الضاغطين، وتشرح المصادر أن الإنفاق سيكون مقتصراً على رواتب موظفي القطاع العام والمصاريف اللوجيستية، في ظل استبعاد أي إنفاق استثماري في الموازنة في ظل هذه الظروف، في وقت يتكفل مصرف لبنان المركزي بتأمين الدعم للسلع القليلة التي لا تزال مدعومة من قبل الدولة مثل أدوية الأمراض المستعصية والطحين.
أما الإيرادات الناتجة عن العائدات الضريبية والرسوم الجمركية، فتسعى الحكومة لزيادتها من غير زيادة في الضرائب. وتنطوي زيادة العائدات على أهمية استثنائية «بهدف زيادة المساعدات لموظفي القطاع العام والفئات الأكثر ضعفا على أساس معونات عينية ومادية تُلحظ في الموازنة، وبالتالي تأمين انتظام القطاع العام».
أما الفائض بين الإيرادات والمصاريف، فيُحال إلى الصندوق السيادي لتوظيفه في خدمة الدين العام، وذلك «بهدف مخاطبة المجتمع الدولي حول التزام لبنان بتسديد الديون الخارجية»، لافتة إلى أنه «على أساس هذا الفائض، تقرر الحكومة كيفية إعادة هيكلة الديون الخارجية وتوزيع استحقاقاتها». وقالت المصادر إن «المؤشرات على معالجة الدين تظهر في الفائض الأولي بالموازنة».
وفي ظل التكتم على مناقشات الموازنة، قال مقرر لجنة المال الموازنة في البرلمان النائب نقولا نحاس إنه «لا خلافات حول أرقام الموازنة»، و«إننا واصلون إلى موازنة تعبر عن الواقع الحقيقي وتؤسس لإعادة الحياة إلى الدولة». ولفت إلى أن العجز «سيكون مضبوطاً ضمن نطاق ما هو مطلوب من صندوق النقد الدولي»، مشدداً على وجوب أن تكون الموازنة مضبوطة كذلك المالية العامة وكل السياسة الضرائبية، وهذا هو الطريق الجديد الذي سيبدأ مع هذه الموازنة.
من جهته، قال عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر إن الموازنة «ستلحظ إضافات على الرواتب وتصحيح موضوع الضمان الاجتماعي في إطار خطة التعافي الاقتصادي»، مشيرا إلى أن مقاربة الأمور ستكون من منطلق عدم تحميل عبء كبير لطرف واحد، خصوصا أن هناك قطاعات عدة ملحة اليوم وتحتاج موازنات.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».