بدأت ألمانيا اليوم الأربعاء محاكمة طبيب سوري يشتبه في ارتكابه جرائم ضد الإنسانية؛ من بينها تعذيب سجناء في مستشفيات عسكرية بسوريا، وذلك في ثاني قضية من نوعها فيما يتعلق بمزاعم أعمال تعذيب بدعم من الدولة في الصراع السوري.
فبعد حكم محكمة ألمانية مهم الأسبوع الماضي على ضابط مخابرات سوري سابق بالسجن مدى الحياة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بدأت محاكمة الطبيب البالغ من العمر 36 عاماً في المحكمة الإقليمية العليا في «فرنكفورت أم ماين».
ويواجه المتهم، المعروف فقط بالاسم «علاء.م» بموجب قوانين الخصوصية الألمانية، اتهامات بتعذيب معارضين للرئيس السوري بشار الأسد أثناء عمله طبيباً في سجن عسكري ومستشفيات بحمص ودمشق في 2011 و2012. وتنفي حكومة الأسد الاتهامات بتعذيب سجناء.
وصل «علاء.م» إلى ألمانيا في 2015 ليعمل طبيباً إلى أن قُبض عليه في يونيو (حزيران) 2020، حيث احتُجز على ذمة المحاكمة.
وتحدث المتهم بهدوء أمام المحكمة بلغة ألمانية طليقة عن حياته في سوريا إلى أن قدم طلباً للحصول على تأشيرة بالسفارة الألمانية في لندن مطلع 2015 بوصفه مهاجراً. وأصبح واحداً من 5 آلاف طبيب سوري في ألمانيا ساهموا في تخفيف عجز حاد في العمالة بالقطاع الطبي.
ولم يتطرق علاء؛ وهو أب لطفلين وعمل في مستشفيات ألمانية عدة، إلى الاتهامات في تصريحاته الأولية، لكنه أقر بعمله في مستشفى عسكري بسوريا.
وذكر أنه لم يواجه مشكلة بصفته مسيحياً في العيش في سوريا قبل الحرب، وأضاف أنه دفع 8000 دولار للإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية هناك.
* الولاية القضائية العالمية
يستخدم المدعون الألمان قوانين السلطة القضائية العالمية التي تسمح لهم بالسعي إلى محاكمة المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في أي مكان بالعالم.
واتهم المدعون «علاء.م» في 18 قضية تعذيب، ويقولون إنه قتل أحد السجناء. وفي إحدى القضايا، يُتهم المدعى عليه بإجراء جراحة تصحيحية لكسر عظمي دون تخدير كاف. كما أنه متهم بمحاولة حرمان السجناء من قدرتهم الإنجابية في قضيتين.
وتشمل أساليب التعذيب الأخرى التي يقول المدعون إنه استخدمها ضد المدنيين المحتجزين غمر الأعضاء التناسلية لمراهق في الكحول بمستشفى عسكري بحمص، وإضرام النار فيها باستخدام قداحة.
وقالت جوندولا فينس بوير، المتحدثة باسم المحكمة، قبل بدء المحاكمة: «كان السجناء مدنيين معارضين لنظام الأسد، والاتهام الموجه له أنه استهدف عن عمد هؤلاء الأشخاص لقمعهم».
عمل الطبيب أيضاً في «المشفى العسكري 601» في المزة بدمشق، والذي شوهدت مشرحته وفناؤه، بحسب «هيومن رايتس ووتش»، في مجموعة من الصور التي تظهر حجم التعذيب الذي تتبناه الدولة ضد المدنيين وقام بتهريبها إلى الخارج مصور يعمل مع الحكومة عرف باسم «قيصر».
وقالت أنتونيا كلاين؛ المستشارة القانونية في «المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان»، الذي يدعم الادعاء في القضية، إن العنف الجنسي بصفته جريمة ضد الإنسانية سيلعب دوراً مهماً في المحاكمة.
وقالت كلاين: «تُظهر المحاكمة أيضاً... مدى تنوع الجرائم (في الصراع السوري) وبأي حجم ستواصل الحدوث».
وقال المحامي السوري أنور البني، الذي يرأس جماعة حقوقية في برلين ساعدت في رفع القضية ضد «علاء.م»، إن المحاكمة ستتمخض عن مزيد من الأدلة على أن الحكومة السورية حرضت على التعذيب للتغلب على الانتفاضة ضد الأسد.
وقال البني: «نأمل أن يحكم عليه بالسجن مدى الحياة»، مضيفاً أنه يتوقع أن تصل المحكمة إلى حكم بنهاية العام الحالي.